حوارات ولقاءات

في دردشة بين العام والخاص.. الفاتح عروة يفتح خزائن الأسرار

[JUSTIFY] الظفر بمقابلة صحفية مع الفريق الفاتح عروة تعتبر مهمة صعبة ومرهقة فهو قليل الإطلالة على وسائل الإعلام، وعازف عن الحديث والكلام في ما يخص سيرته الذاتية ودوره في فضاء العمل العام، رغم دوره المشهود في ملفات ساخنة محليا وإقليميا ودوليا اكتنفت ساحة السياسة والعمل الاستخباري في السودان أثناء فترتي الرئيس نميري وحكم الإنقاذ الراهن. رسخت في ذهن المتابعين حينها والإنقاذ تواجه المد العسكري للحركة الشعبية في أول أيامها صورته التي وثقتها كاميرا التلفزيون وهو يقود طائرة الرئيس البشير إلى مدينة فشلا وهو يلبس بدلة رياضية، مما يعكس دوره الفاعل حينها.

ينحدر الفريق الفاتح عروة من أسرة عرفت بالعمل الوطني والعسكري إذ عمل والده في الجيش وأصبح عضوا في مجلس قيادة ثورة 17 نوفمبر برئاسة الفريق عبود وتقلد مناصب وزارية حينها. قرر الفاتح عروة في وقت مبكر من حياته أن يغادر مقاعد الدراسة في كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم ويلتحق بالجيش ومنه منتدبا ليعمل في جهاز الأمن في فترة الرئيس نميري. وعمل في سفارتي أثيوبيا وموسكو قنصلا ومندوبا لجهاز الأمن الخارجي. اشتهر بورود اسمه ضمن قضية ترحيل الفلاشا المشهورة وغادر إلى أمريكا قبل الانتفاضة متنبئا بسقوط النظام. وبعد الانتفاضة عاد من أمريكا ليواجه المحاكمة والسجن وتحول إلى شاهد ملك حتى استطاع أن يبرئ ساحته. ومن ثم عمل فترة في السعودية خبيرا في منطقة القرن الأفريقي قبل أن يعود مرة أخري بطلب من الرئيس البشير ليعمل في أجهزة الدولة المختلفة مستشارا أمنيا لرئيس الجمهورية ووزير دولة في وزارة الدفاع ومندوبا للسودان في الأمم المتحدة.

شهد وشارك وعاصر كثيرا من التحولات التاريخية في فترة الإنقاذ خاصة الحرب في الجنوب والترتيبات الإقليمية التي قادت إلى انهيار نظام مانقستو واستقلال أريتريا وتسنم مليس زيناوي نظام الحكم في أثيوبيا. عرف عنه دور قيادي في ترتيبات منطقة القرن الأفريقي في تلك الفترة، إذ قاد الطائرة التي حملت مليس زيناوي إلى أثيوبيا ليتقلد الحكم. وربطته صداقة عميقة مع الراحل زيناوي وذرف دمعة في مهرجان تأبينه بالساحة الخضراء، وأشرف على ترحيل الطائرة التي أقلت زيناوي لتعرض في متحف دائم في إقليم التقراي بأثيوبيا. كما عمل مندوبا للسودان في الأمم المتحدة في فترة مليئة بالتحديات منها قرارات الحصار والمقاطعة والمحكمة الجنائية. كما عرف عنه صلته القريبة بالرئيس عمر البشير ومن ثم ترك العمل العام ليتقلد منصب المدير التنفيذي والعضو المنتدب لشركة زين للهاتف السيار في السودان كما يتقلد أيضا منصب رئيس مجلس إدارة الطيران المدني.

في دردشة مطولة بين العام والخاص بدا الفريق الفاتح عروة حريصا على ألا نفتح أي موضوعات سياسية ساخنة تسعي للكشف عن دوره في قضايا الأمن القومي أو مهامه الخاصة التي قال إنه سيكشف عنها في مذكراته التي ستحمل عنوان (الساموراي) ، كما قال إنه سيتحدث في برامج موثقة عن قضايا شغلت السودان والمنطقة كان طرفا فيها. تحدث ضيفنا الكبير في هذه الدردشة عن خياراته الشخصية في المهنة والزواج وعلاقته بالرئيس الراحل زيناوي وفترة الأمم المتحدة وكشف عن دور بعض المجموعات داخل الحكومة التي لم تكن ترغب في ترشيحه سفيرا للسودان بواشنطون. وقال إن الشعور بالواجب والمهنية وتحري الصدق وروح العدل هي سر نجاحه المهني في كل المواقع التي تقلدها. وللفاتح عروة قصة طريفة مع الممثل الكبير روبرت دي نيرو يرويها في هذه الدردشة. كما تحدث عن اقتصاديات صناعة الاتصالات ، وسبب فشل الناقل الوطني سودانير. وقال إنه قاد الطائرة بنفسه إلى جوبا لإجلاء موظفي زين تثبيتا لشهامة أهل السودان. كنا نريد أن تستمر الدردشة لكشف الكثير من محتويات خزانة الأسرار لكنه فضل الاكتفاء بهذا القدر من الونسة.
* أنت جنرال بن جنرال حيث تقلد والدك منصب وزير داخلية الفريق عبود وله إسهام في القوات المسلحة والحياة العامة هل تاريخ والدك كان إضافة لعملك أم خصما عليك وماذا استفدت منه؟

