رأي ومقالات

خالد حسن كسلا : المراجع العام في «كنانة» والإصلاح مستمر


[JUSTIFY]أخيراً وبعد أن تناولنا هنا وتناول غيرنا هناك مسألة مراجعة نصيب السودان في أموال شركة سكر كنانة، وفي ظل إرادة سياسة قوية لاتحمي استقلالية القضاء فحسب بل وكذلك استقلالية المراجعة العامة، أخيراً يكسر المراجع العام «العادة المالية» لدى الشركة منذ خمسة عقود ونصف «خمسة وثلاثين عاماً». لكن بانصاف نقول إن مدير الشركة السيد محمد المرضي التجاني، قد ورث هذه العادة من أسلافه، وهو يعلم أن أربعة رؤساء حكومات لم تراجع في عهد أحدهم مالية الشركة باعتبار أن السودان يملك فيها أكثر من خمسين بالمائة.

لذلك اللوم لا يقع على آخر مدير للشركة، وإنما ينبغي أن تكون الإشادة ويكون الشكر والتقدير لآخر مراجع عام. وبالطبع سيستجيب مديرو الشركة اللاحقون في المستقبل للوائح قوانين ديوان المراجعة العامة. كان السؤال هو: هل حاول ديوان المراجعة العامة خلال العقود التي مضت على تأسيس شركة سكر كنانة بشراكة عدد من الدول بينها السودان هل حاول أن يذهب إلى الشركة لمراجعة ماليتها بحكم أن السودان شريك فيها بمال عام يعتبر جزءاً من مال الدولة؟!

وسؤال آخر هل كان يدخل نصيب السودان من عائد الشركة كل عام في خزينة الدولة أم إنه مال «مُجنّب» مثل كثير من مال المؤسسات الحكومية بمختلف مستوياتها؟!

سؤال ثالث هل ستسبق الحملات الانتخاية القادمة لكل الأحزاب التي ستنخرط في العملية الانتخابية عملية إصلاح مالي في الدولة تكون نواتها مراجعة شركة كنانة حتى لا تكون ضمن شعارات بعض الأحزاب «الإصلاح المالي» باعتبار أن حكومة المؤتمر الوطني أغفلت هذه الضرورة؟!

هي تساؤلات يمكن أن تقفز في أذهان الكثير من المواطنين. والأجيال اليوم ليست مثل تلك التي عاشت في السابق دون ضائقة معيشية. الآن الوعي انتشر بين الناس، فعرف الرجل اليوم أهمية أن يكون كل المال العام بعد وقبل مراجعته تحت سلطة وزير المالية، وعرفت المرأة اليوم طريق محكمة الأحوال الشخصية أو عرفت أسرتها التي يمكن أن تدفعها إليها لتتحصل على حفنة من الجنيهات هي «نفقة عدة ومتعة». هكذا فعلت الضائقة المعيشية بالمواطنين، ولا مجال للتنازل عن أي مبلغ من المال أو أن يمر دون مراجعة.

ولذلك الآن ليس أمام الحكومة وأية حكومة مستقبلية في هذه البلاد غير أن تحمي بإرادة سياسية قوية استقلالية وهيبة وسلطة ديوان المراجعة العامة ليطمئن المواطن إلى ماله مُراقب ومحمي. وغير أن تلغي حالات تجنيب المال العام.. لأن تفسيره أصبح في الشارع سالباً، ويفهم منه المواطن أن الدولة من خلال بعض المؤسسات والوزارات تتلاعب بالمال العام. ونحكي هنا قصة سؤال طريف، وكان قد تجادل البعض حول تنفيذ حد السرقة لمن يسرق من المال العام وهناك من يقول بأن هناك ما يصرف «الحد» عنه باعتبار أن له نصيباً فيه والسؤال الطريف كان هو: هل من يسرق من «مال مُجنب» يقام عليه حد السرقة باعتبار أنه مال عام مسروق بشكل أو آخر؟!

وعدنا وزير المالية الدكتور بدر الدين محمود بأنه سيحارب ظاهرة تجنيب المال العام بحيث يكون كل مال الدولة تحت يده، وذلك لوضع ميزانية أفضل للعام 2015م بإذن الله. وها هو ديوان المراجعة العامة يستعيد جزءًا مقدراً من هيبته، ونتمنى أن يستكمل استعادتها خلال هذا العام، حتى إذا ما كسب الحزب الحاكم الفوز في الانتخابات القادمة التي قال إنها لن تؤجل، يقال إنه كسبها بالإصلاح، وليس بغير ذلك. والمؤتمر الوطني نفسه يقول بأن عملية الإصلاح ليس تبنيها حكراً على الكيانات المعارضة، ويرى أنه أولى بها لأنه يملك أدوات التغيير.

لكن الأولى أن يبدأ بالإصلاح المالي وأهم ما فيه محاربة التجنيب والمراجعة لفتح الدعاوى الجنائية ضد المتهمين بالاعتداء عليه. وهذا هو أساس إصلاح الخدمات الصحية والتعليمية لأنها تقوم على الموازنة العامة. ولو كانت الحكومة تفعل هذا منذ عام 1989م رغم الحروب في الجنوب والغرب وشيء منها في الشرق لكان الحال غير الحال الآن، أخذاً بالأسباب طبعاً. أو على الأقل ما وجد المعارضون سواء الأصيلين أو الذين خرجوا زرافات من الحزب الحاكم لأسباب ما، ما وجدوا الفرصة لانتقاد الحكم.

وبالعودة إلى لب الموضوع، فإن الإجراءات القانونية التي اتخذها ديوان المراجعة العامة ضد شركة سكر كنانة على خلفية رفضها فتح أبوابها لموظفي الديوان للمراجعة رغم النسبة العظيمة التي يملكها السودان في الشركة نتمنى أن تكون فاتحة إصلاح مالي. فقد حرك الديوان دعوى جنائية ضد الشركة واستخرج أمر قبض لمديرها وهذا وضع قانوني طبيعي للصالح العام.. لكنه ذو ثمرة إصلاحية على صعيد المال العام يجنيها المواطن. وأسوة بشركة سكر كنانة سيجني المواطن كما نتمنى نفس الثمار في الشركات الأخرى الشبيهة. وإذا كان هذا الإجراء القانوني ضد شركة ليست كلها ملك للسودان فالأولى إذن أن يكون ضد الشركات الحكومية بالكامل.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]