رأي ومقالات

تجاني حاج موسى : «فايزة عمسيب» وحاجات تانية !!

[JUSTIFY]حال المبدع في سوداننا لا يسر عدواً ولا صليحاً.. والذي ابتلاه الله بموهبة من مواهب الخلق.. من قبيلة الإبداع لابد أن يواجه أمراً عسيراً من عاديات الزمان ولا يجد من يصرف عنه تلك المصيبة.. والأمر يصبح غاية في التعقيد والسوء إذا لم تكن للمبدع وظيفة سوى إبداعه، فالفنان الذي حباه الله بالصوت الجميل وقدم عطاءه للناس وأطربهم وأمتعهم في حياته أو في مماته يترك ورثته فقراء فقراً مدقعاً، والأمثلة كثيرة إن أوردتها.. طيب يا جماعة الخير، أسألكم سؤالاً؟

أتخيلوا معاي حياة الناس بدون موسيقى أو غناء أو رواية أو قصة أو مسرحية أو فلم أو لوحة تشكيلية، أتخيلوا كيف يكون حال الدنيا؟ مسيخة لا طعم لها ولا رائحة لها!! إذن للإبداع جدوى ونفع في حياتنا بلا جدال.. أسوق هذا الكلام وفي خاطري حال الأخت الفضلى الفنانة العظيمة “فايزة عمسيب” الذي تناول سيرتها عدد من أقلام الزملاء الكُتاب.. فهي مريضة تشكو الفاقة والمرض والقهر برغم مبادرة أي د.”عبد الرحمن الخضر” والي ولاية الخرطوم بمنحها منزلاً يقيها الحر والبرد والمطر.. بارك الله فيه وجزاه خير الجزاء.. طيب ابتداءً لماذا لا تمتلك منزلاً وهي التي أعطت أكثر من نصف قرن من عمرها عطاءً إبداعياً لا يقدر بثمن لأن ما أعطته إبداعاً يمشي بين الناس ويتغلغل في مسامهم وحواسهم بل يصبح جزءاً من مكونهم الوجداني، وهذا ما يقدمه المبدع لمجتمعه وهو حادي ركب الحياة الذي يحثهم للسير في دروبها وصولاً لمرافئ الجمال لتحقيق الحياة الكريمة، هذا ما تصنعه الفنون للناس.. والأمم تحضرها يقاس بإبداع مبدعيها.. باريس يطلقون عليها عاصمة النور والجمال وما سموها بذلك إلا لأن قبيلة الإبداع ضخت العطر والنور والجمال في أهلها وطرقاتها وغرست فيه قيم الخير المطلقة فصار إنساناً نموذجاً لمعاني الإنسانية في أقصى تجليتها.. ويحضرني هنا رأي لبعض المفكرين الإسلاميين الذين أجمعوا أنهم حينما زاروا بلاد الفرنجة غير المسلمين وجدوا إسلاماً من غير مسلمين.. والثقافة والإبداع تقود الإنسان لقيم الدين المطلق.

وبت “عمسيب” أعطت حتى شيخوختها فهي إحدى نساء السودان العاملات في حقل الإبداع قدمت خدمة عامة لكن للأسف لا تتقاضى معاشاً أو فوائد ما بعد الخدمة، كالتي تمنح للمتقاعدين في الخدمة المدنية العامة إذ لم تسنّ الدولة قانوناً يمنح شريحة المبدعين هذه الميزة.. وأشك أن لـ” بت عمسيب” تأميناً صحياً.. أذكر أن توجيهاً صدر من الدولة للشروع في إنفاذ قانون معاشي للمبدعين منذ مدة لكن لم نرَ ذلك القانون في حيز الوجود.. وبرغم أن سنة حميدة بدأت وتم تكريم بعض رموز الحياة الثقافية وهذا أمر يحمد لمن قاموا بذلك العمل غير أنه غير كافٍ، فالأصل أن يتم تكريم كل مبدع بمعاش عند تقاعده لذويه عند رحيله والطريف في الأمر أن الدولة أنشأت صندوقاً لدعم المبدعين منذ سنوات وللصندوق أمين وموظفون ومكاتب غير أنه صندوق خاوٍ لا يمنح المبدع ثمن نظارة طبية، والسبب هو شح مظروف الصندوق والتي تأتي من وزارة المالية الاتحادية كفصل ثان عبارة عن مال تسيير الصندوق يذهب جل ريعه في إيجار مبنى الصندوق وفصل أول يشمل مواهي العاملين.. ولو قارنا صندوق دعم المبدعين بصندوق دعم الطلاب فالأخير مجدٍ وفاعل ومثمر. يأتي أكله كل يوم لآلاف الطلاب إعاشة وسكناً ولو الأمر بيدي لفعلت صندوق دعم المبدعين وأعطيته أولوية لأن المبدع هو الذي يثقف الطالب ويعبئه بالقيم التي تصنع منه مواطناً فاعلاً لوطنه.. لذا اقترح على أخي وزير الثقافة الاتحادي والولائي أن يشرعا في الآتي:

} تعديل القانون الخاص بصندوق دعم المبدعين ليشمل تفسيراً مانعاً جامعاً يحدد من هو المبدع الذي يستحق الدعم من الصندوق.

