د. عارف عوض الركابي : إذا أقبلت الفتن عرفها العلماء وإذا أدبرت عرفها كل أحد

وأنا أكتب هذا المقال راجعت ما كتبته في بداية ظهور تلك الثورات مما ناقشت به أحد الإخوة الكتاب بهذه الصحيفة فرأيت أن أقتبس منه العبارات التالية : «لقد بيّن العلماء أنه لا يجوز الخروج على الحاكم إلا إذا توفرت شروط محددة، وهذه الشروط أفادها العلماء من التوجيهات النبوية الكريمة والتي جاءت لتكفل وتحقق مقاصد شرعية معلومة وبالعمل بها تحقن الدماء المعصومة ، وتحفظ الأعراض والمقدسات ، ويتجنب كثير من الدمار وذهاب الأنفس المتوقع في الخروج ، وهذه من أجل مقاصد هذه الشريعة الإسلامية العظيمة ، بل هي من مقاصد جميع الشرائع التي شرعها الله لخلقه.وهذه الشروط هي : أن يُرَى الكفرُ، البواح ، الذي فيه من الشرع برهان واضح وحجة ، القدرة على تغييره وألا يكون مفسدة تغييره أعظم من مفسدة بقائه ، كما ذكر بعضهم في الشروط أن البديل الذي هو أفضل . وهذه الشروط أفادها أهل العلم من «التوجيهات الشرعية» ونشروها في كتبهم ومؤلفاتهم ، والذي لا يغفل في هذا الباب «الخطير» أن الذي يقرر تحقق هذه الشروط أو عدم تحققها هم العلماء الربانيون العالمون بشرع الله وليست هي موكولة لـ «عامة الشعب» !! أو «شباب الاعتصامات والمسيرات» كما أن لأهل الحل والعقد مقامهم في ذلك وفي مقدمة أهل الحل والعقد علماء الشريعة الربانيين العالمين العاملين». «استشهاد الأخ الكاتب بما حدث في تونس ومصر وما نتج عنهما ، هو استدلال بــ«التجربة» .. ومن البديهي أن «التجارب» هي التي تخضع في الحكم عليها للتوجيهات الشرعية ، فالشريعة هي التي تبين موقف المسلم في هذه القضايا وفي غيرها ، وليست التوجيهات الشرعية التي تضمنتها النصوص المحكمة والثابتة والواضحة بل «والمجمع عليها وعلى ما دلت عليه» ليست هي التي تخضع للتجارب !! .. هذه قضية بدهية .. وقد كان الأحرى بالأخ الكاتب وهو يتحدث عن هذه القضية ويتناولها بهذا الطرح أن يلقي الضوء على الأحاديث الكثيرة الواردة في هذا الأمر ويبين لماذا لا يُعْمَل بمضمونها ؟! ولماذا من يتمسك بها تكون حجته داحضة ؟! ولماذا عادت هي من «القديم» الذي ينبغي بل يجب تجاوزه ؟! أما المنحى الذي اعتمده الأخ الكاتب وهو «الاستشهاد بالتجارب» فأظن أن أخانا الكاتب سيواجه بسببه بإلزامات لا يستطيع دفعها !! ومن ذلك أن يقال له : وما رأيك في أحداث التاريخ التي كانت فيها مفسدة الخروج أعظم من مفسدة بقاء الحاكم ، بل لا مقارنة بينهما؟! فإن في التاريخ أحداث «كثيرة» وهي معروفة ومشهودة في ذلك . قال ابن تيمية : «وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير» وسرد جملة من الأحداث وعدّدها مما يوضح ما قال. وقال ابن القيم : «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتال الأمراء والخروج على الأئمة- وإن ظلموا أو جاروا- ما أقاموا الصلاة، سداً لذريعة الفساد العظيم والشر الكثير بقتالهم كما هو الواقع، فإنه حصل بسبب قتالهم والخروج عليهم أضعاف ما هم عليه، والأمة في بقايا تلك الشرور إلى الآن» ، وقال المعلمي : «وقد جرب المسلمون الخروج فلم يروا منه إلا الشر » وسرد ـ أيضاً ـ جملة من الأحداث. ومن العجائب التي احترت لها كثيراً واستغرب لها كثيرون وأنا أقرأ في كتابات «كثيرين» وأسمع لأقوالهم في هذه الأيام عن ما يسمى بــ «الربيع العربي» ، أقول : هل من يقتنع بهذه «القناعات» التي تبناها الكاتب في هذا المقال يرى أنها تصلح لأن تطبق في الحكومات التي يكون هذا القائل أو الكاتب عضواً في حزبها الحاكم ؟! فمن العجائب أن نفس المفتي بالخروج على الحاكم بهذه البلاد يحرِّمه ويجرِّمه في بلاد أخرى ، ومعلوم أن «التلون» هو مقياس وميزان لاتباع الباطل وعدم التجرد للحق ، فقد رأينا كثيرين يجيزون الأمر في «تلك