رأي ومقالات

رابح فيلالي : جنوب السودان.. كما تركه آدم عليه السلام

كان من كرم الله علي أن أكون واحدا من الصحافيين العرب الذين عايشوا تجربة الحرب والسلام والاستفتاء وإعلان الدولة في جنوب السودان منذ أن كانت العاصمة جوبا مجرد مجموعة من البيوت المغطاة بالقش وقطع الزنك وأغلب أهلها متروك لقدر الحياة في العراء.

في هذا الجنوب، تنقلت كثيرا عبر كافة الوسائل المتاحة في المكان من الدراجة النارية المستأجرة بمعية سائقها إلى شاحنات نقل المؤونة إلى المناطق المعزولة، إلى الحمير وإلى سيارات وطائرات البعثة الأممية إلى جنوب السودان.. وفي كل هذه التنقلات المرهقة بكل تأكيد أحيانا داخل مستطيل مكاني واحد لا يتعدى عشرات الأميال.

كنت خلال كل تلك التنقلات على موعد بات أكيدا ودوما في مسار تغطياتي مع طيبة الجنوبيين وصدقهم في خدمة الغرباء والحرص على سلامتهم، رغم أن المخاطر التي قد تحدث في أية لحظة، وهي مخاطر تعني الجميع ولا تميز بين طرف وآخر ، إلا أن طيبة الجنوبيين كانت تسبق إحساسهم بالخوف أو بالجوع.

الأمر الآخر الذي كنت على موعد دائم معه هو تلك المناظر التي تنجح دائما في أن تعيد إلى ذاكرتي تلك اللحظة الحميمة والصادقة التي جمعتني بالزعيم الجنوبي الراحل جون قرنق لحظات فقط، وهو يخرج من خيمة وزحمة بروتوكولات توقيع اتفاق نيفاشا للسلام مع الجار الشمالي في ضاحية سياحية من كينيا محادية لغابات الجنوب السوداني.

كان المرحوم قرنق في تلك اللحظة يواجه قلق المستقبل أكثر من مواجهة لحظة الفرحة بالإنجاز بعد أن أصبحت الحرب بين الشمال والجنوب من وراء ظهر السودانيين. هكذا كان الاعتقاد في تلك اللحظة على الأقل.

أقول هذا لأن هذا الجزء من السودان شهد أطول حروب القارة السمراء: 50 سنة من النزاع والحروب المتجددة، كما شهد أكبر موجة من اللاجئين في تاريخ القارة إلى الحد الذي باتت معه تقريبا كل مناطق الجنوب خالية من سكانها ولم يبق في غاباتها سوى المقاتلون في جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان.

قلت كان قرنق بقامته الطويلة وبسمرته الداكنة وبروح النكتة التي لا تفارقه، في تلك اللحظة يخرج للتو من تحت أضواء الخيمة التي جاوره فيها غريمه السياسي في حكومة الشمال علي عثمان طه بعد أن قضى الشركاء الغرماء الشماليون والجنوبيون قرابة ثلاث سنوات في مفاوضات تبدأ ولا تنتهي لتحديد صيغة العلاقة المستقبلية بين جزئين من السودان، وحّدتهما الجغرافيا والتاريخ، وفرقتهما إرادات الساسة طوال نصف قرن من الزمن.

طرحت سؤال على قرنق “هل تعتقدون أنكم جاهزون لمشروع دولة في جنوب السودان”؟
كان هذا السؤال يقلقني جدا وأنا أعرف أن قطع العاصمة المفترضة للدولة المستقبلية جوبا من أقصاها إلى أقصاها لن يسمح لك برؤية عمود كهربائي واحد واقف وأن رؤية الإسمنت في هذا الجزء من العالم لايزال حلما بعيد المنال على أن تراه العين المجردة.

تبسم قرنق كالعهد به في كل حالاته.. في تلك اللحظة الفارقة في حياته النضالية والسياسية وقال لي “أنت تعرف يا صديقي أن جنوب السودان لايزال على وضعه كما تركه آدم عليه السلام”.

ابتسم لابتسامتي رجل آخر كان يقف إلى يسار قرنق. لقد كان الرجل في موقع القلب من الفقيد قرنق.. شمالي أسمر الوجه وقوي الإرادة لكنه بقوة الإيمان الثوري بداخله اختار أن يحارب أهله في الشمال وأن يقف مع أهل الجنوب إيمانا وتسليما بعدالة قضيتهم، إنه ياسر عرمان العضو القيادي في الحركة الشعبية لتحرير السودان والعضو البارز في المفاوضات بين الشمال والجنوب.

