رأي ومقالات

د. عارف عوض الركابي : الحكم الشرعي في تشييد القباب على الموتى

نظراً لقيام بعض الناس في ضاحية من ضواحي العاصمة قبل يومين بوضع حجر أساس لبناء قبة على أحد المتوفين فإني أذكّر بالحكم الشرعي المأخوذ مما ثبت في النصوص الشرعية في حكم البناء على القبور وتشييد القباب، فيجب أن يعلم كلّ مسلم ومسلمة الحكم الشرعي في ما يأتون وما يذرون، فإن نجاتهم في العاجل والآجل تناط بذلك، وقد وردت نصوص شرعية عن خير البرية وأزكاها نبي الهدى والرحمة المكرّم المعظّم عليه الصلاة والسلام تفيد أنه: يحرم البناء على القبور ولا يجوز تجصيصها ولا وضع المصابيح عليها، ويجب أن يحتكم الجميع في ذلك وفي غيره للوحي من كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز البناء على القبور بتوجيه الصادق الأمين المصطفى المجتبى المرتضى عليه الصلاة والسلام فقد وردت أحاديث كثيرة بهذا الشأن ومنها ما قاله وهو على فراش الموت لبيان أن ذلك من وصاياه العظيمة لأمته التي أكّدها وهو يرتحل إلى الرفيق الأعلى، عليه الصلاة والسلام، ومن تلك الأحاديث قوله : «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» رواه البخاري ومسلم وقوله: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» رواه مسلم. كيف لو رأى النبي عليه الصلاة والسلام بعض الناس من أمته يبنون القباب في المساجد ويطوفون بها وينذرون لها ويقفون الساعات مستغيثين بالمدفونين بها، وثبت أيضاً عن جابر بن عبد الله ــ رضي الله عنهما ــ أن النبي عليه الصلاة والسلام : «أنه نهى عن تجصيص القبور، والقعود عليها، والبناء عليها» رواه مسلم. وعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي: الا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله؟ أن لا أدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته». فقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام بتسوية القبور ولا يبقى منها إلا قدر سنام البعير وهو ما يحترم به القبر، والأحاديث كثيرة في هذا الباب منها ما ورد في لعن من يتخذون المصابيح على القبور ويضيئونها، فإن البناء والتجصيص والتمييز والإيقاد للقبور يحصل بسببه الافتتان بالمدفونين بها، فيأتي من يجهل فيستغيث بهم ويدعوهم من دون الله فكانت هذه الأعمال من المحرمات في الشريعة لما تؤول إليه فهي ذريعة ووسيلة وسبب يوصل إلى الشرك بالله تعالى، وقد بيّن العلماء في المذاهب الأربعة وغيرهم عملهم وقبولهم بهذه النصوص النبوية وللمالكية تراث كبير وعظيم في حسم هذا الطريق وبيان تحريم البناء على القبور وتشييد القباب والأضرحة.

قال العلامة القرطبي الفقيه المفسّر المالكي رحمه الله : «وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التسنيم ويبقى للقبر ما يعرف به ويحترم ، وأما تعلية البناء الكثير على ما كانت الجاهلية تفعله تفخيماً وتعظيماً فذلك يهدم ويزال، فإن فيه استعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة، وتشبهاً بم كان يعظم القبور ويعبدها، وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي ينبغي أن يقال هو حرام، والتسنيم في القبر ارتفاعه قدر شبر، مأخوذ من سنام البعير».

وكلام الإمام القرطبي السابق هو ما نصّ عليه الإمام مالك رحمه الله في المدونة، وعلّق عليه سحنون رحمه الله «1/189» والقول بتحريم البناء على القبور تلقاه علماء الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة لوضوح الأحاديث الواردة في ذلك، وصراحتها، والبناء على القبور وتزيينها وإيقاد المصابيح عليها هو من الوسائل التي بسببها يقع بعض الناس في الشرك بالله تعالى وهو أعظم الأخطاء والمنكرات، فإن الشرك يكون بدعاء المقبورين والأموات وندائهم من دون الله تعالى، وتجصيص القبور وبناء القباب عليها هو من الوسائل التي توصل إلى ذلك. وحماية للمسلم في أهم ما ينلك من المعتقد الصحيح نهى النبي الرؤوف الرحيم بأمته من ذلك.

وعلى الرغم من خطورة بناء القباب على القبور وخطورته إلا أن السلفيين يؤكدون أن الشريعة لا تقر مهاجمتها ولا تكسيرها ولا شيئاً من ذلك دون أن يكون ذلك بأمر الحاكم وولي الأمر، فإن الذي يقرره السلفيون في كتبهم ومؤلفاتهم ودروسهم وفتاويهم أن تغيير المنكر إن كان باليد فهو إلى الحاكم أو من يأمره ، أو للرجل في بيته لأهله ومن هم تحت ولايته، والسلفيون في شرحهم لحديث النبي عليه الصلاة والسلام: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» رواه مسلم، يبينون درجات إنكار المنكر ويؤكدون على أن: التغيير باليد للقادر عليه كالحكام، والرجل مع ولده وزوجته، وإلا فالتغيير باللسان وهو للعلماء ومن في حكمهم من الدعاة وطلاب العلم ومن لديه علم بالمنكر، وإذا لم يتمكن من التغيير باللسان فينتقل إلى التغيير بالقلب.

