تغييرات الولاة.. إجهاض للانتخابات أم إحكام للسيطرة؟!
وتحدث وزير النفط الأسبوع الماضي أمام نواب البرلمان عن ما تعانيه البلاد من أزمات في الوقود، في وقت كشف فيه النواب عن وصول باخرة محملة بالجازولين غير مطابقة للمواصفات، و(تجرأ) النواب بنقد أداء وزارة النفط بعد مغادرة الوزير السابق د. «عوض أحمد الجاز» الذي كان يتكئ على مركز قوي جداً داخل النظام جعل الحديث عن ما يجري داخل وزارة الطاقة بمثابة جرم يعاقب فاعله، ويستخدم «الجاز» عصا غليظة في الدفاع عن وزارته وفرض سياج حديدي على المعلومات الخاصة بالتنقيب وعقود الشركات وكيفية إدارة مال البترول، بل إن المظالم التي لحقت بالمواطنين والأهالي في مناطق التعدين عن البترول دفعت بعضهم إلى حمل السلاح في وجه الدولة والتمرد على سلطانها، وتستخدم الوزارة العصا الغليظة في وجه المواطنين المطالبين بحقوقهم في الخدمات، بل انتهجت وزارة النفط في حقبة الوزير السابق د. «عوض الجاز» سياسة (قصدية) في تغيير وتبديل أسماء مناطق الاستكشافات البترولية إمعاناً في هضم حقوق مناطق الإنتاج حتى (الأدبية)، وقد اضطر النائب الأول «علي عثمان محمد طه» إلى التدخل برمزيته للحيلولة دون تبديل اسم حقل (البرصاية) الذي افتتح العام الماضي إلى حقل (النجمة)..
وتحدث النواب الأسبوع الماضي بقدر من الحرية ونزعوا غلالة الخوف في وجود المهندس «مكاوي محمد عوض» الذي ستواجه حقبته كوزير للنفط مشكلات كبيرة، حيث بدأت آثار الأزمة الاقتصادية تلقي بظلالها على الأوضاع في البلاد.. ويمثل نقص المشتقات البترولية الوجه الأول لأزمة مسكوت عنها لحقبة طويلة خاصة شح الجازولين في الولايات، مما أدى إلى فشل الموسم الزراعي في عدد من ولايات السودان، خاصة تلك التي تدور فيها معارك عسكرية، حيث يمثل الجازولين سلاحاً يستخدمه المتمردون، مما دفع الحكومة لاتخاذ تدابير للحيلولة دون وصول الجازولين للمتمردين، وفي مناطق مثل جنوب كردفان إذا كانت حاجة المواطن لجالون من الجاز الأبيض لاستخدامه في منزله لن يحصل عليه إلا بتصديق من السلطات الأمنية، والآن بات دقيق الخبز مشكلة أطلت برأسها أولاً في الولايات وغداً ستبلغ الخرطوم وتبدأ الاحتجاجات..
وقد بددت أزمات الشتاء الحالية تفاؤل وزير المالية «بدر الدين محمود» وقوله إن (الأوضاع الاقتصادية مستقرة) ولا شح في الخبز أو الوقود أو الدواء.. وقبل أن يستريح «بدر الدين محمود» في المقعد الوثير بدأت الأزمات الاقتصادية تطل بوجهها الكالح، وارتفعت أصوات عديدة داخل المؤتمر الوطني وخارجه تطالب بإصلاحات سياسية وإيقاف الحرب التي يزداد الإنفاق عليها يوماً بعد الآخر.. ولكن لا حياة لمن تنادي.. فالحكومة لا تصغي إلى نصائح الحادبين والمشفقين، وتطرب لأحاديث غير عقلانية تدعوها إلى الحرب ومواجهة مطالب المعارضة المسلحة بمزيد من التجاهل والتسفيه وازدراء الآخرين، حتى بات الوضع الاقتصادي على ما هو عليه الآن.. ووزير النفط المهندس «مكاوي» لم يجب عن سؤال تقدم به بعض النواب حول إنتاج البلاد من البترول هل هو (150) ألف برميل في اليوم كما جاء في مشروع الموازنة السابقة أم لا يزال الإنتاج (130) ألف برميل؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى ضعف الإنتاج؟ وهل ثمة اكتشافات بترولية جديدة؟ أم أن الآبار المنتجة حالياً في طريقها للنضوب في مقبل السنين؟؟
