سياسية

تفاصيل أول مذكرة إصلاحية عام 1993م


[JUSTIFY]حصلت مصادر أمس على أول مذكرة إصلاحية داخل الحركة الإسلامية برزت للوجود أول ما برزت عام 1993م، وأسهم في إعدادها عدد من القيادات من بينها الدكتور عباس علي السيّد، والدكتور محمد المهدي مندور، والسيد إبراهيم كرتي، والمرحوم الأستاذ فتحي خليل والسيد خليفة الشيخ مكاوي والسيد أحمد خليل وآخرون، ودعا معدو المذكرة عضوية التنظيم إلى اجتماع مهم في السادسة والنصف من مساء الخميس السادس عشر من سبتمبر عام 1993م بمقر منظمة الدعوة الإسلامية لمناقشة المذكرة التي أسموها (ورقة) في ذلك الاجتماع المخصص لهذا الغرض. وذيّل معدو المذكرة الدعوة للاجتماع بعبارة: (نرجو الحفاظ على هذه الورقة وإحضارها في الاجتماع أو إعادتها للشخص المعني- إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وجزاكم الله خيراً

مذكرة حول العمل التنظيمي

هياكله/ مناهجه/ وسياساته

«رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي»

صدق الله العظيم

دواعي إعداد المذكرة: مقدمة:

لقد ظل تكوين الجماعة المسلمة هو حلم جيل النهضة الرائد بحسبانها الوسيلة المثلى لبناء صرح الإسلام وتنزيل معانيه وقيمه لضبط حياة الناس، ولم يكن بناء الجماعة المسلمة والحفاظ عليها هو الغاية المرجوة أو منتهى رجاء العاملين في إعداد المشروع الإسلامي الكبير.

إن هذا الفهم يقتضي الاتفاق على ضرورة بقاء التنظيم الرائد في ما يمكن أن نسميه مرحلة الثورة التي تمهد لميلاد الدولة الإسلامية، يبقى التنظيم الرائد حتى يحدد هو ميقات الانتقال الهادي من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة بعد أن تكون العناصر الرائدة قد تمكنت في ثنايا الدولة الإسلامية وأفرغت وسعها في مباشرة التأمين الإستراتيجي للدولة الوليدة بتأمين مرحلة الثورة.

انطلاقاً من هذا الفهم نلتقي ونحن نرقب مسار الثورة ونتلمس آثار وجود التنظيم في مسيرة الثورة، ننطلق لا يقعد بنا حنين إلى جماعتنا التي الفناها وتربينا في كنفها ولسنا وقافين عند ذات هياكلها وبرامجها مدركين ضرورة التغيير وحتمية المواكبة، فالجماعة عندنا ليست صنماً مقدساً أو غاية مرتجاة ولكنها عندنا وسيلة ضرورية لتحقيق أهدافنا في تمكين الإسلام ويمكن لها أن تتشكل وتتغير لاستيعاب التغيير الذي لا يفتأ يطرأ على المجتمعات سنة ماضية لا تتخلف.

إنه من الواجب تأكيد أن في أعناقنا عهداً قديماً ما بلي وولاء لم ينقطع للمعروفين لدينا من قادة الحركة الإسلامية في السودان احتراماً لأشخاصهم وتقديراً لدورهم المشهود في بناء الحركة الإسلامية في السودان، لذا فإننا نرى أن هذا الولاء يوجب علينا بذل ما نرى من نصح قامت دواعيه، وإنا على ثقة أن قادتنا لن يستنكفوا أن يقبلوا النصح فقد مضت السنن بذلك وإن في سيرة الرسول «صلى اللّه عليه وسلم» وصحابته هدى ونوراً، كما أننا لا نرى أن النصح الصادق المنزه عن الأهواء مدخلاً من مداخل الشيطان لتفتيت الجماعة وتشتيت الكلمة والعاصم هو الله وهو الهادي إلى سواء السبيل.

