سياسية

النفوذ المتمادي لحزب المؤتمر السوداني يجعله في صدارة المعارضين والأكثر إزعاجا لحكومة الإسلاميين

[JUSTIFY]دون مغالطات تذكر فإن الراجح عند غالبية المشتغلين بالسياسة، أو المهتمّين بها، هو النفوذ المتمادي خلال الأعوام الماضية لحزب المؤتمر السوداني الذي جعله في صدارة أحزاب المعارضة، والأكثر إزعاجا لحكومة الإسلاميين التي شيّدت بمعاول طلابيّة استلفها الحزب المعني لإطاحتها من واقع ولوجه للشارع السياسي من سوح الجامعات. لكن المؤكد، وليس الراجح، التحديات الجمة التي يواجهها في الانتقال إلى حزب جماهيري من حزب صفوي متنازع ما بين الطرح البرامجي الواقعي ونقيضه الأيدولوجي وهو يعتمد منهج التحليل الثقافي وجدلية الهامش والمركز كمرجعية فكرية لتشخيص أزمات البلاد وحلها واللتين تثقلان كاهله بتحد آخر هو مغبة التحول إلى حزب جهوي، ويدفعه إلى ذلك أيضا نفوذ رئيسه الثري إبراهيم الشيخ في نواحي كردفان والذي لا يمكن إغفال دوره الرئيسي في التمدد الشعبوي للحزب.
( 1 )
يعود تاريخ الحزب للعام 1977 بتأسيس نفر من طلاب جامعة الخرطوم تنظيما باسم مؤتمر الطلاب المستقلين مثل خيارا مقبولا لدى قطاع عريض من طلاب الجامعة الزاهدين في طرح اليمين ويمثله جماعة الإخوان المسلمين وطرح اليسار وممثله الطلاب الشيوعيون وكلاهما كانا يحتكران الممارسة السياسية في الجامعة.
كانت النتيجة بعد أقل من عامين نجاح التنظيم الوليد في اكتساح انتخابات اتحاد الطلاب بكل ما له من ثقل في الحياة السياسية بالبلاد بالتزامن مع تبني خطاب جديد على أنقاض خطابه البرامجي الذي أعطى الأولوية لمشاكل الواقع كما هي وليس كما تصورها الأيدلوجيا – أيا كانت – والتي كانت حاضرة في الطرح الجديد وهو يعتمد على منهج التحليل الثقافي الذي أسس له القيادي بالتنظيم محمد جلال هاشم ما بين عامي 85 86 لتشخيص أزمات البلاد من الجانب الثقافي المرتبط بالضرورة بجوانب دينية وإثنية وطبقية متلازمة.
والملاحظة أن ذات فترة الخطاب الجديد شهدت تأسيس خريجي التنظيم بقيادة عبد المجيد إمام لحزب المؤتمر الوطني كمنافس للقوى السياسية التقليدية والحديثة في الشارع والذي استبدل اسمه إلى المؤتمر السوداني في العام 2005 بعد أن “سطا” عليه الإسلاميون في أعقاب انقلابهم، مقلدين إياه لحزبهم الوحيد الحاكم طبقا لتوصيف سابق لإبراهيم الشيخ.
وما لا يمكن إغفاله أيضا في الحمولة الأيدلوجية هي إضطراد معدلها بجدلية الهامش والمركز التي نظّر لها أبكر آدم إسماعيل وسوقت كمرتكز فكري أساسي للحزب ما بين عامي 94 95 كتكملة لمنهج التحليل الثقافي وجعلته بشكل من الأشكال مناصرا للمجموعات السكانية في أطراف البلاد ومستعدية لمجموعات المركز أو بالتدقيق مجموعات الوسط النيلي.
( 2 )
يقول المحلل السياسي محمد الفكي سليمان إن: “مؤتمر الطلاب المستقلين بدأ مسيره بخطاب برامجي لكنه اضطر إلى أخذ طابع أيدلوجي حتى يستطيع مجاراة آلة الخطاب الأيدلوجي لدى اليمين واليسار وآن الأوان للتخلص من هذه الحمولة الأيدلوجية لتعزيز رصيده الشعبي وإكمال عملية الانتقال من حزب صفوي إلى حزب جماهيري”.
ويستطرد سليمان: “هذه المهمة ليست صعبة لأن الأيدلوجيا ليس شيئا أصيلا في تكوينه”. لكن مستور أحمد المسؤول السياسي لحزب المؤتمر السوداني يقلل من أهمية التخلص من الأيدلوجيا بل يرى أنها خطوة غير ممكنة الحدوث على إطلاقها قائلا: “أي فكرة تحمل شيئا من الأيدلوجيا ولا يمكن لحزب أن يفارقها بشكل كامل لكن المهم ومحل الخطورة هو أن تحاول تطويع الواقع بناء على طرحك بل يجب عليك تطويعه ليتماشى مع الواقع ونحن ليست لنا غضاضة في تغيير طرحنا إذا ثبت لنا عدم جدواه وقدرته على مناقشة وحل قضايا البلد”.
يقر مستور أيضا بمعضلة الصفوية التي لازمت حزبه لكنه بثقة مفرطة يجزم بقدرتهم على تجاوزها عبر تكنيك جربوه بالفعل وهو: “صياغة أفكارنا وأهدافنا في خطاب بسيط يناقش هموم الناس ومفهوم لرجل الشارع العادي”.
ويفصل مستور وهو أحد أبرز خريجي مؤتمر الطلاب المستقلين الذي يمثل الذراع الطلابية لحزبه خلال العقدين الماضيين وشغل منصب الأمين العام لاتحاد طلاب جامعة جوبا دورة 2005 2006: “نجحنا في ذلك خلال انتخابات 2010 ومع مزيد من الممارسة والاحتكاك مع الجماهير يكون مزيد من النجاح”.