فالتغيير باليد يكون في حق من استطاع ذلك كولاة الأمور والجهات المختصة بذلك فيما جعل إليها، والإنسان في بيته مع أولاده وأهل بيته فيما يستطيع. أما من لا يستطيع ذلك فإنه لا يغير بيده بل ينكر بلسانه ويكفيه ذلك لئلا يقع بإنكاره باليد ما هو أنكر من المنكر الذي أنكره، ولئلا تصيح الأمور فوضى يغير كلٌ بيده، كما نص على ذلك أهل العلم. وحسبه أن ينكر بلسانه فيقول: هذا لا يجوز، وهذا يجب تركه، هذا يجب فعله، ونحو ذلك من الألفاظ الطيبة وبالأسلوب الحسن.

إننا نأسف أن يقع مثل هذا المنكر العظيم الذي فيه مخالفة شرعية واضحة، ونرجو أن ينتشر العلم الصحيح حتى لا توجد مثل هذه الأعمال التي لا يقرها الإسلام ولم يكن في صالحي الأمة وسلفها الصالح ذلك في العهود المباركة التي سارت على الأدلة الشرعية ولم تسر على التقليد الأعمى أو التعصب لما عليه الآباء وبعض المتبوعين، وقد أسِف كما نأسف العلامة الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله حيث قال في منظومته «سلم الوصول إلى علم الأصول في توحيد الله واتباع الرسول» ما يلي:

ومن على القبر سراجاً أوقدا *** أو ابتنى على الضريح مسجدا
فإنه مجدد جهارا *** لسنن اليهود والنصارى
كم حذر المختار عن ذا ولعن *** فاعله كما روى أهل السنن
وقد نهى عن ارتفاع القبر *** وأن يزاد فيه فوق الشبر
وكل قبر مشرف فقد أمر *** بأن يسوّى هكذا صح الخبر
وحذر الأمة عن إطرائه *** فغرهم إبليس باستجرائه
فانظر إليهم قد غلوا وزادوا *** ورفعوا بناءها وشادوا
بالجص والآجر والأحجار *** لا سيما في هذه الأعصار
وللقناديل عليها أوقدوا *** وكم لواءً فيها عقدوا
بل نحروا في سوحها النحائر *** فعل أولي التسييب والبحائر
قد صادهم إبليس في فخاخه *** بل بعضهم قد صار من أفراخه
فيا شديد الطّول والإنعام *** إليك نشكو غربة الإسلام
اللهم اهد كل من ضل عن الحق والهدى.. واجمع كلمتنا على صراطك المستقيم .

صحيفة الإنتباهة
ع.ش

‫7 تعليقات

  1. يا ايها الشيخ الكافر: هل تفتينا في من ازاح مقابر حديثه وضيق السور ثم مرر طريقا ووزع دكاكين استثمار في ما نزع من الموتى من ارض؟؟
    ان افتيت ووفيت فكفرك زال وان كانت فتاويك في من لا سلطة له ولا مال فبئس الحال ما لك من حال

  2. س سؤال…وماذا عن مسجد النبي – ص – المقام علي قبره بالمدينه المنورة؟؟؟؟؟؟

  3. يا دكتور عارف عوض الركابي أن مقالك هذا لا يرضي من هم ألفوا آبائهم يطوفون حول قبة الشيخ المتوفي ويتبركون بالقبر والقبة ويذبحون عندها النذور ويأكلونهاويدعون صاحب القبة ليقربهم إلى الله زلفا و يقولون نحن نعبد الله ولكننا نتخذ صاحب هذا القبة واسطة بيننا و بين الله.
    يا دكتور أن السودان لقد أبتلي بهؤلاء الذين جلبوا لها المصائب والويلات بسبب هذا الشرك البين ، نحن نحتاج إلى دولة رشيدة لا تجامل الصوفية ونحتاج إلى رجل مثل محمد عبدالوهاب ليجدد الدين في السودان ويمحي كل هذه الشركيات والبدع.

  4. احبائى من راى منكم المسجد النبوى فإن فى داخله سيدى رسول الله اصلى الله عليه وسلم وسيدى ابوبكر الصديق رضي الله عنه وسيدى عمر رضى الله عنه
    ارجو منه توضيح هذا وهل هذا المسجد به قبر فلا تصح الصلاة فيه

  5. السيدالدكتور تحية طيبة
    أراك دائماً تطرق أموراً تجعل الفتنة تطل برأسها ..سؤال واحد أنت دكتور ؟ يظهر إن الدكتوراة في هذا المجال شيئ لا يقدم من عقلية المفتي هل تعلم أن هناك آلاف لايعلمون أمور الصلاة ولا الطهارة وكثير لا يعلمون أمور الجنائز ولا حتى آداب المقابر أين أنت من هذا تكلم في الأمور التي تفيد المسلم في اساسيات العبادة كيف تكون صلاتنا صحيحة ووضوءها كيف من سنن وفرائض تحدث في فقه العبادات لا تثير اشياء تفتح ابواب الجدل