– الإضافة في الحقيقة هي ما تعلمته من والدي كإنسان من تربية وأخلاق وترك الحديث عنه لمن عرفوه فهو والدي وشهادتي فيه مجروحة. أما كسبي الشخصي العملي فهو توفيق الله سبحانه وتعالى في أن أؤدي ما كتب علي أن أؤديه والتحدي الوحيد تجاه والدي هو أن أحافظ على اسمه نظيفا كما حافظ هو عليه.
* لماذا تركت كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم والتحقت بالجيش؟ هل أدركت حكمة أبي تمام “السيف أصدق أنباء من الكتب”؟

– لو استمررت في كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم لكان المطاف قد انتهى بي في اعتقادي أستاذا فيها ولدي عدد مقدر من زملائي وأبناء دفعتي فعلوا ذلك.. فالتعليم أو التدريس هو أمر أستمتع به والمعلم له في نفسي قيمة كبيرة… ولكن غالبتني نفسي واستمر ذلك في بقية مراحل حياتي في التمثل بقول الشاعر:

يفوز بالذات كل مجازف

ويموت بالحسرات كل جبان

* أنت تنقلت في العديد من المناصب حتى يضيق عليك الوصف، أيهما أقرب وصفا إليك: ضابط القوات المسلحة أم رجل الأمن والمخابرات أم السفير أم رجل الأعمال؟

– كل محبب إلى في زمانه ومكانه وما هو مرجو مني ومنه وقتها.

* كيف تنبأت بانهيار نظام نميري وأنت تغادر إلى أمريكا عام 1985 وقلت لمن حولك عندما أعود لن أجد النظام موجودا؟

– نظرة موضوعية وحسابات حقيقية ليست خاضعة للتنجيم أو خبط عشواء.
* لماذا لم تستجب لدعوات القذافي لزيارة طرابلس هل كنت تخشى مصير مهدي الحكيم؟

– المسألة ليست خشية أو خوفا بالذات من المصير فالمصير يأتي اليك دون أن تذهب له… ولكن الأمر أن أخلاقياتي لا تسمح لي بمثل هذا التعامل خاصة وأن المطلوب مني وقتها كان معروفا ويتعلق بخيانة من وضعوا ثقتهم في من الثوار الليبيين الذين كنت مسؤولا عنهم، وبالطبع هذا الأمر أثار حفيظة القذافي ومعاونيه وهم الذين يشترون الناس بأموالهم ولم يستطيعوا ابتلاعها أبدا وقد يكونا اعتبروها إهانة وهي بالنسبة لي قلادة على صدري.

* رأيك في الرئيس نميري، وهل تقارنه بالفريق عبود؟

– كلاهما من المؤسسة العسكريه بما تزرعه من وطنية وإخلاص في نفوس أبنائها.. الرئيس عبود من الرعيل الأول الهادئ المتزن المتواضع والرئيس نميري من الأجيال اللاحقة بعنفوانها وشجاعتها ومهما اختلفت الآراء إلا أن الحقيقة تبقي أن كليهما توفي في منزله الوحيد المتواضع ولم يكن في حسابه بالبنك سوى معاشه التقاعدي الشهري.
* لماذا تحفظت أمريكا على ترشيحك سفيرا بواشنطن؟

– كانت هناك ضغوط من بعض النشطاء في مجموعات الضغط الناشطة وقتها مع حركة التمرد بجنوب السودان.. أما الإدارة الأمريكية نفسها فلم يكن لديها تحفظ ولكن هنالك أيضا عوامل داخلية أخرى من لحم ودم الحكومة السودانية ساعدت على تشجيع الحكومة الأمريكية لاتخاذ هذا القرار وكان كله في النهاية خيرا اختاره الله.
* هل تصف لنا لحظة تعطل إحدى ماكينات الطائرة الصغيرة وأنت تقل بها ملس زناوي لأول مرة إلى أديس أبابا بعد تحريرها وهروب منقستو؟ وكيف نجحت في الهبوط بسلام؟

– كان العطل مؤقتا فقد توقف أحد محركي الطائرة الصغيرة وكان هم زيناوي بعد أن أخبرته بأننا ربما نهبط في الدمازين حيث أن ذهابه إلى أديس أبابا كان مصيريا، لذا حينما تم تشغيل المحرك مرة أخرى وافق على أن نواصل الرحلة إلى أديس أبابا رغم مخاطر حدوث العطل مجددا وسط جبال أثيوبيا. وقد واصلنا الرحلة وأذكر أننا جئنا محلقين على ارتفاع عال للغاية وكان لابد من أنزل بزاوية حادة (دايف) حتى نكون بعيدين عن مرمى أي نيران مجاورة للمطار نتيجة الاشتباكات الدائرة مع بقايا جيش منقستو.. وبهذه المناسبة لقد حدث لي نفس الشيء مع الرئيس البشير في رحلة من أبو حمد إلى عطبرة والتي هبطنا فيها بمحرك واحد فقط.
* ماذا تبقى في ذاكرتك من ملس زناوي كصديق ورئيس؟

– ما ضاع مني شيء ليتبقي شيء… هو من بين أفضل الناس الذين عرفتهم وعاشرتهم في حياتى، ذكاء وهمة وخلقا وأمانة ونظافة واخلاصا وتجردا وعزة نفس.