ابتسم ياسر ودعاني لمجلس شاي تحت ضوء قمر إفريقي ناعم الملامح حتى وإن أحاطت بالمكان برودة قاسية جدا والعالم في تلك اللحظات يحتفل بأعياد الميلاد لعام 2004.

بين رشفات الشاي تلك وياسر يحدثني عن المفاوضات، تاهت أفكاري بين ذاكرتي وما تخزنه من صور من جنوب السودان عبر تاريخ طويل من التنقلات في الجنوب وبين تحديات المستقبل لبناء دولة في مكان ما من العالم لم يذكر التاريخ يوما أنه عاش تجربة الدولة.

كل هذه الصور عادت إلى ذاكرتي وأنا أقطع طريقي إلى العمل هنا في واشنطن، هذا الصباح ومذيع الأخبار في الإذاعة الوطنية الأميركية يعلن محاولة انقلاب عسكري في جنوب السودان..
عن أي انقلاب يتحدثون وعن أية دولة يتقاتلون؟

هذا ما سأقوله لكم في المرة القادمة.

كان من كرم الله علي أن أكون واحدا من الصحافيين العرب الذين عايشوا تجربة الحرب والسلام والاستفتاء وإعلان الدولة في جنوب السودان منذ أن كانت العاصمة جوبا مجرد مجموعة من البيوت المغطاة بالقش وقطع الزنك وأغلب أهلها متروك لقدر الحياة في العراء.

في هذا الجنوب، تنقلت كثيرا عبر كافة الوسائل المتاحة في المكان من الدراجة النارية المستأجرة بمعية سائقها إلى شاحنات نقل المؤونة إلى المناطق المعزولة، إلى الحمير وإلى سيارات وطائرات البعثة الأممية إلى جنوب السودان.. وفي كل هذه التنقلات المرهقة بكل تأكيد أحيانا داخل مستطيل مكاني واحد لا يتعدى عشرات الأميال.

كنت خلال كل تلك التنقلات على موعد بات أكيدا ودوما في مسار تغطياتي مع طيبة الجنوبيين وصدقهم في خدمة الغرباء والحرص على سلامتهم، رغم أن المخاطر التي قد تحدث في أية لحظة، وهي مخاطر تعني الجميع ولا تميز بين طرف وآخر ، إلا أن طيبة الجنوبيين كانت تسبق إحساسهم بالخوف أو بالجوع.

الأمر الآخر الذي كنت على موعد دائم معه هو تلك المناظر التي تنجح دائما في أن تعيد إلى ذاكرتي تلك اللحظة الحميمة والصادقة التي جمعتني بالزعيم الجنوبي الراحل جون قرنق لحظات فقط، وهو يخرج من خيمة وزحمة بروتوكولات توقيع اتفاق نيفاشا للسلام مع الجار الشمالي في ضاحية سياحية من كينيا محادية لغابات الجنوب السوداني.

كان المرحوم قرنق في تلك اللحظة يواجه قلق المستقبل أكثر من مواجهة لحظة الفرحة بالإنجاز بعد أن أصبحت الحرب بين الشمال والجنوب من وراء ظهر السودانيين. هكذا كان الاعتقاد في تلك اللحظة على الأقل.

أقول هذا لأن هذا الجزء من السودان شهد أطول حروب القارة السمراء: 50 سنة من النزاع والحروب المتجددة، كما شهد أكبر موجة من اللاجئين في تاريخ القارة إلى الحد الذي باتت معه تقريبا كل مناطق الجنوب خالية من سكانها ولم يبق في غاباتها سوى المقاتلون في جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان.

قلت كان قرنق بقامته الطويلة وبسمرته الداكنة وبروح النكتة التي لا تفارقه، في تلك اللحظة يخرج للتو من تحت أضواء الخيمة التي جاوره فيها غريمه السياسي في حكومة الشمال علي عثمان طه بعد أن قضى الشركاء الغرماء الشماليون والجنوبيون قرابة ثلاث سنوات في مفاوضات تبدأ ولا تنتهي لتحديد صيغة العلاقة المستقبلية بين جزئين من السودان، وحّدتهما الجغرافيا والتاريخ، وفرقتهما إرادات الساسة طوال نصف قرن من الزمن.

طرحت سؤال على قرنق “هل تعتقدون أنكم جاهزون لمشروع دولة في جنوب السودان”؟
كان هذا السؤال يقلقني جدا وأنا أعرف أن قطع العاصمة المفترضة للدولة المستقبلية جوبا من أقصاها إلى أقصاها لن يسمح لك برؤية عمود كهربائي واحد واقف وأن رؤية الإسمنت في هذا الجزء من العالم لايزال حلما بعيد المنال على أن تراه العين المجردة.

