رأي ومقالات

سيف الدولة حمدنا الله : حول قضية الإغتصاب الجماعي

[JUSTIFY]أكبر عدو للعدالة هو ما يُعرف ب “حكم الصحافة”، وهو إصطلاح يُقصد به التأثير الذي يُحدثه الإعلام في الرأي العام بشأن قضية معينة، بما يؤدي إلى تكوين عقيدة لديه – الرأي العام – بإدانة الجاني، وربما ببراءته في بعض الأحيان نتيجة التعاطف معه، وذلك من قبل تقديمه للمحاكمة، وفي هذا تأثير بالغ بحسن سير العدالة وتمنعه كثير من التشريعات.

وفي السودان شهد تاريخ القضاء نماذج من نوع هذا التأثير، نورد منها هذا المثال لأنه يوضح مدى التأثير الذي يخلفه الرأي العام في سير العدالة، وهي قضية (جرت وقائعها في عام 1980) قام المتهم فيها وهو طبيب يعمل في القوات المسلحة برتبة رفيعة بصب الكيروسين على مدخل دكان يمتلكه بشارع مستشفى الخرطوم ثم أشعل به النار، وذلك على خلفية نزاع بينه وبين المستأجر، وقد نتج عن هذا الفعل وفاة ثلاثة من العمال الذين حاصرتهم النيران داخل المحل، وقد وجدت هذه القضية إهتماماً كبيراً من الشارع والصحافة بسبب مركز الجاني وفداحة الجريمة.

في المحاكمة، دفع المتهم بأنه يعاني من إضطراب نفسي وعقلي جعله غير قادر على إدراك ماهية فعله، وقد شهد بذلك أخصائي في الطب النفسي ثبت أنه كان يقوم بمعالجة المتهم لفترة طويلة قبل وقوع الحادثة. رفضت المحكمة قبول هذا الدفع وحكمت على المتهم بالإعدام شنقاً حتى الموت، وقد تم تنفيذ الإعدام بالفعل. (حتى تتم إدانة المتهم سافر رئيس المحكمة إلى دولة شقيقة أحضر معه في نفس الطائرة أخصائي في الطب النفسي شهد بسلامة صحة المتهم النفسية والعقلية).

وجه تأثر العدالة بفعل الضغط الشعبي الذي أحدثه الرأي العام بفعل الصحافة في هذه القضية يكشف عنه حكم صدر في قضية حدثت بوقائع مماثلة جرت محاكمتها بعيداً عن أعين الصحافة (منشورة بمجلة الأحكام القضائية “1971”)، وهي قضية قام المتهم فيها أيضاً – بصب الكيروسين ليلاً حول قطية تنام بداخلها زوجة أخيه وأطفالها الصغار ثم أشعل فيها النار وذلك بسبب شجار وقع في النهار بين أطفاله وأبناء أخيه، في هذه القضية حكمت المحكمة بأن قيام المتهم بمثل هذا الفعل الشنيع ولهذا السبب التافه يؤكد صحة الزعم بما دفع به محاميه من معاناته من حالة إضطراب عقلي ثم حكمت بإحالته للمصحة العقلية.

هذه مقدمة لازمة للحديث عن قضية الزنا الجماعي التي تشغل الرأي العام هذه الأيام، فقد قرأت آراء تطالب بشنق الجناة في ميدان عام وأخرى تطالب بتعليق جثثهم على أعمدة الكهرباء أو فروع الأشجار.

في البداية، يجب التسليم بأنه لا يمكن إصدار الحكم في هذه القضية من مجرد مطالعة مقطع مصور من شاشة هاتف محمول، ففي ذلك جزء من الحقيقة التي يُبنى عليها حكم، ذلك أن تحديد الوصف الصحيح للجريمة (ما إذا كانت إغتصاب أو زنا أو هتك عرض …الخ) لا يمكن الوصول إليه بغير الجهات المختصة وذلك بعد هي سماع أقوال المجني عليها والمتهمين، وسماع رأي الخبراء الذين قاموا بفحص وتحليل المقطع المصور والتحقق من عدم تحريف محتوياته …الخ.

الذي أحدث هذه الثورة حيال هذه الجريمة هو تصوير الزنا ونشره لا فعل الزنا نفسه (سواء كان بالرضاء أو بدونه)، وهي فعلة (التصوير والنشر) لم يثبت قيام المتهمين بها إن لم يكونوا من ضحاياها، ولا أعرف مبدأ يترجم معنى العدالة في مثل هذا النوع من الجرائم (الزنا) مثل قول اليسوع “من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر” ولهذا القول حكاية تستحق أن تُروى، وهي أن رجالاً جاءوا بإمرأة لليسوع وهو معتكف في جبل الزيتون وقالوا له أمسكنا بها وهي تزني، وأن “موسى” أوصانا في الناموس أن تُرجم، فتشاغل عنهم “اليسوع” وإنحنى يكتب بأصبعه على التراب، فلما إستمروا يسألونه إنتصب واقفاً وقال لهم: “من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر”، فنكّسوا رؤوسهم وخرجوا.

