رأي ومقالات

د. عارف عوض الركابي : الفوارق بين المرأة والرجل

[JUSTIFY]أواصل عرض بعض موضوعات كتابي في نقد اتفاقية «سيداو» في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية، ولما كانت الاتفاقية يراد منها فرض الأنموذج الغربي لقضايا المرأة في كل جهات العالم كان توضيح الفوارق بين المرأة والرجل في الخلقة والصفات والتكوين وما ترتب عليه من فوارق بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات والوظائف، كان توضيح هذا الجانب من أهم جزئيات الدراسة ومما أوردته في ذلك:

إن الأصل في الأحكام الشرعية أنها موجهة للمرأة والرجل، إلا أن هذا الأصل يختلف في بعض الأحكام، وهذا الاختلاف يرجع سببه إلى طبيعة المرأة وخصائصها واختلافها عن طبيعة الرجل وخصائصه، ويرجع إلى مهام كل منهما في الحياة، وبالتالي فإن أي حكم شرعي كان فيه الاختلاف بين المرأة والرجل مثل «الولاية العامة، الميراث، القوامة، الولي، الشهادة… ألخ» فإنه يرجع في تفسيره إلى الاختلاف – القائم والمُسلّم به بين الرجل والمرأة في الخِلقة والطبيعة والصفات العامة من القوة والضعف والعاطفة وغيرها.. فكانت مقاصد التشريع في التفريق في بعض الأحكام ترتكز على هذا الأصل في اختلاف الجنسين.
لقد خلق الله الخلائق على اختلافها لغاية عظيمة، وهي العبادة، ولتحقيق العبودية لله تعالى وحده دون غيره من المخلوقات. قال الله تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ».

وقد خلق الله بني الإنسان من ذكر وأنثى، وميَّز كلاً منهما بخصائص تختلف عن غيره في طبيعته، وطاقته، وقدرة تحمله؛ ومن ثم فالمهام الملقاة على أحدهما تختلف عن الآخر بشكل متناسب، ومتناسق، وقد قال الله الخالق سبحانه وتعالى: «أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ».

فكان من مهمة الرجل طلب العيش والرزق، والبحث عنه، والإنفاق على الزوجة والأسرة، وهذا ما لا تستطيعه المرأة على الوجه الأكمل وكان من مهمة المرأة إنجاب الأولاد، وتربيتهم التربية الصحيحة، وتكون لزوجها راحة وتشجيعاً، قال الله تعالى: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ». ومن هذه المهام ما لا يستطيع الرجل أن يقوم بها على الوجه الأكمل كالأعمال المنزلية، ومنها ما لا يستطيع القيام بها أبدًا كالحمل والإرضاع؛ فمثل الرجل والمرأة كمثل الليل والنهار، لكل واحد منهما دوره ومهمته، فالنهار للإبصار والتحرك والعمل والنشاط، فيكون فيه طلب الرزق والكسب من أجل الإنفاق، وهذا ينطبق على الرجل. وأما الليل فهو للسكن، والهدوء، والنوم، والاستقرار، وهذا ينطبق على المرأة.

فالرجل والمرأة لكل واحد منهما دوره في الحياة، فلا يحاول أحد منهما أن يقوم بمهام الآخر، فإن ذلك لن يكون، وإذا حصل فتكون النتائج عكسية وسلبية، إما عليهما، أو على أولادهما، أو على المجتمع، – وغالباً ما يكون صاحب الضرر الأكبر في ذلك هي المرأة نفسها!- ذلك لأنها تجري على عكس ما فُطرت وجُبلت عليه المرأة، والرجل كذلك قد يتضرر، قال الله تعالى: «فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ».

فهذا ما أراده الله سبحانه وتعالى «كوناً».. فوجب التسليم لهذا التفريق بين الجنسين الذي أراده الله كوناً.. فإن الفوارق بين الرجل والمرأة الجسدية والمعنوية ثابتة قدراً وحساً وعقلاً وشرعاً.

