معادلات الابتعاد والاقتراب.. حكاية الشيوعي السوداني ومواقفه
أمس الأول راجت أنباء عن لقاء يجمع الحزب الشيوعي برئيس الجمهورية ورئيس المؤتمر الوطني المشير عمر البشير حسب ما نقلته الصحف على لسان أحمد سعد عمر وزير المجلس الوزراء قبل أن يعمم الحزب الشيوعي خبراً مفاده نفي هذا الخبر، ووصفه بكونه عاريا تماماً من الصحة، وبحسب منطوق البيان فإن الحزب الشيوعي لم يعلن مطلقاً عن قبول مثل هذا اللقاء ولم يسمع به إلا من الصحف، كذلك لم يوافق الحزب على الحوار إلا إذا نفذت سلطة المؤتمر الوطني موجبات تهيئة الجو لمثل هذا الحوار، وعلى رأسها إلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات والحقوق الديمقراطية التي نص عليها الدستور، ووقف الحرب في كافة مناطق السودان ووقف محاكمات أحداث سبتمبر 2013 وتقديم المجرمين الذين قتلوا المئات من الشابات والشباب في تلك الهبة للعدالة، والسماح للأحزاب بإقامة ندواتها في الساحات العامة في كافة أنحاء البلاد وإطلاق سراح كافة المعتقلين والسجناء السياسيين، بحسب النص.
هكذا تبدو حكاية الشيوعي في المشهد الآني على خلفية علاقته بالحكومة فموقفها هو رفض الحوار ما لم تتوافر متطلباته الموضوعية، إلا أن المشهد عند آخرين يتجاوز التوظيف في الإطار المتعلق بردة الفعل من الحكومة وحدها، فثمة حكايات أخرى يمكنك أن تقرأها في تفاصيل حراك الحزب العريق؛ قبل عامين من اللحظة وسد الزملاء قيثارتهم في الأرض السكرتير العام محمد إبراهيم نقد التراب، وهو الغياب الذي سرعان ما كانت له تأثيراته السلبية على مسارات حراك الشيوعيين، فرغم انتهاجهم الخيار التوفيقي في اختيار خليفة لسكرتيرهم السياسي لما يناهز الأربعة عقود، إلا أن عملية الاختيار لم يكن مرضيّا عنها من كلّ الفئات، وإن اكتفى البعض بالصمت تقديراً لظروف الانتقال، وفي انتظار الوصول إلى المؤتمر العام الذي عبر التوقيت المحدد له لتحديد من يقود دفة حزب الفقراء والمسحوقين في مقبل المواعيد.
الحكاية قد تتجاوز (الخطيب) إلى (الخطاب) نفسه، فثمة من يرفع صوته بالاحتجاج على خطاب العلمانية المختلط في لحظة بخطاب دعاة الدولة الدينية، فتحالف (الشعبي والشيوعي) كان نقطة أخرى للنزاع في صفوف الحزب؛ بين القبول لخطوات التحالف مع الشعبي وبين تيار رافض لها، وهو ما أوضحته لاحقاً المواجهات الساخنة بين كمال الجزولي وكمال عمر مؤخراً.
الحكاية تمضي لتقف مع الشيوعي في محطة قوى الإجماع الوطني باعتباره، أحد المؤسسين للتحالف، ومن أنشط الفاعلين فيه؛ هنا تبدو الحكاية مربوطة بالفعل العام للتحالف نفسه، وبمجموع الخلافات التي تدور حوله، والتي يشكل الحزب أحد الأضلاع المؤثرة فيها، خصوصاً حين يدور الجدل حول التفاوض وعدمه.. الاقتراب من القصر في مقابل الابتعاد، وهو ما بلور في خواتيم المشهد طرفين؛ أحدهما يسار المعارضة، بمواقفه الرافضة، والآخر يوجه يمينه نحو الاقتراب من القصر، في هذا الجانب فان حكاية الشيوعي ومواقفه تبدو الأبرز في حراك المعارضة.. تواجهك مباشرة وأنت ترصد لافتة الراحل نقد المكتوب عليها “حضرنا ولم نجدكم” في ميدان أبو جنزير ذات نهار حارقة شمسه.
لكن سؤال الغياب لا يتجاوز الشيوعي نفسه، فثمة من يقيم التجربة في المعارضة ومنذ أيام التجمع الوطني الديمقراطي، فإنها نجحت في تقديم شخوص بارزين، أكثر من مساهمتها في تقديم برامج نافذة لتعديل الواقع بكلياته؛ غياب ضعف التأثير على المشهد يبرره الشيوعيون بالهجمة الشرسة من النظام المنعوت عندهم بالقابض والمسيطر والمتعامل معهم بعداء مفرط.
تقودك حكايات التحالفات نحو الموقف المعلن للحزب من الحركات المسلحة في النيل الأزرق وفي جنوب كردفان والحركات الدارفورية التوقيع على ميثاق كمبالا والهجمة الشرسة من قبل مساعد الرئيس السابق نافع على نافع، ومن ثم التراجع عنه. يمكن للحكاية أن تصلح كأداة للقياس عليها، دون أن تتجاوز الحديث المتكرر لقيادات الحزب بأن حملة السلاح لهم قضايا عادلة يدعمها الحزب، ولكنه يخالف عملية التعبير عنها باستخدام العنف أو السلاح في معالجة القضايا الوطنية، متمسكاً ببديله الديمقراطي، القائم على أسس النضال السلمي في مواجهة الحكومة القابضة.
لكن السلمية المطروحة من قبلهم سرعان ما تجد الألسنة الرافضة لها والتي تذهب بالشيوعي إلى حيث تدور المعارك وانه يدعم القوى الحاملة للسلاح.. حكاية ربما تجد ما يدعمها؛ فالمتتبع لتفاصيل حراك المكونات المسلحة يمكنه أن يجد علامات تربطها بالحزب الشيوعي حتى لو كان ذلك عن طريق الإرث التاريخي، فالأمين العام للحركة الشعبية قطاع الشمال ياسر عرمان ينطلق من إرث فكري شيوعي، منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهو يقود معركة التفاوض والمواجهة الآن، لدرجة أن الكثيرين في تحليلهم لا يستطيعون تجاوز الربط بين الماضي والحاضر.
وفي الضفة الأخرى للنهر المسلح يمكنك مشاهدة رئيس حركة تحرير السودان الدارفورية عبد الواحد محمد نور منطلقاً من ذات الخلفية الشيوعية كعامل آخر من عوامل الربط، وإضافة لتفاصيل العلاقة التي ينفيها الأشخاص والمؤسسات معاً.
نهاية الأمر تظل تفاصيل الشيوعي السوداني وحكاياته تفاصيل غير قابلة للانفصال عن المشهد السوداني العام، ومعادلة الاقتراب والابتعاد، فلسفة الحوار ونقيضه المواجهة. آخر حكايات المشهد الآن؛ هو ألا حوار بين الشيوعي والمؤتمر الوطني الحاكم بل مواجهة في ميادين السياسة.. مواجهة تطرح أيضاً سؤالها حول مدى توفر أدواتها لدى أهل اليسار بسودانيّتهم؟
صحيفة اليوم التالي
الزين عثمان
ت.إ[/JUSTIFY]