بعد هذه المقدمة وتأسيساً على المعاني التي وردت فيها رأينا أن نفضي بما انطوت عليه الأنفس من تساؤلات ورؤى حول الأجهزة التنظيمية. وجودها وعدمه ومدى فاعليتها وآثار ذلك على التواصل بين القيادات والقواعد ومدى مناسبة السياسات المتبعة لإدارة شؤون البلاد ومدى حظ هذه السياسات من الشورى.

إننا لا نقدس ولا ننتقي قوالب معينة لتقوم عليها الأجهزة التنظيمية لذلك لن نعنى كثيراً بماهية الأشكال التنظيمية القائمة ـ إن وجدت ـ ولكننا نؤكد أن خلطاً كبيراً ولبساً ظلا يعتوران الإخوان منذ سرى فيهم نبأ حل التنظيم، ذلك النبأ الذي سرى دون حيثيات ولم يعرف له مصدر فترتب على ذلك الخبر تداعي البنيات التحتية للتنظيم وصار أشبه ببقايا جيش منكسر وما لبث أن جاء نبأ آخر بعودة التنظيم من غير مصدر معروف ولا حيثيات ولا تحديد كيفية، لذلك ظل التنظيم المعروف لغالب الإخوان يتمثل في القيادة المعروفة للإخوان فيما قبل الثورة إذ لم يصل إلى علمهم حدوث تغيير فظلت قطاعات الإخوان المختلفة تتعامل مباشرة مع الأمين العام أو نائبه لانعدام القنوات التنظيمية التي تنظم انسياب المعلومات والقرارات والتوجيهات صعوداً ونزولاً، تلك المباشرة التي تتسبب في إهدار وقت القيادة والقاعدة على السواء فضلاً عن عدم جدواها، وأنه لجدير بالإثبات أنه لولا الثقة الكبيرة في تجرد ونزاهة وإخلاص الأمين العام ونائبه لانفرط عقد الحركة الإسلامية ولخسرت الثورة أرضها التي تقف عليها.

إننا نلمس بعض صور العمل المنظم في بعض القطاعات ولكننا لا نلمس حجية أو صدى لمقراراتها وتوصياتها ولا نلمس لها أثراً تستشف منه الشورى.

آثار انقطاع التواصل التنظيمي:

إن انقطاع التواصل التنظيمي هو في حد ذاته أثر من آثار ضعف البنى التنظيمية وتترتب عليه هو الآخر آثار سالبة على تماسك الإخوان وبالتالي على تماسك قاعدة الثورة الجماهيرية مما يؤثر تبعاً على حماية قرارات الثورة ومن ثم على تماسك الجبهة الداخلية.

إننا لا ندري أن الوقت قد حان بعد للاستغناء عن التنظيم القوي المتماسك الذي يمكن أن يمثل أساس الثورة وقاعدة انطلاقها بواجهات رسمية تعثر انخراط معظم الإخوان فيها إذ لا جامع اليوم يجمعهم فلم تؤدِ الواجهات دورها وولدت ميتة، فلا على التنظيم أبقينا ولا بالواجهات اكتفينا فأمتنا التنظيم ولم نستطع نفخ الروح في الواجهات. إن وجود تنظيم قوي فاعل ذي برامج مدروسة وفاعلية لهو عامل أساسي لبعث الفاعلية في هذه الواجهات ومن ثم جذب الجماهير إليها وتشكيل صف إسلامي واحد جامع متماسك يحمل رسالة الإسلام ويذود عنها، إننا نلاحظ أنه على الرغم من دعوى التخلي عن الأشكال التنظيمية التقليدية ولكننا نجد أننا لم نتخلَ عن الإخوان وأنهم ليندبون لكل نازلة ويستنفرون ـ من منازلهم ـ للجهاد وغيره من الواجبات الخاصة وتشهد بذلك مواكب المجاهدين والشهداء.

إن انقطاع التواصل التنظيمي يحجب عن القيادة تفاصيل أحوال المجتمع الذي يفترض أن تخترقه الأجهزة التنظيمة وتتخلل ثناياه وتحمل همومه وتطلعاته واتجاهات تفكيره.

