د. عارف عوض الركابي : حفلات التخريج .. والفوضى والتهريج
خريجون آخرون وخريجات يجتمعون أياماً للإعداد لحفل التخرج، ينتهي الإعداد بعمل «الحِنَّة».. إذ تتحنن البنات ويتحنن الأولاد.. وأحياناً تقوم البنات بوضع الحنة لزملائهن!!
ويحضر الحفل بعض الآباء والأمهات وهم يشاهدون تلك المناظر المؤلمات الفاضحات، وأُخبِرتُ أن بعض الشباب يحملون زميلاتهم على أكتافهم !!! أمام آبائهن، وقل غير ذلك مما نسمع به ولا يحسن بالمقام حكايته، فإنا لله وإنا إليه راجعون !! وأحسن الله عزاء هذا المجتمع الذي أصيب في مقتل، فإن من مظاهر ذلك هذه الفوضى التي ضُرب بها المجتمع في ثوابته، كيف وصل بنا الحال إلى هذه الأعمال القبيحة المنكرة؟! وهذه المهازل التي كثر روّادها، وقلّ منكروها؟!
إذا سلّم المجتمع زمام قيادته إلى أمثال هؤلاء السفهاء من البنين والبنات فإن العقوبات العاجلة والآجلة تنتظره، أين دور العلماء وأين دور المدرسين ؟! وأين دور الناصحين والناصحات من الطلاب والطالبات؟! وأين دور أسر هؤلاء الطلاب والطالبات؟! ولقد بلغنا قرار وزارة التعليم العالي في منع هذه «الجرائم» التي تقع باسم «حفلات التخريج» لكن جهات كثيرة وكليات وخريجين وخريجات كثر لم يلتزموا بذلك، إذ مازالت المهزلة مستمرة.. وهذه العادة الذميمة الدخيلة على المجتمع مازال وجودها قائماً.
فلتقم الجامعات بدراسة هذه الظاهرة وبذل ما يجب عليها مما هو جزء من واجبها ومسؤولياتها تجاه هذه الظاهرة، وقد تكون بعض هذه التصرفات مما تعاطاه الطلاب والطلاب خلال دراستهم وداخل الحرم الجامعي!! أثناء دراسة الطلاب بالجامعة، وقد زرت في يوم واحد قبل فترة جامعتين وأثناء وقت المحاضرات وجدت حفلات بأعلى مكبرات الصوت، وقد تشككت في البداية من أن الصوت من خارج الجامعة إلا أني وجدته من وسط مبنى الجامعة، في حفلات مختلطة وتبرج وسفور ودق وطبول وصراخ وتصفيق .. وهكذا تمر سنوات الدراسة في بعض ساحات العلم والتعليم وكثير من الطلاب والطالبات بين أركان النقاش السياسية والحفلات الغنائية، وحالات الخلوة بين بعض الطلاب والطالبات تحت الأشجار وفي المطاعم وفي المقاعد بالممرات، وكثير من الطالبات همها إجادة عرض الأزياء.. وأما العلم والتحصيل والبحث وتنمية ملكات البحث وتجويد التخصص فهو آخر ما يهتم به عند الكثيرين والكثيرات !! ولذلك فلماذا يفرح هؤلاء الخريجون، وبماذا يفرح لهم أهلهم؟!
وأما البذخ والترف ودفع الأموال في تلك الحفلات فهو جزء من حالة ازدواجية يعانيها كثيرون في مجتمعنا، فنحن في مجتمع اشتد فقر أهله وامتلأت المستشفيات بالأطفال وغيرهم وبات كثيرون يأكلون وجبة واحدة !! وهي من الفتات.. ومع ذلك فالطالب والطالبة يدفعان الملايين لأجل إقامة تلك «الجرائم».. المسماة زوراً «حفلات تخريج».. ولك أن تعجب أن بعض زملائهم الذين درسوا معهم خمس أو أربع سنوات لم يتخرجوا لأنهم لم يستطيعوا توفير رسوم الدراسة، فلو كان لهم فضل من مال لكان لهم إنفاقه لإخوانهم وتكون فرحتهم حينئذٍ فرحة حقيقية .. يا أيها الأب ويا أيتها الأم إن مسؤوليتكما ليست في توفير المال لأبنائكم ومتابعتهم في دراستهم وتوفير المسكن والطعام ودفع رسوم الدراسة فحسب!!
إن عناية الأسر بتعليم أبنائها وتحملهم التكاليف الكثيرة في دراستهم لأجل أن يتعلموا ويتخصصوا في التخصصات بأنواعها لهو أمر تشكر عليه تلك الأسر ويدعى لها بسببه بأن يخلف الله عليهم خيراً وأن يعينهم على القيام بواجبهم تجاه أبنائهم وهو أمر يشجع عليه، ويجب أن يشكر كلَّ من يهتم بهذه الجوانب ويبذل فيها مالاً أو وقتاً أو جهداً. فإن العلم أساس مهم في الحياة ومرتكز ضروري للتقدم والرقي في المجتمعات، وهو من الضرورات، وقد بات ذلك من المعلوم ضرورة، وقد أصبح الصرف على التعليم يحتل المركز الأول في ميزانية كثير من الدول. لكن يجب على تلك الأسر وأولئك الآباء والأمهات التوازن في أمورهم، والشمولية في نظرتهم للقيام بواجبهم تجاه أبنائهم من سيسألهم الله عنهم، فيا ترى ما نصيب العناية بمتابعة الأبناء؟! وما نصيب العناية بسلوكهم وأخلاقهم واهتماماتهم وأصدقائهم؟! ما نصيب ذلك في اهتمامات الأُسر والمجتمع؟!