بيان ذلك أن الله خلق الرجل والمرأة شطرين للنوع الإنساني «ذكراً وأنثى» قال الله تعالى: «وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى».
يشتركان في عمارة الكون كل فيما يخصه لكن لما قدر الله وقضى، أن الذكر ليس كالأنثى في الصفة والهيئة والتكوين، ففي الذكور كمال خلقي وقوة طبيعية، والأنثى أنقص منه خلقة وجبلة وطبيعة لما يعتريها من الحيض والمخاض والإرضاع وشؤون الرضيع والتربية ولهذا خلقت من ضلع آدم عليه السلام فهي جزء منه تابع له ومتاع له، والرجل مؤتمن على القيام بشؤونها وحفظها والإنفاق عليها، وعلى نتاجها من الذرية، كان من آثار هذا الاختلاف في الخلقة الاختلاف بينهما في القوة والقدرات الجسدية والعقلية والعاطفية والإرادية وفي العمل والأداء والكفاية في ذلك؛ إضافة إلى ما توصل إليه العلماء في الطب الحديث من عجائب الآثار من تفاوت الخلق بين الجنسين.

وهذان النوعان من الاختلاف أنيطت بهما جملة كبيرة من أحكام التشريع، فقد أوجبا ببالغ حكمة الله العليم الخبير التفاوت والتفاضل بين الرجل والمرأة في بعض أحكام التشريع ومن ذلك:

1/ في المهمات والوظائف التي تلائم كل واحد منهما في خلقته وتكوينه، وفي قدراته وأدائه.
2/ وفي اختصاص كل منهما في مجاله من الحياة الإنسانية، لتتكامل الحياة وليقوم كل منهما بمهمته فيها.
فخص الله سبحانه وتعالى الرجال ببعض الأحكام التي تلائم خلقتهم وتكوينهم وتركيب بنيتهم وخصائص تركيبها وأهليتهم وكفايتهم في الأداء وصبرهم وجلدهم ورزانتهم وجملة وظيفتهم خارج البيت والسعي والإنفاق على من في البيت وخصّ النساء كذلك بوظائف تليق بهن منها القيام على أمر البيت وأبرز ما في ذلك: تربية من فيه وبذلك تبنى الأسرة التي منها يكون بناء المجتمع والأمة.

فتلك إرادة الله الكونية القدرية في الخلق والتكوين والمواهب، وهذه إرادة الله الدينية الشرعية في الأمر والحكم والتشريع، فالتقت الإرادتان على:

1/ مصالح العباد وعمارة الكون.
2/ انتظام حياة الناس والبيت، والجماعة، والمجتمع الإنساني، وهذا طرف مما اختص به كل واحد منهما.
فكانت مقاصد تشريع الأحكام تتلاءم مع هذا الاختلاف المُسلّم به. فمن الأحكام التي اختص بها الرجال: أنهم قوامون على البيوت بالحفظ والرعاية وحراسة الفضائل وكف الرذائل والذود عن الحمى من الغوائل وقوامون على البيوت بمن فيها بالكسب والإنفاق عليهم. قال الله تعالى: « الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله». ومنها أن الرسالة لم تكن إلا في الرجال دون النساء قال الله تعالى: «وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى»، وأن الولاية العامة والنيابة عنها، كالقضاء وغيره وسائر الولايات كالولاية في النكاح لا تكون إلا للرجال دون النساء. وأن الرجال اختصوا بكثير من العبادات دون النساء مثل فرض الجهاد والجمع والجماعات والآذان والإقامة وغيرها. وجعل الطلاق بيد الرجل لا بيدها. والأولاد ينسبون إليه لا إليها. وأن للرجل ضعف ما للأنثى من الميراث والدية والشهادة والعتق والعقيقة. وهذه وغيرها من الأحكام التي اختص بها الرجال هو معنى ما ذكره الله في آخر آية الطلاق من سورة البقرة في قوله تعالى: «وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم». وأما الأحكام التي اختص الله بها النساء فكثيرة منثورة في أبواب العبادات والمعاملات والأنكحة وما يتبعها والقضاء والمواريث وغيرها وهي معلومة في القرآن والسنة والمدونات الفقهية بل أفردت بالتأليف قديماً وحديثاً ومنها ما يتعلق بحجابها وحراسة فضيلتها.

