خالد حسن كسلا : الطيب صالح وزمن عرمان وإستيلا
فهي كأنها تستلهم جوهر فكرة القيادي بحزب الأمة والسفير والشاعر الراحل يوسف مصطفى التني.. ذلكم القامة الأدبية الشامخة الذي استخلص من مجزرة توريت الشهيرة ضد الأطفال والنساء والتجار والضباط الاداريين والأطباء والمهندسين وكلهم من شمال السودان، استخلص منها حتمية «الانفصال» بين شمال وجنوب «حدود قانون المناطق المقفولة» التي تسمَّى حتى الآن حدود عام 1956م، وكان ذلك بعد تلك المجزرة التي وقعت في الثامن عشر من أغسطس عام 1955م.. لكن لم توقع الخرطوم على الاعتراف بحق تقرير المصير لقبائل متناقضة ثقافياً ولغوياً، لكنها بشيء ما أو أكثر منه اتحدت ضد شيء اسمه «الشمال». لم تتحد هي كإدارات أهلية ورعايا لهذه الادارات، وانما كمجموعات من القبائل المختلفة على درجات عليا من العلم والثقافة والصداقة مع قوى اجنيبة خارج القارة الافريقية. وكانت القوى الأجنبية تملك عود الثقاب لأي حرب تشعلها مجموعة من المتمردين الجنوبيين منشقين من الجيش السوداني سواء أكانوا مجندين فيه بالاصالة أو ملحقين به من قوات حركة أنانيا.
لقد سردت «إستيلا» قصتها عن التناقض الثقافي، لكن من منطلق تصوير ثقافة الآخر باعتبارها حالة ظلم وظلامية، أما الآخر فلا بد أن ينظر إلى ثقافتها إذن باعتبارها هي الأخرى ثقافة آخر بأنها حالة تخلف وإقعاد وتأخر عما وصلته المجتمعات بالتقدم والازدهار. لذلك تبقى الرواية التي تنحاز إلى قبيلة أو مجتمع او ثقافة أو وطن صاحبها «حكاية عرقية». لكن تلك التي تحمل بين سطورها عبارات المقارنة الرشيقة والمسلية كونها رواية، فهي تلك التي تذهب إلى معالجات سلبيات الماضي من أجل صناعة قيم حميدة تعلي من شأن الإنسان في المستقبل.
وإذا أخذنا إحدى روايات الطيب صالح مثلاً لهذا «الأدب الايجابي الهادف» وهي رواية «ضو البيت بندر شاه» نجد أن الغريب و«الآخر» فيها قد استفادت منه البلد، فهو ذلك الشاب الابيض الذي جاء مع طوف النيل وعالجته فاطمة بنت جبر الدار.
وبعد أن أسلم وتم ختانه طلب الزواج بها، لقد اخذ اهل المنطقة من الغريب كل خير واخذ هو منهم كذلك كل الخير. فقد دخل في دين الإسلام بعد أن وجد مجتمع المسلمين في منحنى النيل حيث ديار البديرية حسن الاستقبال وسخاء الضيافة وكريم الأعراف ونبيل القيم. وحتى العروسة فاطمة بنت جبر الدار كانت صاحبة عمل إنساني جليل وعاطفة دافئة متدفقة، وحينما اعترض بعض البديرية على زواج بندر شاه الغريب منها رغم انه اصبح «ضو البيت» المسلم، وأقر وعاهد بأن يكون له ما لمضيفيه وعليه ما عليهم، فقد تمسكت بموافقتها على الزواج منه. وحينما رأته لأول مرة وفي الساعة الأولى التي وصل فيها القرية، وهمّت بعلاجه، قالوا لها احذري ربما يكون شيطاناً. قالت لهم: «لن أتركه بهذه الحالة ولو كان شيطاناً فأنا إبليس كبير الشياطين».
وهكذا نريد مضامين الرواية يا «إستيلا» يا ابنة الإقليم الاستوائي الذي رفض أيام نميري حتى وحدة الجنوب وكسب نتيجة التصويت لتقسيم الإقليم الواحد.
