رأي ومقالات

خالد حسن كسلا : الصادق والترابي يتمددان في المنطقتين

[JUSTIFY]يقول حزب الأمة القومي إن الحوار مع النظام جزء من مشروع الحزب الراعي لنظام جديد من أجل مؤتمر قومي ودستوري، وإن مهمته وضع خريطة طريق على نمط «الكوديسا» في جنوب إفريقيا والتعبئة لانتفاضة شعبية تستخدم كل الوسائل عدا العنف.لكن هنا سؤال لا بد منه في اعتقادي هو أن حزب الأمة اذا رأى غيره يقوم بالعنف بمحاولات لتغيير النظام بذات صورة تظاهرات سبتمبر الماضي أو أكثر منها وأشد، هل سيخرج إلى الشارع وينادي بإيقاف العنف لأنه ليس ضمن الوسائل التي أشار إليها؟!.. أم أن إعلان رفض العنف سياسة حزبية يقتضيها شكل العلاقة بينه وبين الحزب الحاكم؟! نعم نجل رئيس حزب الأمة هو الآن مساعد رئيس الجمهورية، لذلك لا يليق أن يكون الأسلوب العنيف ضمن أساليب انتفاضة حزب الأمة. ونتوقع غداً أن يقول نجله إنني كنت مشاركاً في حكومة البشير للتقويض من الداخل، كما كان يقول هو كنت مشاركاً في الاتحاد الاشتراكي بعد مصالحة 7/7/1977 لتقويض حكومة نميري من الداخل. وكان ذلك القول للتملص من مسؤولية المشاركة في مايو بعد الانتفاضة، وهنا نسأل هل ضمن تفاهمات حزب الأمة مع الحزب الحاكم أن يطلق تصريحات تصب في اتجاه أجندة المعارضة مثل الانتفاضة والجهاد المدني حتى لا يكون مسخاً سياسياً في نظر القوى المعارضة والمتمردة مثلاً؟! أم أن كل شيء متاح له بموجب الدستور ما دام انه يُعلن نبذ العنف؟! أم أن الحكومة تريد ان تكسب من حزب بوزن حزب الأمة تصريحات رافضة للعنف والتظاهرات القابلة للنمو في الشارع؟!

{ أما المؤتمر الشعبي فهو الآن يذهب إلى الحوار بحجة سياسية جيدة، هي أن مرحلة ما بعد ثورات الربيع في بعض الدول العربية أصبحت فيها الأوضاع الأمنية ذات ملامح (صوملة)، مثل هذه الحجة جاءت مرفقة مع التهيؤ للحوار مع الحكومة. فهل نقول إذن إن حزب الترابي تراجع عن اقتباس الربيع العربي في السودان تفادياً لمصير غير محمود العواقب؟! لكن مفكراً سياسياً معروفاً هو البروفيسور حسن مكي يقول إنه ليس أمام الترابي غير الحوار مع الوطني. ومع ذلك يقول الحزب على لسان أمينه السياسي إنهم ملتزمون بمقررات التحالف المعارض ولن يتخلوا عنها. وكأنه يريد أن يختبر الحزب الحاكم، فإذا رضخ للشروط مثلاً وأوفى وبذلك لم يدع فرصة لفشل الحوار، فإن التعاون حول القضايا الوطنية سيستمر، لكن إذا ما حدث خلاف ذلك فهو يقول إن مبدأ إسقاط النظام في «الجيب».

إذن حزبا الأمة القومي والمؤتمر الشعبي يريدان التمدد بين منطقتي الحكومة والمعارضة. فيريان أن ميلهما كل الميل إلى منطقة دون الأخرى ليس مناسباً، فمنطقة المعارضة وحدها تفوِّت عليهما مكاسب كثيرة تسيل لها اللعاب. ومنطقة الحكومة وحدها تعني الحاق خسارة أدبية كبيرة لهما، وتعني إزالة القيمة السياسية المتمثلة في استدرار عواطف بعض الجماهير، حينما ينتقدان النظام ووضع الحريات والمستوى المعيشي، والحالة الاقتصادية.

ثم إن الانتفاضة التي يتحدث عنها حزب الأمة القومي ووفده يذهب برئاسة السيد الصادق المهدي للقاء البشير، فهذه الانتفاضة إذا كان قائدها هو الصادق نفسه فهي إذن انتفاضة ضد المعارضة وليس الحكومة. إنها انتفاضة الحوار مع الحكومة. وضاع ربع قرن من الزمان، لو كان هذا الحوار قد بدأ قبل سنوات أي قبل عقدين مثلاً، أي في عام 1994م كان أفضل، لكن قراءة السيد الصادق لمستقبل التطورات لم يكن قوياً، فقد راهن على تصورات ليست واقعية. وحتى المجتمع الدولي في نظرته إلى أي مشروع سياسي إسلامي لا يفرق بين ثلاثة قوى سياسية في السودان، وهي التي حازت على المراتب الثلاث الاولى في الانتخابات، وهي حزب الامة القومي والحزب الاتحادي الديمقراطي والجبهة الإسلامية القومية. وبالنسبة للأول فهو يتكئ ولو صورياً على إرث الدولة المهدية التي قتل قادتها غردون باشا، وبالنسبة للاتحادي الديمقراطي فلا أظن أن كبار الساسة في الغرب تفوت عليهم وثيقة الأزهري لمشروع الدستور الإسلامي، حتى ولو كانت شفهية، خاصة أنها جاءت في وقت سيطرة اليسار الى حد كبير على الأجواء السياسية، رغم حجم ووزن حزبي آل المهدي والاتحاديين. والغرب لا بد انه درس تماماً لماذا كان فشل انقلاب الشيوعيين بعد اثنتين وسبعين ساعة، ولك أن تتخيل كيف يفكرون في مصدر الشجاعة التي كفلت للرئيس نميري إعلان تطبيق القوانين الإسلامية بدلاً من القوانين الغربية الموروثة من الاحتلال البريطاني. ولم يقرأ الصادق جيداً كما قرأ الغرب وأضاع عشرين عاماً. لقد جاء الحوار متأخراً جداً. فماذا كانت قيمة استمرار معارضة حكومة بكل هذا الذكاء رغم كل شيء؟!

صحيفة الإنتباهة
[/JUSTIFY]