  6. بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله رب اشرح لي صدري ويسر لي أ مري واحلل عقدة من لساني ، هذا الموضوع قد قيل فيه ما قيل وكلٌ يأخذ ما يرضيه ويفترض أن لا نختلف في شيء طالما قدوتنا هو المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو القائل (لقد تركتكم على المحجةالبيضاء ليلها كنهارها لا يزيع عنها من بعدي إلا هالك المهم الحديث طويل ومعناه عميق ، فلماذا المغالطة؟ وهل هذه الأحاديث اختلقها أهل السنة؟ الموضوع ليس غالب ومغلوب الموضوع جنة أو نار لا أمر وسط بينهما.
    ونحن كسودانيين يعرف بضعنا بعضاً وأكاد أجزم بأنه يوجد من أتباع الصوفيه من يحترم شيخه ويخدمه ويوقّره بل وينفق عليه أكثر من والديه!! والله على ما أقول شهيد وأعرف الكثير شخصياً، بل وأعرف بعضهم من ترك بلده ومكث في بلد شيخه ونسي أهله نساناً تاماً حتى مات ..

  7. الاخ الدكتور/عارف الرفاعى سلام عليكم ورحمة من الله وبركات يسعدنى جدا متابعت ما يسطره قلمكم من مواضيع دينية تهم المسلمين فى دنياهم واخرتهم التزاما واتباعا القران الكريم والسنة الشريفة الا انى الاحظ انك تاتى بالحجج والدلائل التى تعبر عن مذهبك فقط وتتناسى او متعمدا انك تدافع وتكتب عن وجهة نظر مذهبك السلفى دونما تلفت القارى لمختلف اراء الجمهور من السلف فمواضيع كهذه فيها خلاف والخلاف فى فهم النصوص فالسابقون من علماء السنة اختلفوا فى تفسير النص للحديث والكل على صواب لان الخلاف فى النص من حيث فهم المعنى وكان من الاجدى عندما ذكرت الادلة عن موضوعك اعلاه كان تاتى بالادلة لغيرك من المذهب وهم ايضا من السنة والجماعة والكاتب يجب ان يتجرد من مذهبه وافكاره فى حال تناول قضايا خلافية المذهب وتقبل ردى المتواضع عما كتبته .تحريم البناء على القبور لم يقل به على الاطلاق احد من فقهاء المذاهب الاربعة بل جروا على التفصيل فحرم الاحناف البناء ان كان للزينة كما فى كتاب تبيين الحقائق الجزء الاول صفحة 246 وكتاب اعلاء السنن الجزء الثامن صفحة 318 وحرم الشافعية والمالكية البناء فى الارض المسبلة كما فى كتاب المجموع للنووى الجزء الخامس صفحة 266 وكره الحنابلة البناء الفاخر كالقبة [SIZE=3]والبناء فى الارض المسبلة او فى الارض الموات او المملوكة للشخص او لغيرةه باذنه بلا مباهاة فعند المالكية والشافعية مكروهوعند الحنابلة لا كراهة فيها كما فى كتاب الانصاف الجزء الثانى صفحة 549 واختلافهم نشا عن تعارض الادلة فادلة النهى عن البناء عن القبور عورضت بادلة وقوع البناء على القبور فيحمل النهى على الكراهة ومن اقوى الادلة على جواز البناء على القبور اجماع الصحابة على دفن النبى ( ص)فى بيت السيدة عائشة (رض)وبل بعد ذلك دفنوا خلفائة ابى بكر وعمر معه فى هذه الحجره الشريفة وهذا يدلل على ان الصحابة اتفقوا على جواز الدفن فى البناء المسقوفاما تحريم المساجد على القبور واتخاذ السرج هذا اختلاف فى تفسير المعنى لان معنى الاتخاذ الوارد فى الحديث هو السجود عليها او لها وان اتخاذ المساجد بجانبها لا باس بهوقال البيضاوى لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الانبياء تعظيما لشانهم وجعلوها قبلة ويتوجهون بالصلاة نحوهاواتخاذها اوثانا لعنهم ومنع المسلمين عن مثل واخيرا ان الامة اجمعت منذ عصر الصحابة وكبار التابعين على جواز ادخال القبور فى المسجد النبوى الشريف واول من ادخلها الخليفة سيدنا عثمان بن عفان وان النبى اخبر بان قبره سيكون داخل المسجد والدليل قوله مابين قبرى ومنبرى روضة من رياض الجنه وثبت باسناد صحيح ان عددا من الانبياء مدفونون بمسجد اليف ذكر ذلك البزار والطبرانى وابن حجر وجاءت اسانيد تصرح بان اسماعيل عليه السلام وغبره مدفونون فى المسجدالحرام وان السيدة عائشة كانت تصلى فى الحجرة النبوية حيث القبور الشريفة ختاما لك جميل تقديرى ونفع بكم الامة [/SIZE]