رأي ومقالات

غريب الدارين …. الراعي حفيد ملوك الفونج والعبدلاب ….ابن مملكة الحضارة السنارية

ما الخفايا التي ضمها ضمير الغيب فكانت وراء عظمة هذا الراعي الذي غدا مابين طرفة عين وانتباهتها… وليلة وصباحها شهيرا وطارت سيرته المشرفة في آفاق الدنيا؟
لم يزل الراعي الأمين ملء سمع الدنيا وبصرها وشاع ذكره الطيب النقي بين العالمين فطوبى له ولنا ….ولن يبارح ذواكر الناس فيها لأنه انحفر بنور الأمانة والخلق القويم ….وما خطر بباله جزاء ولا شكور ….وانطبق عليه معنى البيت :
ومَنْ يفعلِ الخيرَ لا يعدمْ جوازيَه …..لايذهبُ العرفُ بين اللهِ والناسِ
إذن ماذا وراء ذاك الفعل النبيل ؟
مامن فعل ولاقول إلا وراءه شيء يحركه ويخرجه من الخفاء إلى العلن ويضعه في دائرة الضوء…..فماذا وراءك ياأيها الطيب ؟…طبت اسما وفعلا !
دعونا نتفكر ثم نحلل فنقول :
أحسب أول مؤثر هو تلك الجينات التي تحدرت إليك من تركيبة بعيدة موغلة في القدم متغلغلة في تاريخ الإنسان السوداني ….جينات تنقلت في الأصلاب والأرحام بنقائها الفطري ….لم يتحور أصلها ولم يتغير إلا قليلا ….جينات خير وفضائل تآزرت فخرجت مجسدة فيما فعلته يا ابن يوسف .
أما المؤثر الثاني فأحسبه بيئتك الأسرية الصغيرة فالتربة الطيبة لا تنبت إلا الطيب ! “والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه …” وأما الخبيث ” والذي خبث لايخرج إلا نكدا” .
أما بيئة المدينة ..فالمدينة هي سنار موئلٌ ومنبعٌ من منابع الحضارة الإسلامية ..فما أنت إلا ابن ملوك الفونج أصحاب السلطنة الزرقاء ….وما فعلته هو فعل الملوك النبلاء الأعفة .
وبعد ذلك تأتي حياتك اليومية في خلاء الله الواسع الشاسع….أينما تولي وجهك فثمّ وجه الله….تظللك السماء وتقلك الأرض البكر …لا يحول بينك وبين الطبيعة مستحدثات الحضارة…لا يرافقك من خلق الله إلا نعيجاتك البريئات ….كل ذلك يتيح لك الخلوة مع خالقك تناجيه وتتأمل خلقه وإبداعه ….وهل تتاح الخلوة إلا لعظماء البشر !.. ….
وأعظم بني آدمٍ محمد”صلى الله عليه وسلم” لما قرب الوعد الرباني الذي أُعد له خرج يختلي في حراء …وموسى الكليم سيق إلى جبل الطور بسيناء وحيدا إلا من عصاه التي حملها فلها دور تؤديه …ومريم البتول خلت إلى ربها في محرابها لأمر تدبر له يد الخالق ..فلما اكتمل التدبير قادتها القدرة الإلهية خارج المدينة وما من رفيق سوى جنينها في بطنها …وزكريا كانت خلوته صمتا فلم يكلم الناس ثلاث ليلٍ سويا… ثم عيسى ويحيى وأولياء الله وأصفياؤه …. .
وفي آية سبأ 46 قال تعالى “قل إنما أعظكم بواحدة ، أن تقوموا لله مثنى وفرادى وتتفكروا …الخ الآية ….فابننا الطيب منحه الله تلك الخلوة هبة من عنده …..هبة لا يلقاها إلا ذو حظٍ عظيم ….فآتت أكلها استقامة وتعفف وترفع .
تمعنوا صورته في ذاك الفضاء الممتد ومن خلفه نعيجاته ترتع في تلك الخضرة المنبسطة فكأنما عناه الشاعر النابغة “إدريس جماع ” عبقري الوصف في قصيدته ” نومة الراعي” حين قال :
أغنامك المرحات تقفز في الروابي والحفر
كم وقعت أقدامه في الأرض أنغام المطر
هي كل مالك في الحياة ومالك من فكر
فاسمع لأنغام الطبيعة مازجت لحن البشر
هو عالم من حسنه يوحي الجمال المبتكر
غريب الدارين

‫2 تعليقات

  1. [SIZE=4](ما الخفايا التي ضمها ضمير الغيب فكانت وراء عظمة هذا الراعي )
    جزاك اله خيرا
    هذا أفضل و أروع ما قرات عن الموضوع
    لقد فقت المختصين من أهل الأعلام بلاغة بما سطرته أعلاه
    و ما بين القوسين يوضح بأنك غصت عميقا لتستجلي أسرار ما وراء الحدث
    و كأني أرى أباه يوم عقيقته يسميه الطيب متجاوزا كل الأسماء التي خطرت له أو عرضت عليه ليكون (الطيب ) طيبافكان ما سمعنا و رأينا
    أثابهم الله و إيانا خيرا[/SIZE]