( 3 )
من نافذة ملاصقة يدافع سليمان عن وجاهة رأيه، مشيرا إلى أن: “من أبرز عوامل تمدد حزب المؤتمر السوداني بجانب الموقف الصحيح والقوي للحزب من النظام وإدارته من قبل شباب وخريجي الجامعات هو غياب خطاب الوسط الذي يمثله مثقفو الحزب الاتحادي والذي ازداد غيابه بعد هيمنة الختمية عليه بخطابهم ذي النزعة الإسلامية”.
يمضي سليمان وهو أحد أبرز قادة الحركة الطلابية عن الحزب الاتحادي في جامعة الخرطوم التي تخرج فيها عام 2003 إلى أبعد من ذلك وهو يؤكد: “تضعضع حزب المؤتمر السوداني إلى الزوال في حال نهض الاتحادي إلى ملء الفراغ الذي خلفه”.
بالمقابل يعارض مستور ما ذهب إليه الشاب الاتحادي قائلا: “كثيرون يقولون إننا تمددنا على حساب الاتحادي لكن مسألة خطاب الوسط هذه ليست واضحة أو مقنعة ونحن أصلا لا نتحدث عن خطاب يميني أو يساري أو وسط بل خطاب قديم وواحد عند كل القوى السياسية منذ 56 وخطاب جديد نطرحه نحن وهو أكثر شمولا”.
مقارنة بسيطة يسوقها مستور لتمييز حزبه عن بقية كل الأحزاب بما فيها الأحزاب التي توصف بأنها حديثة: “الخطاب الماركسي مثلا يركز على الجانب الاقتصادي ولا يستوعب كل الجوانب أمما خطابنا من المنطلق الثقافي فيغطي كل هذه الجوانب بشكل أكثر وضوحا ويملأ فراغات اليسار واليمين نفسيهما دع عنك ما بينهما”.
( 4 )
والمنطلق الثقافي الذي يعرضه مستور هو المحدد الأول للتحدي الآخر الذي يواجه الحزب الصاعد وهو مغبة التحول إلى حزب جهوي من خلال مناصرة خطابه للمجموعات السكانية في الأطراف واستعداء أو على الأقل تنفير مجموعات الشريط النيلي بينما يمثل المحدد الثاني نفوذ رئيس الحزب الثري إبراهيم الشيخ في نواح مقدرة من كردفان مسقط رأسه التي يبذل لها خدمات كبيرة تعجز الحكومة عن توفير بعضها.
يقول سليمان عن المحدد الأول: “خطاب المؤتمر السوداني خطاب ناقد وواصف للمشكلة ولا يحمل حلا للهامش الذي لم يستطع الحزب أن يكون ممثلا له رغم طرح خطابه قبل الحركة الشعبية في الجنوب وهو الآن لا يمكن أن يكون ممثلا لدارفور مثل عبد الواحد محمد نور مثلا”.
ويحذر سليمان: “هذا الطرح خلاف كونه يستعدي أطرافا أخرى يعجز حزب المؤتمر السوداني عن تنفيذه كليا لأنه لا يمتلك وجودا في كل المناطق المهمشة مثل شرق السودان وهي أكثر المناطق تهميشا بمعنى أنه ينتقي المناطق المهمشة والحزب نفسه ينظر إليه كحزب مركز وحتى أبناء الهامش الذين التحقوا به تحولوا لأبناء مركز لا هامش”..
بالمقابل لا يرى مستور أن خطاب حزبه يستعدي أي أطراف أو غير قادر على التغلغل في كل مناطق الهامش بالقول: “لا يوجد خلل في طرحنا، نحن نتحدث عن تهميش ثقافي وهو تهميش موجود في كل المناطق لكن هناك مناطق أكثر تهميشا.. نحن ذهبنا إلى حلفا في شمال السودان وشرقه وغربه ووجدنا تفاعلا من الجمهور وتغلغلنا وسطهم “.
المحدد الثاني الخاص بوضع رئيس الحزب يشرحه سليمان: “شخصية إبراهيم منحت الحزب قوة دفع كبيرة لأن الخطاب السياسي والفكري لا يكفي لتمدد أي حزب في السودان فحركة حق مثلا لديها برنامج جميل جدا لكنها فشلت في التمدد في الشارع لأنها تفتقر للمقومات الأخرى خصوصا المالية التي وفرها الشيخ للمؤتمر السوداني”.
ويتفق مستور مع سليمان حول القيمة التي أكسبها الشيخ لحزبه لكنه ينفي بشكل مطلق أن تكون لها أي تأثير نحو نزعة جهوية مؤكدا على قومية طرحهم ويشدد على أن: “التهميش موجود في كل المناطق بنسب متفاوتة ما يعني مقبولية طرحنا وكلنا ثقة في تمددنا أكثر وأكثر لأننا نعي مطلوبات هذا التمدد”.
( 5 )
بهذه المحاذير التي وضعها سليمان والدفوعات التي ساقها مستور سيظل طلاب المؤتمر يتغنون بنشيدهم المحبب لديهم “كل الوطن للناس لا خاصة لا عامة.. كل القبيلة غياب.. كل الملائكة سمر” وستظل مقبلات السنين وربما الشهور الفيصل في تأكيد قدرتهم على جعل نشيدهم ممكنا أم مجرد أهزوجة انفض سامرها لأنه لم يع كلماتها ولم يع أن الشوارع تخون الصفوة وتخذلها الأيدلوجيا.