تبسم قرنق كالعهد به في كل حالاته.. في تلك اللحظة الفارقة في حياته النضالية والسياسية وقال لي “أنت تعرف يا صديقي أن جنوب السودان لايزال على وضعه كما تركه آدم عليه السلام”.

ابتسم لابتسامتي رجل آخر كان يقف إلى يسار قرنق. لقد كان الرجل في موقع القلب من الفقيد قرنق.. شمالي أسمر الوجه وقوي الإرادة لكنه بقوة الإيمان الثوري بداخله اختار أن يحارب أهله في الشمال وأن يقف مع أهل الجنوب إيمانا وتسليما بعدالة قضيتهم، إنه ياسر عرمان العضو القيادي في الحركة الشعبية لتحرير السودان والعضو البارز في المفاوضات بين الشمال والجنوب.

ابتسم ياسر ودعاني لمجلس شاي تحت ضوء قمر إفريقي ناعم الملامح حتى وإن أحاطت بالمكان برودة قاسية جدا والعالم في تلك اللحظات يحتفل بأعياد الميلاد لعام 2004.

بين رشفات الشاي تلك وياسر يحدثني عن المفاوضات، تاهت أفكاري بين ذاكرتي وما تخزنه من صور من جنوب السودان عبر تاريخ طويل من التنقلات في الجنوب وبين تحديات المستقبل لبناء دولة في مكان ما من العالم لم يذكر التاريخ يوما أنه عاش تجربة الدولة.

كل هذه الصور عادت إلى ذاكرتي وأنا أقطع طريقي إلى العمل هنا في واشنطن، هذا الصباح ومذيع الأخبار في الإذاعة الوطنية الأميركية يعلن محاولة انقلاب عسكري في جنوب السودان..
عن أي انقلاب يتحدثون وعن أية دولة يتقاتلون؟

هذا ما سأقوله لكم في المرة القادمة.

رابح فيلالي -الحرة

‫6 تعليقات

  1. [SIZE=5]كلمة المرحوم هذه صفة تطلق علي كل ميت وهل قرنق مات علي الاسلام ام علي غيره رحمة الله وسعت كل شئ في الدنيا مسلم وكافر اما في الاخره رحمته تشمل كل من به وبرسله وملائكته وكتبه واليوم الاخر والقضاء والقدر فكل انسان يطلق كلمة المرحوم علي كل هالك هذه انسان جاهل ولم تأتي بجديد عن جنوب السودان غير انك اثبت انكم كنتم السبب في فصل الجنوب ان شاء الله الدائره تدور عليك[/SIZE]م

  2. إنتا لا رابح ولا رايح
    إنتا رايح جاي في الفاضي
    عامل فيها يعني خلاص يعني فاهم الاحداث في الجنوب يا أخ قوم لف
    بس عاوز تدلي بدلوك ودلوك حبله نقض وكمان الدلو زاتو قربة ومقددة

    تعريجة
    إنتا ناقصك بس تاخد ليك سوطين عنج مقطرن

  3. [SIZE=5]أنتم الأغراب من منظمات مجتمع مدنى و مجلس الكنائس العالمى و النشطاء الغربيين ،أنتم من أججتم نيران الفتنة بين الشمال و الجنوب .وهذا بدأ بسياسة المناطق المقفولة التى لازلنا مكتويين بنيرانها .(ان اللذين فتنوا المؤمنين ثم لم يتوبوا لهم عذاب جهنم و عذاب الحريق.)صدق الله العظيم .كفوا عنا زياراتكم.[/SIZE]