في هذا المناخ ينفي وزير الخارجية «علي كرتي» ما ورد في بعض صحف (الثلاثاء) الماضي عن اتفاق بين دولتي السودان وجنوب السودان لتشكيل قوة مشتركة لحماية آبار النفط من هجمات المتمردين الجنوبيين الذين سيطروا على آبار البترول في ولاية الوحدة، بينما لا تزال القوات الحكومية الجنوبية تسيطر على آبار النفط في إقليم أعالي النيل.. والسودان شريك أساسي في نفط الجنوب وتبلغ الميزانية التقديرية لعائدات صادر البترول نحو ملياري دولار في العام!! ألا يحق للسودان في ظل هذا الواقع حماية مصالحه الإستراتيجية والتدخل لحماية آبار البترول من التخريب والاستهداف بوقف ضخ النفط خاصة إذا كان التدخل بطلب من حكومة جنوب السودان الشرعية؟؟ كل دول العالم تتدخل لحماية مصالحها الاقتصادية، فما الذي يجعل السودان يقف مكتوف الأيدي ولا يحمي مصالحه في جنوب السودان؟؟ وحماية آبار البترول لا تعني بالضرورة مساندة طرف في النزاع على حساب طرف آخر، فالنفط الجنوبي لا تذهب عائداته إلى جيب «سلفاكير» أو «برنابا بنجامين»، بل تذهب العائدات إلى كل شعب الجنوب، الذي له مصلحة حقيقية في استمرار تدفق البترول.
إذا كانت الأوضاع الاقتصادية قد دفعت ولاية الخرطوم إلى أن تأتي ببدعة لم تسبقها إليها حكومة بفرض رسوم عبور للجسور والكباري على النيل بواقع (75) جنيهاً للسيارة الواحدة في العام، وعدد السيارات الملاكي بولاية الخرطوم يصل إلى مليون سيارة، فإن عائدات الولاية من هذه الجباية التي تؤخذ عنوة بعد ربطها بالترخيص السنوي يصل إلى (750) مليار جنيه تذهب كما قيل لإصلاح الجسور وتشييدها.. لقد أصبحت الجسور بولاية الخرطوم بضاعة يتم شراء عبورها بـ(الكاش).. فهل من حق عابر تلك الجسور التوقف برهة في منتصف الجسر باعتباره (مشترياً) للخدمة؟؟ ما أقدمت عليه ولاية الخرطوم تحت طرق الحاجة وقلة المال سابقة في التاريخ، لكن الأوضاع الاقتصادية التي انحدرت إليها البلاد أدت إلى تفشي أمراض الفقر والجوع..
ونشرت صحف الخميس هذا الخبر: (كشفت مصادر صحافية عن ظهور (120) حالة إصابة بالجرب بولاية سنار بينهم طلاب، وانتشرت تلك الحالات في مناطق أبو حجار وود النيل والدالي والمزموم، ومن جهتها أكدت وزارة الصحة الاتحادية ظهور حالات الجرب في مدرسة بمدينة سنجة عاصمة الولاية، وأشارت المصادر إلى أن فريقاً من وزارة الصحة تم إرساله إلى هناك لتقصي الحالات، فضلاً عن عزل الطلاب المصابين للحد من انتشار المرض).. ينتشر مرض الجرب في ولاية مثل سنار تعد من الولايات الوسطية الغنية وليست ولاية طرفية حدودية في وقت انقرضت فيه مثل هذه الأمراض من أركان الدنيا وهوامشها، ولا وجود لأمراض الجوع والفقر في بلدان مثل أفريقيا الوسطى والصومال، بينما السودان الذي يدعي قادته وحكامه كل يوم أنهم بلغوا الثريا وأقاموا مشروعاً حضارياً لبسط العدل وإحياء قيم الدين والسلوك الفاضل، في هذا المجتمع ينتشر الجرب والسل الرئوي.. كل ذلك بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية..
وفي ولاية كسلا فجر شح الجازولين موجة غضب في أوساط مزارعي الخضر والفاكهة، وتظاهر المزارعون أمام المحكمة بكسلا تضامناً مع اثنين من المزارعين الذين رفعوا صوتهم احتجاجاً على شح الجازولين، فلجأت الحكومة لفتح بلاغات جنائية في مواجهتهما وتقديمهما للمحاكمة بتهمة الإزعاج العام والتظاهر غير المشروع، لأن المزارعين وقفوا احتجاجاً أمام مكتب الوالي مطالبين بتوفير حصة من الجازولين للمزارعين البالغة فقط مائة برميل في اليوم..