البلاد» ويحرمونه في «هذه البلاد» أو «غيرها من البلاد» .. في تناقض كبير«مؤسف ومخجل» إذا كانت القضية أخطاء حكام وظلم ووضع ليس هو الأفضل فهذا قاسم مشترك بين جميع الدول ، على تفاوت بينها في ذلك «كبير» ولا أعلم أن حاكماً واحداً يعفي نفسه من وجود أخطاء وحصول قصور لديه .. فمن هذا الحاكم الذي يجد إجماعاً من جميع المحكومين في زماننا هذا ؟! حتى وإن عدل واجتهد في توفير الراحة لشعبه واستقرارهم في دينهم ودنياهم فسيجد من بين رعيته ومحكوميه من لهم رغبات أخرى تتعارض مع توجهاته «ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض» ، بل نحن في زمان اختصام أصحاب الحزب الواحد فضلاً عن غيرهم!! فهل سيكون هذا الشأن الذي أعجب الأخ الكاتب هو الوضع «المستمر» في كل دولة تأتي وتخلف غيرها؟! قول الأخ الكاتب : «الثورات المعاصرة في العالم الإسلامي عملياً زعزعت قناعات المجموعات التي كانت تحرم الخروج على الحاكم وهذا أكبر مكسب فكري مثل نقلة كبيرة في الفكر السياسي الإسلامي». قلتُ : لا أدري هل الأخ الكاتب يتحدث عن «أمنية» هو يتمناها ، أم أنه يتحدث عن واقع !! فإن كان يتحدث عن «واقع» فأرجو أن يورد لنا أدلة واضحة وصريحة واعترافات ممن كانوا يرون سابقاً تحريم الخروج على الحاكم ثم أنهم غيروا أو تزعزعت هذه القناعات لديهم ، وفي المقابل إن أراد الأخ الكاتب أن يطلع على المقالات والندوات والمحاضرات والأبحاث التي خرجت «في هذه الفترة» بما يؤكد زيادة التمسك بهذا الأصل «الصبر على جور الأئمة والحكام» الذي هو من «أصول أهل السنة والجماعة» فهو أمر ميسور.. قول الأخ الكاتب : «لأنه كما قلنا من قبل إن التطور السياسي لا يقوم فقط على التنظير وإنما على حركة الجماهير وتضحياتها في نزع حقوقها السياسية ، وقضت على التحالف الذي استمر طويلاً بين الحكام الباطشين وعلماء السلطان». أقول : ولخطورة المقام أؤكد: إن الجماهير قد ترى أن لها من الحقوق ما سلبه الحاكم منها .. وبلادنا هذه «السودان» خير من يستشهد به في ذلك !! وقد يكون للدولة عدم المقدرة على الوفاء بذلك.. كما قد يكون لها من العذر المقبول بسبب النزاعات والحروب وغيرها .. فهل يحق لهذه الجماهير«نزع حقوقها» سياسية كانت أم مادية أم اجتماعية …الخ بهذه الوسائل؟! هل يؤيد الكاتب هذه الوسيلة ؟! كيف ستستقر الأمور إذاً على ضوء «هذه القناعات» في بلدنا هذا أو في غيره من البلاد ؟! وأين هي هيبة الحاكم الذي بسلطانه وقوته يوفق لحفظ الدماء والأنفس والأموال والأعراض؟! وأما ما ذكره الكاتب من اتجاهات أهل «الفكر السياسي» وتماشيهم مع العصر واجتهاداتهم في ذلك ، أقول : «إن تصرفات الناس وأفهامهم للدين والشريعة لن تكون حكماً على الشرع ، خاصة فيما ورد بشأنه نص خاص بحكمه ، فيجب الاستسلام والانقياد لحكم الله ورسوله فيه». هذا مما ذكرتُه في سلسلة حلقات عديدة نشرت بهذه الصحيفة في الإنكار على الفوضى التي سميت بالربيع العربي وعرضها على النصوص الشرعية والمقاصد المرعية والضوابط التي حددها خير البرية عليه الصلاة والسلام .. وبعد سنوات ليست بالكثيرة اتضحت النتائج الوخيمة لتلك الفوضى في بلاد كثيرة مما لا يخفى .. وقد تضمنت تلك الحلقات تفاصيل كثيرة في جانب التأصيل الشرعي لمسألة الخروج على الحكام .. أسأل الله أن يصلح حال المسلمين وأن يردهم إليه رداً جميلاً وأن يوفقهم للرجوع والتمسك بدينهم ليهيء لهم حياة طيبة في العاجل والآجل..
صحيفة الإنتباهة
ع.ش
روي عن الحسن ا البصري نه سمع رجلاً يدعو على الحجاج فقال له: لا تفعل إنكم من أنفسكم أتيتم، إنا نخاف إن عزل الحجاج أو مات أن يستولي عليكم القردة والخنازير، فقد روي أن أعمالكم عمالكم، وكما تكونون يولى عليكم…اتفق معك في كل ما كتبت, آن الاوان لربيع عربي على الشعوب فلا يستوي الظل والعود اعوج