صحيفة اليوم التالي[/JUSTIFY]

‫2 تعليقات

  1. لا أحد ينكر أن ما يميز هذا الحزب اعتدال الطرح والشفافية والديمقراطية في الممارسة ولكنه واجه تحديات كبيرة كادت تعصف به,

    إلا أن تبني الحزب للخط المعارض بقوة للنظام ومحاولته اسقاط النظام في 1990 م عبر الاضرابات وتحمل على اثرها الاعتقال والتعذيب والتشريد لعدد كبير من قياداته وعضويته خاصة القيادات النقابية مما دفع بعدد كبيرة للهجرة ودفع مجموعات كبيرة من شبابه في التسعينات للخيار العسكري فانتظمت في معسكرات تحت راية التحالف الوطني بقيادة عبد العزيز خالد وبعد عودته عادت مجموعة كبيرة لحضن المؤتمر بينما انضمت أخرى للحركات المسلحة الأخرى.

    الشاهد الآن وجود كوادر بأعداد كبيرة في دول المهجر استطاع المؤتمر ربطها عبر شبكات التواصل الاجتماعي وهي حتما ستكون جاهزة بما حصلت عليه من تدريب ومؤهلات في شتى ضروب المعرفة ولها علاقات راسخة بمنظمات وهيئات دولية تستطيع من خلالها التأثير سلبا أو ايجابا.

    هذا الحزب يشبه الجبهة الاسلامية من حيث الكوادر والتخطيط والطموح مع اختلاف الفكر والوسائل فرئيس الحزب / إبراهيم الشيخ – واضح أن الحزب يعده لينافس الرئيس البشير في الانتخابات القادمة فهو شخص صلب وذو حنكة وذو خلق ودين إلا أن التجربة السياسية ومالاتها لا أحد يتكهن بنتائجها.

    فهل فعلا المؤتمر السوداني هو الخيار المعافى حسب شعاره في فترة السبعينات

  2. لا أحد ينكر أن ما يميز هذا الحزب اعتدال الطرح والشفافية والديمقراطية في الممارسة ولكنه واجه تحديات كبيرة كادت تعصف به,

    إلا أن تبني الحزب للخط المعارض بقوة للنظام ومحاولته اسقاط النظام في 1990 م عبر الاضرابات وتحمل على اثرها الاعتقال والتعذيب والتشريد لعدد كبير من قياداته وعضويته خاصة القيادات النقابية مما دفع بعدد كبيرة للهجرة ودفع مجموعات كبيرة من شبابه في التسعينات للخيار العسكري فانتظمت في معسكرات تحت راية التحالف الوطني بقيادة عبد العزيز خالد وبعد عودته عادت مجموعة كبيرة لحضن المؤتمر بينما انضمت أخرى للحركات المسلحة الأخرى.

    الشاهد الآن وجود كوادر بأعداد كبيرة في دول المهجر استطاع المؤتمر ربطها عبر شبكات التواصل الاجتماعي وهي حتما ستكون جاهزة بما حصلت عليه من تدريب ومؤهلات في شتى ضروب المعرفة ولها علاقات راسخة بمنظمات وهيئات دولية تستطيع من خلالها التأثير سلبا أو ايجابا.

    هذا الحزب يشبه الجبهة الاسلامية من حيث الكوادر والتخطيط والطموح مع اختلاف الفكر والوسائل فرئيس الحزب / إبراهيم الشيخ – واضح أن الحزب يعده لينافس الرئيس البشير في الانتخابات القادمة فهو شخص صلب وذو حنكة وذو خلق ودين إلا أن التجربة السياسية ومالاتها لا أحد يتكهن بنتائجها.

    فهل فعلا المؤتمر السوداني هو الخيار المعافى حسب شعاره في فترة السبعينات