رأي ومقالات

خالد حسن كسلا : «الدينكا» انتكاسة أم توظيف للآخرين ؟

[JUSTIFY]بحكم التركيبة القبلية المعروفة في جنوب السودان وبحكم تأثيرها على الحياة السياسية هناك في دولة وليدة مازالت طفلاً يحبو ويتعلم السير باليد اليوغندية.. فإن مساندة مجموعة أرملة جون قرنق ربيكا قرنق لأحد زعماء النوير وهو رياك مشار ضد سلفا كير ابن قبيلة الدينكا، لا يمكن أن يعني تحويل حكم الجنوب من يد دينكاوية إلى أخرى نويرية. وإذا كانت مجموعة ربيكا تقاوم اليوم حكومة سلفا كير، فإن هذه المقاومة ستكون أقسى حال حَكم دولة جنوب السودان شخص من غير قبيلتها. والمشهد السياسي الآن في جنوب السودان، والذي يُرى فيه مساندة ربيكا لمجموعة مشار ضد سلفا كير، واعتقال الأخير لبعض أبناء الدينكا المقربين من جون قرنق مثل مجاك أقوت، وهذا نموذج لما يعتبر تناقضات صارخة في مجتمعات قبائل الجنوب، هذا المشهد السياسي يمكن قراءته على إنه صراع على السلطة داخل قبيلة الدينكا وأن أبناء القبائل الأخرى تجري الاستعانة بهم لأحد الطرفين في هذا الصراع ضد الآخر وبما يليق، إذ أن من هو في وزن رياك مشار لا بد أن يكون زعيماً للمعارضة المسلحة في هذه المرحلة، وبعد إطاحة سلفاكير فإن قوة الجيش الشعبي التي يسيطر عليها بالدرجة الأولى أبناء الدينكا يمكنها أن تحافظ على منصب الشخص الأول «الرجل الأول أو السيدة الأولى» للقبيلة التي كانت قد ورثت حالة التمرد في الجنوب من القبائل الإستوائية. الإستوائيون هم الذين بدأوا التمرد هناك لكن سوء حظهم جعله أن يكون قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، إذا كان يشكل توازناً دولياً لا يسمح بأن تفرض واشنطن أجندتها بصورة استبدادية كما تفعل اليوم. إذن يمكن أن تكون فكرة مجموعة الراحل قرنق هي أن يكون مشار مرحلة أولى في نظرية وصولها إلى الحكم. أي توظيف مليشيات النوير «الجيش الأبيض» ومقاتليهم في الجيش الشعبي والاستعانة بمناطقهم في إقليمي «أعالي النيل» «أعالي النيل الصغرى والوحدة». والملاحظ على مستوى المدنيين أو المسلحين غير النظاميين في قبيلة الدينكا أن أعداداً مقدرة منهم وقفت ضد سلفا كير، فهل هذا يعني أنها تقف ضده لصالح مشار ومع مليشيات النوير؟! طبعاً لا.

فهؤلاء يتعاطفون مع أسرة جون قرنق التي تقودها ربيكا. وإذا كان للنوير الكجور «نون دينق»، فإن كجور الدينكا إذا جاز التعبير هو جون قرنق.. وإذا كان لكجور النوير عصا، فإن عصا كجور الدينكا جون قرنق هو شعار السودان الجديد أو الآن «جنوب السودان الجديد». دعك من أبناء الدينكا، فحتى هنا في «السودان» كانت تنبؤات بعض الشخصيات السودانية حول مستقبل حكم السودان ترشح وترجح جون قرنق أيام تمرده فمن تلك التنبؤات الخائبة ما قاله منصور خالد حيث قال مشيراً لجون قرنق وهو يخاطب الشعب السوداني: «استعدوا لرئيس وزراء غير مسلم وغير عربي». وقالت أيضاً فاطمة أحمد إبراهيم أثناء زيارتها لمعسكرات التمرد بقيادة قرنق: «إن مستقبل الحكم في السودان للحركة الشعبية بقيادة جون قرنق والحزب الشيوعي، أما الميرغني فسنستعين به إلى حين، أما الصادق المهدي فلن يشمها لن يشمها».. انتهى. إذن «فاطمة» لا تؤمن بالديمقراطية، لعلها تؤمن بدكتاتورية البروليتاريا.

وإذا كان بعض السودانيين «الشماليين» يراودهم حلم زعامة قرنق للسودان فلماذا لا يحلم أبناء قبيلته؟! وبعد رحيله لماذا لا يودون أن يترأس الدولة الجديدة أحد أفراد أسرته سواء كانت أرملته ربيكا أو إبنه مبيور أو قرنق؟!

والسؤال هنا: هل يعمل الآن رياك مشار لنقل حكم أبناء الدينكا من أبناء قوقريال إلى أبناء بور، أي عودته إلى حيث كان؟! وهل يفهم مشار هذا الدور؟!. وهل يفهم مشار أن عاصمة البلاد إذا لم تكن ملكال أو بانتيو لا سبيل إلى أن يحكم الجنوب أبناء النوير. وربما يكون سلفا كير قد أدرك أهمية المحيط القبلي والحزام العشائري للعاصمة، فهو هناك في جوبا قد عيّن ابن قبيلة الباريا الإستوائية جيمس واني إيقا نائباً له. وجوبا هي حاضرة قبيلة الباريا. أما رياك مشار فإن نفوذه القبلي في أعالي النيل، وهو نفسه يقود معركة لصالح مجموعة داخل قبيلة الدينكا، فلا طريق لإبعاد هذه القبيلة من السلطة على مستوى الرجل الأوّل أو السيدة الأولى. وما دام أن العاصمة في إقليم الإستوائيين فإن بديل الدينكا هم الإستوائيون، هم أبناء عمومة ألسون مناني مقايا وجوزييف لاقو وجيمس طمبرة، أما النوير فأكثر ما يمكن أن يفعلوه هو فصل ولايتين في أعالي النيل هما أعالي النيل والوحدة. وسيكون هذا بمساعدة إسرائيل طبعاً.

خلاصة القول هي أن المعارك التي تدور في جنوب السودان تنطلق من مفاهيم سياسية خاطئة يحملها رياك مشار، وهو يرى السند الإقليمي الذي يتمتع به سلفا كير سواء على المستوى العسكري «يوغندا» أو السياسي «الإيقاد». أم التوجيه الأمريكي مؤخراً بانسحاب القوات اليوغندية من جنوب السودان، فهذا من باب «اللف والدوران» في السياسة الخارجية الأمريكية.

صحيفة الإنتباهة
خالد حسن كسلا
ع.ش[/JUSTIFY]