لقد بدأ أثر انقطاع التواصل التنظيمي والتفكك الذي طرأ على التنظيم الرائد وتمثل في انقطاع الأثر التربوي الذي كانت تسبقه البرامج التنظيمية على أفراد الجماعة، فظهر الفساد المالي والإداري وفشا سوء استخدام السلطة واستغلال الوظيفة وما أن أوكل إلى أحد الإخوان أمر إلا جأر من حوله من إخوانه أو غيرهم بالشكوى فإن صدقوا كان مرد ذلك سوء تربيته وإن كذبوا كان لسوء تربيتهم، لقد تضاءل وخبا بريق الإخاء السمح، وتميز الإخوة العاملون في مرافق الدولة أو القطاع الخالص ونجد فتنة الإخوان الكبرى في المال والتجارة، لقد استغل كثير من الإخوان التجار الإخوان الرسميين واستغلت كثير من المنظمات والمؤسسات والشركات قناع الإخوان فأضرت بالاقتصاد السوداني وبسمعة الحركة الإسلامية ضرراً يصعب جبره.

إن لانقطاع التواصل التنظيمي آثاراً أمنية سالبة تتمثل في عدم وجود آلية فعالة لحشد الإخوان في أوقات الدواعي لتأمين الثورة مما أدى لتعطيل قدرات الإخوان وطاقاتهم حتى كاد أن يتعطل فيهم الإحساس بالواجب المتعين في حراسة الدولة والدين.

لكل ذلك نرى أنه لابد من إعادة بناء التنظيم وترتيب هياكله بما يمكنه من تجميع أفراده وتوظيف طاقاتهم وتربيتهم ليقوموا بدورهم المرجو في تربية المجتمع وتحريك واجهات العمل السياسي والاجتماعي، ولابد من وضع برامج استقطاب فعالة لتغذية التنظيم لمواكبة المرحلة برفق لا يستفز أعداءنا ولكن بقوة ترهبهم.

إن إعادة البناء يجب ألا تكون عملاً فوقياً منبتاً، بل يجب لتكتمل مشروعية العمل التنظيمي أن يتم ذلك من القواعد.. إن إعادة البناء لا تمنع مراجعة الهياكل والبرامج لتواكب أي تطول إيجابي، بذا نستطيع أن ندرأ المخاطر المحدقة بنا أو على الأقل نكون قد أعددنا العدة لدرئها، إن آلاف الإخوان الآن يتفرجون على مسيرة الثورة ويكاد يكون العمل منحصراً في الخرطوم فهل نحس لإخوان الأقاليم أثراً وإسهاماً في مسيرة الثورة؟

مناسبة السياسات:
إن قيام الثورة ذاته إنجاز مقدس وتبعته إنجازات كبرى في شتى المجالات وكان بالإمكان الإنجاز بما يقارب الإعجاز ولكن اضطراب السياسات المفتقرة إلى الدراسة والشورى كان سبباً في تسجيل إخفاقات كبرى لمست صميم شعارات الثورة في الاكتفاء الذاتي والاعتماد على الذات ولا يكاد يختلف اثنان حول حقيقة اضطراب السياسات الاقتصادية وعظيم أثره على حياتهم معاشاً وسلوكاً. لا نكاد كذلك نجد أثراً لصناديق الدعم الاجتماعي ولا معالجاتها وقد تخلف الإعلام في التعبئة والتوجيه وحشد الطاقات والتأصيل.

إننا لا نكاد نحس للدبلوماسية الرسمية أثراً فضلاً عن عدم وجود برامج معدة لإصلاح الخدمة المدنية التي قعدت بالسودان أن ينهض من كبوته.

إن أخطر ما نلحظ هو تضاؤل الأمل في نفوس السودانيين ونخشى انقطاع الرجاء.

إن أخطر الأمراض التي تنهش كيان الجماعات هو القيل والقال والفتن والهمس والشكوك وإن الإشارة الواضحة والحديث المسموع بداية العلاج الصحيح.

إن ضعفنا الحقيقي يتمثل في تفككنا من الداخل واحتقارنا لمعروف النصح وبذله، إن الاعتداد بالرأي وإقصاء بدائل الرأي الأخرى هو المهلكة لمخالفته لسنة الله وسنة رسوله ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

صحيفة آخر لحظة
ت.إ[/JUSTIFY]