} أن يتم تصنيف المبدعين إلى ثلاث درجات، رائد ومبدع أول ومبدع ثان وفقاً لعطاء المبدع، كماً وكيفاً وعمراً توطئة لتحديد القيم المالية للدعم.

} أن يستقطع مبلغ واحد جنيه رسماً مقرراً للفواتير الخاصة بالعاملات التجارية العامة يخصص ربع ذلك الرسم إيراداً للصندوق.

} أن تفرض وزارة المالية قرضاً حسناً يسترد عبر عشرين عاماً.

} أن تنشأ إدارة مشروعات اقتصادية سريعة العائد لتمويل إيرادات الصندوق.

} يدار الصندوق بواسطة مجلس إدارة ثلثي أعضائه من اقتصاديين والثلث الآخر من الرسميين.

} إنشاء مكتب دائم بالصندوق للبث في المطالب العاجلة للمبدعين.

والمبدع سادتي الكرام إنسان استثنائي في كل المجتمعات تفرغه الدولة للعملية الإبداعية وتوفر له كافة السبل والوسائل التي تحفزه ليبدع والمبدع دائماً محاط بالمعجبين من مواطنيه يحققون له الدعم الأدبي المهم جداً للعملية الإبداعية.. دعونا نحلم بتكريم المبدع في حياته تكريماً حقيقياً أدبياً ومادياً.. وشكراً جميلاً لأي مؤسسة أو فرد سعي ويسعى لتكريم أي مبدع سوداني فهذا واجب وحق.

صحيفة المجهر السياسي
ت.إ[/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. أرى تحت الرماد وميض نار ، يبدو أن الشاعر التجاني حاج موسى يحثنا على تكريمه شخصياً فهو الشاعر الذي تغني بكلماته بعض الفنانين ، لذلك هو يضرب على الوتر الحساس وبكل شفافية يقصد نفسه الأمارة بالسوء ولسان حاله يقول كما كرمتم الفنان ابن البادية وكما كرمتم محمد الأمين وغيره فكرموني أنا أيضاً .
    وهذا ما أشرت إليه في تعليق سابق لي على صفحة (النيلين).
    كنت قد أوضحت بأنني كمواطن سوداني ارفض عمليات وحفلات التكريم هذه والتي تـُــهدر فيها أموال الشعب (عطاء من لا يملك لمن لا يستحق) ، فإذا تمادينا في عمليات التكريم والصرف البذخي عليها فمعنى ذلك أن خزينة الدولة ستفرغ تماماً في غضون شهر وستة أيام حسوما خاصة وأنه كما ترون بين كل عشرة مواطنين هنالك فنان وفنانة ، وقلت أيضاً بالله عليكم هل الواجب تكريم من أطربنا بالغناء أم من أشبعنا بالخبز (الخباز) مثلاً أو ذلك البناء أو النجار أو العامل او المزارع الذي يعمل في ظروف قاسية من شتاء وصيف ليوصل الغذاء لنا دون من ولا أذي ، كذلك قلت ألا ترون أن الجندي مبدع ، كذلك قلت أن كل الناس مبدعون فيما آتاهم الله من فضله ، فالرسام مبدع والموظف مبدع والطالب مبدع والمرأة مبدعة ، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض -.
    الممثلة فايزة عمسيب تقوم أو قامت بأداء الوظيفة التي سخرت لها وهي وظيفة ومهنة كسائر المهن الأخرى إلا أنها تختلف بظهورها على الشاشة السحرية (التلفزيون والسينما) بينما يعمل الآخرون من وراء حجاب في الخفاء وبلغة الفن (من وراء الكواليس) ولا أحد يفكر فيهم.
    يقول التجاني حاج موسى أنه بسبب الإبداع تم تسمية باريس بمدينة النور وأقول له أن مصر تم تسميتها بأم الدنيا ، كذلك تم تسمية كردفان بلغرة ام خيراً جوة وبرا، فلا يجب خلط الأوراق لمجرد التبرير ، لذلك فإن كل الناس مبدعون فيما سخروا له ولا يجب إعطاء فئة من حق فئة أخرى محتاجة وتستحق حتى إلى أقل القليل من هذه المبالغ التي يتم صرفها تحت مسمى (الابداع) . المطلوب ايقاف هذا العبث وعدم اهدار أموال الشعب فيما لا طائل من ورائه . والله من وراء القصد وعلينا جميعاً أن نكون مبدعين فيما أتانا الله من فضله ونعمل بحديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) والاتقان في العمل – أي عمل حلال هو الإبداع بعينه ودمتم سالمين .