صحيفة الإنتباهة
لم أقرأ رواية استيلا بل شاهدت واستمعت إلى مقابلة معها وإلى كلامها الأخير في قاعة الصداقة يوم احتفال ( جائزة الطيب صالح ) ولكن قرأت كثيراً في رواية فرانسيس دينق التي صور فيها الآخـر المستعبد ( الشمالي) الذي اصطاد بعضاً من الآخر ويعني به طبعاً الجنوبي واستعبده واستولده , وهي فكــرة سوداوية غير صحيحة عن المجتمع في السودان ( القديم ) الذي تمتع فيه فرانسيس بما لم يجده في بيت أهله ومنزل عائلته الكثير العيــال , وبدلا من أن يحمد للذين قدموا له ذلك , اعتبره سبة في مواجهتهم , ذلك واضح في الرواية التي نسيت اسمها والتي تعج بالتهم والحقــد والكراهية النابعة من خياله غير السليم ومن نظرته الظالمة للفرد الشمالي وللمجتمع الشمالي وفي دولــة السودان التي نــال فيها أعظم المناصب وهي وزارة الثقافة والإعلام أو وزير دولة بالخارجية ( لست متأكدامن أيهما ) وإذا كانت استيلا قد كتبت كما ذكــرت أنت فهي تتناقض مع نفسها أي هناك انفصام بين خيالها وواقعها وهي التي رفضت الذهـاب إلى الجنوب بزعم أنها صوتت للوحــدة , لأنها قالت ولدت وتعلمت وترعرعت في الخرطــوم فلا يمكنني القبول بالذهــاب إلى مجتمع لا أعرفه , أو كما قالت !! والاثنان معــاً صنعا من نفسيهما الآخر الذي لديه انفصام في شخصيته بين الحقيقة والخيال , وبين الصادق والمكابر والكاذب المتحير .. إلخ
حقيقة يا شطــة أبكر الرتــاوي أنا قرأت رواية فرانسيس دينق وهي عندي بمكتبتي بالسودان وقد نسيت اسمها !! وهل بالضرورة أن أتذكر كــل رواية أو كتاب قرأته أو هو في مكتبتي ؟؟ أما بالنسبة لوزارة فرانسيس دينق فكنت كثيراً ما أخلط بينه وبين بونــا ملوال فهما من جيل واحد ولهما نفس الطلعة وكلاهما كان وزيراً في عهد الرئيس النميري وكوني أشك في أن فرانسيس هو للخارجية أم للثقافة ليس شيئاً جوهرياً في الأمر . فالمهم هو من كتب الرواية ( وهي موضوع الحديث ) وليست الوظيفة التي كان يتقلدها , ولذلك أنا جعلتها بين قوسين , أما استيلا فقد رأيت لها مقابلة في التلفزيون وهي كاتبة جيدة ولديها فكــرة أوصلتها إلينا في تلك المقابلة , ولكن لم أشتر أيا من كتبها أو رواياتها وساحاول أن أقتني لها شيئاً من قصصها .. إلخ ثم إنه ما هي التهمة الجــاهزة التي ( طرشتها لك وازدرتها ) فكلام فرانسيس في روايته عن (الآخر) مغايرة للحقيقة تماماُ ولكن هل أنت قرأت الرواية ؟ أم فقط تحب المماحكة والاعتراض من أجل الاعتراض !! وأخيراً لا داعي للتعيير والتنابز , فأنا ولله الحمد أقرأ جيداً , وأشتغل في مهنة التعليم منذ أكثر من ربع قرن ولا أتناول طعــامي عليقة أو علفاً فأنا إنسان أتناول ما يأكله الناس , وقد جعل الله لنا بعض الرزق في ديار هؤلاء القوم الذين ذكرتهم وليس في ذلك أي عيب أو عار فإنما نأكل من رزق الله بعمل يدنا أو ( ذهننا ) وهو من قبيل الضرب في الأرض والسعي فيها وهو مباح بل مطلوب شرعـاً ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه .. ) بل أنت تكشف ما تتناول (فكــل إناء بما فيه ينضح ) أو كما قال الله تعالى ( والذي خبث لا يخرج إلا نكداً ), كما أن اسمي هذا الذي أكتبه والذي لايعجبك, لم يطلب منك أحد تأويله أو تحويره أو تغييره فإذا لم تسمع بأسماء بعض القبائل والناحيات في بلادنا فلا تدلل على جهلك أو سوء طويتك وسواد نفسك على رءوس الأشهاد وعلى عينك يــا تاجــر ,, وإن عدتم عــدنا يا شطة والسفاهة كاسمها !!!