وقال رئيس اتحاد مزارعي الخضر والفاكهة في حديث لصحيفة (الأهرام اليوم) يوم (الخميس الماضي) إن الموقوفين تم إخلاء سبيلهما بالضمان العادي بعد أن باشرت السلطات إجراءاتها تجاههما وتم إرجاء المحاكمة حتى الثالث عشر من الشهر الجاري.. إذا كانت حكومة كسلا تتعسف في استخدام السلطة وتعدّ مجرد أن يتظاهر المزارعون أمام مكتب الوالي مدعاة لتقديمهم للمحاكمة فإنها بذلك تبرر للعنف الممنهج.. فالمواطنون الذين يتظاهرون أمام مكاتب الدولة ويطالبونها بحل مشكلاتهم الحياتية (يرجون) فيها خيراً فلماذا هذا التعسف؟! والأزمة ليست مفتعلة بل تمددت من أقصى الشرق حتى غرب السودان، حيث بات المواطنون زاهدين في الاحتجاج على إخفاقات الحكومات هناكـ وقد بلغ سعر أسطوانة غاز الطبخ في الجنينة مثلاً (100) جنيه و(75) جنيهاً في الفاشر، والأبيض شح خبزها لأننا نحصد الآن ثمرة مريرة لإصرارنا على انتهاج سياسات خاطئة تقود البلاد نحو الهاوية، ولا يأبه كثير من قادة الحكومة ورموزها إلى أنين الشعب وأوجاعه التي سكنت مفاصل جسده المنحول!!
الأزمة الاقتصادية الخانقة التي بدأت بوادرها تطل الآن، هي أزمة سياسية في الأساس، والموارد التي بيد الحكومة تكفي على الأقل لضروريات حياة المواطنين، وعائدات الصادر من البترول والإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية يمكن توظيفها في مشروعات تنموية لصالح إنسان السودان.. ولكن كيف ذلك والحرب المهلكة تقضي على الأخضر واليابس، ولا تحدث الحكومة نفسها بوضع نهاية لمأزق حرب العصابات.. وقرار وقف الحرب بيد الحكومة لا بيد المتمردين، خاصة وقد ضعف التمرد وفقد الداعمين الإقليميين والدوليين، فكيف للإرادة السياسية اتخاذ القرار الصائب قبل أن تطوف على بلادنا مزيد من الأزمات.
} ديمقراطية السيطرة وقسمة الموارد } ارتفعت أصوات مجدداً من داخل قبة البرلمان تطالب بإعادة النظر في قانون قسمة الموارد بين المركز والولايات، ودعا النائب البرلماني عن ولاية الخرطوم «عبد الله علي مسار» عن حزب الأمة إلى إعادة النظر في نصيب الولايات المنتجة للمعادن، ولم يشأ النائب «مسار» تحديد النسبة التي يعتقد أنها مجزية إلا أن صيغة ما قبل انقسام الرابع من رمضان اقترحت (15%) من عائد المعادن لصالح الولاية المنتجة، ووجد القانون المقترح مقاومة ورفضاً شديدين، وبعد مضي كل هذه السنوات يعود البرلمان إلى ذات العزف القديم..فهل يصغي صناع القرار إلى نبض النواب وتتم إعادة النظر في قانون قسمة الموارد الحالي الذي جعل المركز يحكم سيطرته على الولايات من خلال قبضته على المال ومركزة الإيرادات وأخيراً بدأ خطوات عملية في إصدار قانون يضع كل الأرض تحت تصرف الحكومة المركزية؟؟ ومن المفارقات المضحكة المبكية أن ولاية مثل نهر النيل تعدّ أكبر منتج للذهب في السودان نصيبها من إنتاج الذهب صفر كبير، وتجود عليها وزارة المعادن بمنجم صغير هدية من الحكومة المركزية للولاية مالك الأرض!! وتطالب الحكومة المركزية الولايات بتسجيل الأراضي الاستثمارية وإزالة العوائق مقابل الترويج للأرض خارجياً.. وإذا كانت السيطرة على الولايات بتعيين الولاة إما بقانون الطوارئ أو من خلال الطريقة العقيمة في لائحة حزب المؤتمر الوطني التي تجعل المركز مسيطراً على الولاة المنتخبين مبررة سياسياً، فإن استلاب أراضي الولايات وهضم حقوقها علناً من سلبيات المرحلة السابقة.. وإذا كان المؤتمر الوطني قد تعهد بإصلاح شؤون الحكم وإطلاق سراح حرية التعبير والتنظيم، فأولى للمؤتمر الوطني أولاً احترام الانتخابات التي جاءت بولاة الولايات الحاليين والإبقاء عليهم في مواقعهم حتى حلول العام القادم..