لأجل الدراسة والتعليم الأكاديمي تصرف الأسر على أبنائها ولا تبالي.. بل ربما تستدين وقد تبيع ما تحتاج إليه.. وفي الدراسة الأكاديمية تتابع الأمهات قبل الآباء مذاكرة وتحصيل أبنائهم، ويتابعون أخبارهم.. لكن ما نصيب العناية بمتابعة أخلاقهم وسلوكهم والتزامهم بدينهم عند بعض أولياء أمور أولئك الطلاب؟!
كيف تحدث هذه المصائب وبالبيوت آباء وأمهات، وبالمجتمع دعاة وقدوات، وبالجامعات مربون ومربيات؟! وأين دور الإعلام المناسب في مثل هذه الظواهر ؟! لقد وجد من ينكر مثل هذه الأعمال لكن ليس بحجم المصيبة وما تتضمنه هذه الحفلات من رسائل سالبة لها أثرها السيئ في المجتمع.
هذه إشارة وفي نفسي التنبيه عن أمور كثيرة بهذا الصدد لكن الحر تكفيه الإشارة، وقد رجوت بهذا الكلام المجمل نصحاً عاماً حتى يتنبه بعض من يهمهم الأمر ويأخذوا حذرهم.
إن تربية الأبناء وتوجيههم ومتابعتهم في أحوالهم وتصحيح أخطائهم والعناية بهم والسؤال عنهم، يجب أن يكون شغلاً شاغلاً ومهمةً عظيمةً أكيدةً للآباء والأمهات والمربين والمربيات ولكل الجهات التي تحملت هذه الأمانة العظيمة، ليعطوا هذا الأمر قدره حتى يسلم هؤلاء الشباب والشابات من الفتن التي تحيط بهم خصوصاً، وتحيط بالمجتمع عموماً، فإن الأمراض والأسقام «الحسية» التي تنتشر في المجتمعات إن لم تجد ما يقابلها من الدفع والعلاج والوقاية فإنها تفتك بالمجتمع كله إلا من نجّاهم الله تعالى منها، وقد تكون الأمراض «المعنوية» وفتن الشبهات والشهوات أكثر ضرراً وبلاءً وأسرع انتشاراً وأقوى فتكاً.
إن كل من تحمل مسؤولية فإنه يجب عليه أن يتذكر أنه إن فرّط فيها وخان أمانته فإن وعيداً عظيماً ينتظره في الحال وفي المآل، قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» وقال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: «ألا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فالإِمَامُ الذي على الناس رَاعٍ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ على أَهْلِهِ بيته، وهوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ…». وقال عليه الصلاة والسلام: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».
٭ يجب على كل راعٍ أن يبحث ويجتهد ويتعلم حتى يبلغ ويدرك السبيل الذي به ــ بعد توفيق الله تعالى ــ يوفق لأن يؤدي أمانته، وبه يقوم بواجبه تجاه رعيته ولا يكون غاشاً لهم.. ومن علم الله في قلبه أنه يبحث عن براءة ذمته وأداء مسؤوليته وسلامة من تحت يده فإنه سيوفقه ويسدده ويعينه برحمته وفضله.. أسأل الله أن يعيننا للقيام بما يجب علينا، وأن يحفظ لنا فلذات أكبادنا ويسلمهم من كل مكروه وسوء، وأن يجنبهم شر الفتن والفواحش ما ظهر منها وما بطن.
ولا أحتاج إلى التنبيه إلى حفلات التخريج للأطفال في رياض الأطفال التي بلغت مئات الجنيهات.. ما الهدف؟ وما المقصود؟ وما المردود التربوي؟ لهذه الحفلات بهذا البذخ وفي غرف العناية المركزة بالمستشفيات أطفال لا يجدون دواء بخمسين جنيهاً!!
ومن لا يرحم لا يُرحم .. وإنما يرحم الله من عباده الرحماء .. كما أخبر نبي الهدى والرحمة عليه الصلاة والسلام… ولا حول ولا قوة إلا بالله.
صحيفة الإنتباهة
ع.ش
(( د. عارف عوض الركابي : حفلات التخريج .. والفوضى والتهريج )) .
شكرا لك د. عارف عوض ركابي ( بالمناسبة هل أنت شقيق الأخ عبدالعزيز عوض ركابي ؟؟؟ ـ وهو زميل دراسة ) .. وبإختصار شديدحول موضوع حفلات التخرج : أقترح في حالة وجود حاجة لهذه الحفلات يجب أن تكون الجامعة و الشرطة و وزارة الثقافة و ممثلين عن الطلاب و الجهة التي تتعهد بإخراج الحفل . هذه الجهات الخمسة تكون مسؤولة عن تنظيم وقيام الحفل .. أما البحصل حاليا هو قمة الفوضى والإحتيال . وأتمنى من المختصين والطلاب بجامعة السودان حيث يوجد مشروع احتفال بتخريج دفعة من الطلاب ومن ضمنهم ( إبنتي ) أن يستفيدو من هذا الإقتراح .. تجنبا للفوضى والتهريج . والله المستعان ،،،،،،،،،،، .