  4. ***المصريين طول عمرهم منافقين وبربارين ونصابين وكزابين وطماعين ومرتزقه…
    ***جنوب السودان.. كما تركه آدم عليه السلام ، وهل كان آدم عليه السلام يسكن في البيوت المغطاة بالقش وقطع الزنك ويركب دراجة نارية مستأجرة بمعية سائقها
    ***تبسم قرنق كالعهد به في كل حالاته.. في تلك اللحظة الفارقة في حياته النضالية والسياسية وقال لي “أنت تعرف يا صديقي أن جنوب السودان لايزال على وضعه كما تركه آدم عليه السلام”.
    ***طلبتم من الأثيوبيين بناء سد نهضه صغير أو تشاركوهم في بناء السد ، لكن الأثيوبيين قيادة وشعبا عارفين خساستكم ونذالتكم وجشعكم … لذلك ردوا عليكم بالحرف الوآحد نحنا قادرين نبني سد النهضة بأنفسنا وإمكانياتنا دون نقصان أبعاده سم وأحد ولسنا بحاجه لمساعدتكم
    ***الحين بتلفوا وتدوروا على ( دولة جنوب السودان ) حكومة وشعبا متخيلين خوازيقكم وفهلوتكم ونصبكم وكلامكم المعسول يمكن أن يؤثر على حكومة الجنوب ، وبالتالي تنصبوا شباك الخسه والفتنه والنذالة والإصطياد في الماء العكر …
    …ثقوا تماما يامصاريا أن أسلوبكم أصبح معروف ومكشوف لكل الدنيا ولا يصلح إلا مع حكومة جمهورية السودان الديمقلراطيه … التي أثبتت جليا وعلى مر العصور والحكومات ضعفها وآخيرا ترهلها
    ***عجيب أمركم أيها المصريين النصابين الأفاقين أصحاب اللسان المدهلس … هل السودان وصي على أثيوبيا لردها عن بناء سد النهضة ، إسلوب الدهنسه وبيع الكلام هذا لا يصلح إلا مع السودان أو حكومة السودان ، وإذا عندكم كلام أو حق روحوا للأثيوبين أصحاب الشأن ولسنا تبع لكم ، لا لجنة ثلاثية ولا شئ ، ما لنا دخل فيكم ، سمعنا إنكم يالمصاريه طلبتم من أثيوبيا بناء سد نهضة صغير ، فالكم زيكم وعشم إبليس في الجنة
    ***قلنا لحكومتنا الرشيدة أن تتعامل معكم بنديه دون أي مجاملات ، ولكنهم كغيرهم من الحكومات التي مرت على السودان لن يعوا الدرس إلا بعد إنتهاء صلاحيتهم وزهابهم إلى مزبلة التاريخ ، والتاريخ لا يرحم أمثالهم
    ***إحتل المصريين حلاييب وشلاتين في عهد الرئيس حسني مبارك ، وحكوتنا نايمه في العسل ، الدفاع عن الدين والنفس والعرض والأرض والمال ، ولا مجاملة في ذلك
    ***كافأهم رئيسنا عمر البشير .. بإعطائهم إستثمارات بلوشي بملايين الأفدنة ، بالجزيرة والدويم والولاية الشمالية (مليون ومئتان وخمسون ألف فدان) بناء على رغبة المصريين أن تكون الأرض في شمال السودان تحديدا في الولاية الشمالية ياللعجب ؟ لماذا ؟ ولماذا منحوا فترة 99 عام … حتى لو كانت الفترة موجوده في الدستور ؟ يجب تعديل هذا البند أقصى حد 20 سنه
    ***والشئ المؤسف أن يلبي رئيسنا عمر البشير … فوراً طلب رئيسهم السابق مرسي … بمنحهم أرض شمال الخرطوم لبناء مجمع صناعي شمال الخرطوم ؟ مايبنوا مجمعهم ومصانعهم ببلادهم وفي أراضيهم ولا بلادنا هامله
    ***خالين المصريين يسرحوا ويمرحوا بالبلاد بحرياتكم الأربعة التي لن يطبقوها معكم ببلادهم ، الدليل كل فترة وفترة يدخلوا الحدود السودانية وبقتلوا عدد من السودانيين ويصرحوا بأن السودانيين دخلوا بلادهم دون تصريح بدخول الأراضي المصرية ؟ وين حرياتكم الأربعة ؟ يعني السودانيين زلايب حكومة وشعبا
    ***بالإضافة لإطلاقهم النار على السودانيين الذين إجتازوا الحدود من مصر إلى رفح ؟ إجتازوا طيب ليه يطلقوا عليهم النار ؟
    ***نأمل تصعيد قضية حلايب وشلاتين وفي حال رفضت مصر الخروج من حلايب وشلاتين أن يقوم السودان بقطع علاقاته مع مصر ومنح السفير وكل البعثات المصرية بالسودان 24 ساعة للخروج من السودان وإلغاء الحريات الأربعة ، ونزع كل الأراضي التى منحت لهم ، ورفع ملف حلايب وشلاتين لمجلس الأمن للتحكيم الدولي فوراً

  5. رابح فيلالي : جنوب السودان.. كما تركه آدم عليه السلام
    كان من كرم الله علي أن أكون واحدا من الصحافيين العرب الذين عايشوا تجربة الحرب والسلام والاستفتاء وإعلان الدولة في جنوب السودان منذ أن كانت العاصمة جوبا ……………………………………………………..
    ***أبشرك يا رابح فيلالي :
    بأن حكومة دولة جنوب السودان ( ستنبي سد قرن ق) تخليدا لذكرى القائد الدكتور جون قرنق