مشكلة هؤلاء الشباب – مع التسليم بفداحة الجريمة – هي أن الشعب يريد أن يفش فيهم الغبينة التي أصابته من الذين تسببوا في حدوثها، فنحن نتجادل حول من يدلق جردل الماء على النار وتركناها مشتعلة، ونهدر طاقتنا في هش الناموس بدلاً من ردم البركة التي تقوم بإنتاجه، فالواجب علينا أن نبحث في مصدر الكارثة لا أن نصب اللعنة على ضحاياها، فنحن نطارد المجرم الخطأ، ألم يقم الرئيس عمر البشير بالعفو عن الشيخ (ن.ع.ن) بعد أن صدر ضده حكم بالسجن عشر سنوات لقيامه بإغتصاب تلميذة (تعود تفاصيل القضية التي جرت وقائعها بمدينة الدويم إلى أن المجني عليها حضرت للمتهم باعتباره (شيخاً) لمساعدتها في النجاح بالإمتحانات وذلك بـ (العزيمة) على قلمها فقام بتخديرها ومن ثم إغتصابها. وثبتت عليه القضية بشكل قاطع بموجب فحص الحمض النووى DNA وإستنفذ حكم عليه كافة مراحل التقاضي بتأييد المحكمة العليا).

ينبغي على الشعب أن يوجه سهامه نحو الفيل الذي يفتك به لا على الروث الذي يخلفه وراءه، ويكفي خداعاً لأنفسنا، فكل هذه الموبقات ما هي الاّ أثر لهؤلاء الملاعين الذين هدموا كل أخلاقنا وقيمنا، ألم تصبح السرقة جدعنة !! وغسيل الأموال شطارة !! ولأصحابها عزوة ومريدين !! هل كان قتل الأمهات ظاهرة!! هل كان اللواط والسحاق معروفاً بين المراهقين!!

ليس هناك من يقول بتبرئة هؤلاء الصبيان الذين ظهروا في المشهد المصور، فما قاموا به جريمة ومخالفة للشرع والقانون، ولكننا نخشى أن يؤدي هذا التكثيف الصحفي على الجريمة إلى عدم حصولهم على محاكمة عادلة على النحو الذي قمنا بتفصيله، وبما يرضي هذه النفوس الثائرة، فقديماً قيل أن كثيراً من القضاة ظلموا لكي لا يُقال أنهم لم يعدلوا.

فليرفع الشعب أيديه عن هؤلاء المتهمين وليترك أمرهم لشأن أجهزة العدالة، فليس هناك من بين البشر من يمشي بلا خطيئة حتى ننهش في هؤلاء الشباب بهذه الكيفية التي تأذى منها أبرياء بينهم أمهات وأخوات ليس لهن ذنب فيما فعل هؤلاء الطائشين، وليلتفت الشعب للقيام بدوره في ردم البركة الآسنة التي يسّرت توالد كل هذه الأمراض التي تنهش في الوطن.

سيف الدولة حمدنا الله
[email]saifuldawlah@hotmail.com[/email][/JUSTIFY]

‫3 تعليقات

  1. [SIZE=4]لم يستوقفني من تلك التفاصيل إلا ” ([B]حتى تتم إدانة المتهم سافر رئيس المحكمة إلى دولة شقيقة أحضر معه في نفس الطائرة أخصائي في الطب النفسي شهد بسلامة صحة المتهم النفسية والعقلية[/B]).

    هل رأيتم تحري العدالة إلى أي درجة ؟ وقارنوا بينه وبين قضاة هذا الزمن الجميل ![/SIZE]

  2. [SIZE=5]أكبر كارثة لعمر البشير إنه ما ريحنا منك ومن الزيك
    يا خي انت مسلم يا بتاع يسوع انت ؟
    يعني انت ما مقتنع أصلاً بحد الرجم ولا بعقوبة الزناة (وربما أشياء أخرى) وجايي تلبس أفكارك دي في قالب سياسي [/SIZE]

  3. هذا هو المغذى من كل ها الموضوع المصاغ بحكنة ولغة جميلة ,,
    وليتك كنت كتبت بعيدا عن لونك السايسي حتى نقول ان قاضي محايدا او انك قلت بوضوح ان القضاء مغلوب على امره
    انظروا ماذا قال(ألم يقم الرئيس عمر البشير بالعفو عن الشيخ (ن.ع.ن) بعد أن صدر ضده حكم بالسجن عشر سنوات لقيامه بإغتصاب تلميذة) دون ايضاح اسباب العفو ان كان قد حدث فعلا ..

    إقرأ المزيد على : https://www.alnilin.com/news-action-show-id-82710.htm
    المصدر :Alnilin.com النيلين