رأي ومقالات

عصام الحسين: بن شمباس وأمبيكي .. شيء من الحقيقة وكثير من المؤامرة

طريق الحياة الوعر، يظل دائماً بحاجة إلى خُبراء يُكسبونه شيئاً من السلاسة، وذلك بتجريده من عقبات كأداء يقل معها احتمال الوقوع في فخ الجهل بها.. وهؤلاء يمكن أن ينتدبوا أنفسهم لهذه المهمة، ويمكن كذلك أن ننتدبهم نحن إذا وجدنا فيهم عقولاً متقدة تفهم العالم من حولنا أكثر من فهمنا له، وتفكر بأسلوب لا يحتمل الانزلاق والتحريض، وتحترم أدمغتنا لينال هديها حظه من الإقناع والتأثير. وكثيراً ما يغرينا ـ وإن كان هذا على خطأ ـ أن ندمغ جهود تطهير الخبراء الأجانب لطُرقنا الوعرة ـ في ما يتعلق بعثرات الحكم والسلام والاقتصاد ـ ندمغها بالمنزهة من كل عيب أو غرض، وأن نرهن أنفسنا لصنيعهم من غير إعمال لعقل أو إدراك لطبيعة خطر ناتج عن عدم الثقة بالذات الوطنية، تعضيداً للمبدأ القائل: إن الأجنبي معصوم من الخطأ.

وقد جرت العادة لدى الكثير من خُبراء الغزو الفكري على الاستخفاف بترتيباتنا الداخلية، لذلك نجد أن كل القرارات الصادرة عن المجتمع الدولي في مواجهة اعتمادنا على ما نمتلك من قُدرات، كانت سيناريوهات صيغت من قِبل خُبراء يُديرون منظمات مدنية، ثم يتم تبنيها بوصفها مشروع قرار قبل أن يتطور ليصبح قراراً ملزماً، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: قرار نشر قوات البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي «اليوناميد» في إقليم دارفور التي يترأسها حالياً محمد بن شمباس، والتفاوض مع قطاع الشمال وفق القرار رقم «2046» بشأن المنطقتين عبر الوساطة الإفريقية برئاسة ثامبو أمبيكي. وحتى اتفاقية نيفاشا التي كنا نعوِّل عليها كثيراً في حل مشكلاتنا الأمنية والسياسية والاقتصادية لم تسلم من تدخلات ما يسمون أنفسهم الخبراء الذين تسببوا في وأدها.

وسواءً انتدب كل من محمد بن شمباس وثامبو أمبيكي نفسيهما لإكساب طُرقنا الوعرة شيئاً من السلاسة أو انتدبناهما نحن.. فالحقيقة البديهية هي أنهما تجاوزا مرحلة إماطة الأذى، وذلك أضعف الإيمان، إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر.. بن شمباس مثلاً لم يكتفِ بحفظ السلام وفقاً للتفويض الممنوح للبعثة، بل تعداه لفرض السلام من خلال لقاءاته المتكررة بقيادات الحركات المتمردة ـ في ظل تمسكهم بحل يتجاوز دارفور ليشمل كل القضايا الوطنية، وهو ما يتسق مع طرح الجبهة الثورية وقوى الداخل ـ وخلق منابر بديلة للدوحة في كل من أروشا وكمبالا وأديس أبابا، وفي ذات الإطار يجيء لقاؤه بالقوى السياسية بالداخل «الترابي والصادق» لبحث معالجة الأزمة برؤية مشتركة والتوافق على ميثاق وطني جامع على حد زعمه. أما أمبيكي فقد بدأت خطواته تتناقض على نحو سافر مع التفويض الممنوح له، وطفق يستجيب لطرح قطاع الشمال الرامي للتفاوض حول قضايا السودان ككل وتجاوز الإطار الجزئي المتمثل في قضايا المنطقتين، كما يخطط للقاء الحركات الدارفورية والسياسيين السودانيين لتوسيع دائرة التفاوض تحت ذريعة أخذ الرأي والمشورة.

وبما أن الحقيقة غالباً ما تكون على القدر نفسه من المتعة الموجودة في المؤامرة، لا بأس إن تجددت الدعوة للاستمتاع بالحقيقة الوحيدة ـ على الأرجح ـ وهي حل جميع قضايانا بالحوار الوطني بعد توفير المناخ الملائم وردم هوة عدم الثقة.. أكثر من ذلك: لا يبدو لي.
عصام الحسين

تعليق واحد

  1. ماقلت الاالحق…بالذات امبيكى هذا واضح انه دائما يعمل موفق اجندةتصب فى صالح التمرد ….لابد ان يكون القرار حاسما بابعاد هؤلاء الوسطاء غير المحايدين والذين ما ان يجدوا ان الامر قد شارف ان يحل الا وياتون بتقليعه جديدة ولجنة جديده…وهكذا يظل هذا البلد العظيم الذين من ابنئه كثيرون عرف المعارف وارتقوا فى مجال العلوم حبيسا لاطروحات لامثال امبيكى الذى كان حتى بالامس القريب عبدا مملوكا لايقدر على شئ….لك الله يابلادى