وما سبق من الأحكام التي اختص الله سبحانه بها كل واحد من الرجال والنساء فإنها تفيد أموراً منها الثلاثة التالية:

1/ الإيمان والتسليم بالفوارق الحسية والمعنوية والشرعية بين الرجال والنساء.
2/ يجب أن يرضى كلٌ من الرجال والنساء بما كتب الله له قدراً وشرعاً.
3/ أن هذه الفوارق هي من العدل، وفيها انتظام حياة المجتمع الإنساني.

ويمكن وضع خلاصة للمسائل السابقة في ما يلي:

إن الإسلام قد أحل المرأة المكانة اللائقة بها في ثلاثة مجالات رئيسة:
1- المجال الإنساني: فاعترف بإنسانيتها كاملة كالرجل وهذا ما كان محل شك أو إنكار عند أكثر الأمم المتمدنة سابقاً.
2 – المجال الاجتماعي: فقد فتح أمامها مجال التعلم، وأسبغ عليها مكاناً اجتماعياً كريماً في مختلف مراحل حياتها منذ طفولتها حتى نهاية حياتها، بل أن هذه الكرامة تنمو كلما تقدمت في العمر: من طفلة إلى زوجة، إلى أم، إلى حيث تكون في سن الشيخوخة التي تحتاج معها إلى مزيدٍ من الحب والإكرام والوفاء والتقدير.
3 – المجال الحقوقي: فقد أعطاها الأهلية المالية الكاملة في جميع التصرفات حين تبلغ سن الرشد.
ومع هذا فإننا نجد أن الإسلام قد فرق بين الرجل والمرأة في بعض المجالات، ومن المؤكد أن هذا التفريق لا علاقة له بالمساواة بينهما في الإنسانية والكرامة – بعد أن قررها الإسلام لها على قدم المساواة مع الرجل – بل لضرورات خلقية واجتماعية واقتصادية ونفسية اقتضت ذلك.

إن الإسلام بعد تقرير المساواة بين الرجل والمرأة في معنى الإنسانية والكرامة البشرية والحقوق التي تتصل مباشرة بالكيان البشري المشترك والمساواة في عموم الدين والتشريع، يفرق بين الرجل والمرأة في بعض الحقوق وبعض الواجبات، تبعاً للاختلاف الطبيعي الحاسم بينهما في المهام والأهداف. والاختلاف في الطبائع التي جبل عليها كل منهما، ليؤدي بها وظيفته الأساسية، وهنا تحدث الضجة الكبرى التي تثيرها المؤتمرات الخاصة بالمرأة وروادها، ويثيرها مقلدوها في العالم الإسلامي، المروجُون لفكرة المساواة التماثلية بين الجنسين.

إن أية فكرة أو دعوة تقوم على مصادمة السنن الاجتماعية والفطر البشرية مصيرها الفشل الذريع، والخسران المبين، وهذا سبب فشل حركات تحرير المرأة.
كما أن المرأة تتضرر قبل الرجل بتطبيق ما دعت إليه الاتفاقية وتلك المؤتمرات، فتكلف في الأعمال والأعباء والإنفاق ما يثقل كاهلها ولا يتناسب مع طبيعتها وتكوينها الخَلْقي. وفي تأكيد ذلك شهادات جماعية وفردية لنساء شهدن بأنهن المغبونات والمغشوشات بما أقدمن عليه من العمل في ميادين لا تتناسب مع خلقتهن ومهامهن في الحياة ، «ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور».

فإن المقاصد الشرعية لها رعايتها في تشريع الأحكام في دين الإسلام، لذلك راعت الشريعة الفوارق بين الجنسين، وقصدت التفريق بينهما في بعض الأحكام لتتلاءم مع خلقة وتكوين كل منهما، ومن تأمّل ذلك وتدبره يجده من الوضوح بمكان، بلا خفاء أو التباس.

صحيفة الإنتباهة
[/JUSTIFY]

تعليق واحد