ولن يضير الحزب شيئاً إن هو صبر على نتائج الانتخابات واحتمل إخفاقات ولاته لبضعة أشهر بدلاً عن إعمال سيف التعيين وإجهاض تجربة أقدم عليها من تلقاء نفسه!! ورغم أن ديمقراطية الاختيار شابها الكثير من مظاهر الوصاية المركزية على الولايات وذلك عن طريق لائحة الاختيار الداخلية لحزب المؤتمر الوطني، التي تمنح هيئة شورى الحزب في الولاية حق ترشح خمسة من القيادات لمنصب الوالي يتم عرضهم على المؤتمر العام لاختيار ثلاثة مرشحين يدفع بهم للمركز ليختار المكتب القيادي واحداً من الثلاثة ليصبح مرشحاً باسم المؤتمر الوطني في الولاية، ويستطيع المركز فرض رؤيته واختيار من يحب من القيادات لترشيحه ما دامت السلطة النهائية عند المكتب القيادي الذي تعلو إرادته على إرادة شعب الولاية ممثلاً في المؤتمر العام.. وليت المؤتمر الوطني صبر على نتائج تلك الطريقة العقيمة في الاختيار، فقد تم إرغام والي القضارف المنتخب على تقديم استقالته.. وتم تقسيم ولايات دارفور على رؤوس ولاة منتخبين.. «عبد الحميد موسى كاشا» في نيالا والشرتاي «جعفر عبد الحكم» في الجنينة..
وقسمت دارفور إلى خمس ولايات، ولم يتحقق السلام أو تستقر التعيينات المركزية.. وبعد فشل تجربة الأستاذ «حماد إسماعيل» عين الجنرال «جار النبي»، وربما تم تبديل الجنرال في مقبل الأيام!! و»أحمد هارون» الذي فاز بأصوات محدودة كفارق بينه والمنافس الذي تمرد «عبد العزيز آدم الحلو»، لم يهنأ بفوزه إلا أقل من ثلاثة أعوام ليتم إعفاؤه من منصبه ونقله من كادوقلي إلى الأبيض، ولم يصغ المركز لأصوات طالبت من حيث المبدأ بعدم ترشيح «هارون»، وعندما فاز كان أحرى بالمركز الإبقاء عليه حتى انقضاء دورته، ولكنهم (نقلوه) إلى الأبيض (مجاناً)، وبقيت المشكلة حاضرة، التي أشعل فتيلها فوز «هارون» وتشكيك الحركة في الفوز.
واليوم يلوّح المركز بتغييرات وتعديلات في مواقع الولاة لينهال على التجربة بضربة قاضية تقضي عليها نهائياً إلى حين إجراء الانتخابات القادمة، وقد قال نائب والي النيل الأبيض «محمد أحمد شنيبو» في حديث نشرته (المجهر السياسي) العام الماضي إن تجربة انتخابات الولاة ينبغي مراجعتها، وأن يتولى الرئيس بحكم التفويض الذي حصل عليه اختيار مساعديه في الولايات بالتعيين، وقال إن تجربة الانتخابات فاشلة وغير مبررة.. فهل القوى السياسية الأخرى في الحكومة والمعارضة التي تتوق إلى الوصول للحكم في الانتخابات القادمة تذعن لتوجهات المؤتمر الوطني؟؟ أم تناهضها وترفض التنازل عن حقوق منصوص عليها في الدستور؟؟ لكن إذا كان المؤتمر الوطني يحصل على ثقة الناخبين ولا يحتمل صدره خيارات الشعب ويشرد الولاة المنتخبين تحت ذريعة الطوارئ وتقييم الولاة وإرغام البعض على تقديم الاستقالات، فالأجدى إلغاء وتعديل الدستور 2005م و(تفصيل) دستور جديد لا يمنح الشعب حق اختيار حكامه.
صحيفة المجهر السياسي
يوسف عبد المنان
ت.إ[/JUSTIFY]
مقال سوداوي به الكثير من التهويل والمبالغة لغرض في نفس كاتب المقال. السودان به الكثير من المشكلات لكن نحتاج للصبر والمثابرة والدفع باتجاه الإصلاح . بالتأكيد لانحتاج لإحباط الهمم والمبالغة في التشاؤم.