* سبق وأن قلت لمس زناوي إنه لا يستمتع بعلاقاته الاجتماعية هل تؤمن بنهج تفرغ القائد للعمل وعدم الاهتمام بحياته الاجتماعية؟

– نعم أومن بذلك وهو أمر لا يعلي عليه.. ولا بأس إن وجد بعض الوقت للحياة الاجتماعية.. فالقائد يبيع نفسه تماما لمهمته وعظم مسؤولياتها… وهو في النهاية بيع لله سبحانه وتعالى.
* لماذا اتخذت قرار العودة إلى السودان من أمريكا بعد الانتفاضة وانت تعلم أن مصيرك المحاكمة والسجن؟

– أولا قناعتي بأنني لم اكن على باطل وثانيا لأنني أنا في المقام الاول ثم أبنائي حينما يكبرون وأسرتي العريضه بل وكل الشعب السوداني لا يحترمون الخوارين والجبناء.

* هل ستكتب مذكراتك بعنوان الساموراي بشفافية وتذكر الأحداث والأشخاص دون حرج على نهج بابكر بدري أم ستخفي بعض الأسرار؟

– يعتمد ذلك على الموضوع والتفاصيل، ولكن سيظل المبدأ العام عندي هو الشفافية إلا ما يمس الأمن القومي للبلاد وما يمس كرامة الناس وخصوصياتهم دون سبب مقبول.
* معروف أنك رجل محب للسينما وتربطك صداقه مع الممثل العالمي روبرت دي نيرو كيف نشأت ما هي قصتها؟
– تعرفت به عن طريق صديق للطرفين وقد حضر المرة الأولى إلى منزلي في نيويورك للعشاء ومعه أحد كتاب السيناريو لمناقشة فيلم كان ينوي القيام به يتعلق بعمل استخباراتي ضد الإرهاب وكان يسأل عن الأمور المتعلقة بالثقافة العربية والاسلامية المرتبطة بالعمل الاحترافي والمهني في هذا المجال، وقد توصل بعد الاستماع لآرائي إلى عدم اقتناعه بانتاج هذا الفليم لأنه سيدخله في أكاذيب واستخفاف بعقول الناس وهو لم يشأ أن يفعل ذلك. بعدها استمرت العلاقه واجتمعنا للعشاء مرة أخرى في منزلي بنيويورك وكان معنا الأخ السفير خضر هارون القائم بالأعمال وقتها في واشنطن كما كان معنا عدد من أهل السينما فيهم المخرج مارتن سكورسيزي. والتقينا مرات أخرى بالمطعم الذي يمتلكه في مانهاتن في نيويورك.
* قرار لو عاد بك الزمن للوراء لما اتخذته؟

– عندما تقدمت باستقالتي وكنت وقتها قنصلا بأثيوبيا بداية عام 84 وقبلت بواسطة اللواء عمر الطيب ثم تم العدول عن قبولها لاحقا مما أدى إلى إنهاء خدمتي في أثيوبيا واستمراري في الخدمة بالرئاسة، وقد أثر ذلك في لاحقا. مساري الحياتي والمهني في الجهاز وهي قصة لها وقتها في مذكراتي.
* أنت نجحت في كل المناصب التي تقلدتها.. ما هي وصفة وسر النجاح الذي لازم مسيرتك العملية؟

– إن كان هذا الوصف صحيحا فإنه ناتج من الاصرار على التعلم المستمر من الرؤساء والمرؤسين على حد سواء والإيمان الكامل بأن الأصول والموارد الحقيقية التي يجب تنميتها ورعايتها هي العناصر البشرية.. وأن يكون الصدق هو العامل الأساسي الذي تبنى عليه كل المواقف، وعدم المساومة في مبادئي العدالة والانصاف.. والابتعاد عن الفساد والمحسوبية وأسال الله مخلصا أن أكون قد التزمت بكل ذلك .

صحيفة اليوم التالي
أميرة الجعلي
ت.إ[/JUSTIFY]

‫4 تعليقات

  1. السفير الفاتح عروة من السودانيين القلائل الذين لم تبهرهم المناصب السياسية ولا الزخارف العلمية ومن الغرائب أن حكومة الإنقاذ لم تضعه في منصب وزير الطيران ولا الدفاع ولا الأمن وهي الأشياء التي برع فيها وبزّ فيها كل الأقران على مستوى العالم..عجيبة

  2. ده شوية تلميع بالباطن بعد الهجوم العنيف على شركة زين هذه الايام , من ناحية اخرى واكمالا لكلام الفاتح عروة عن مليس زيناوى , موظف رسمى ل CIA , علاقة وثيقة جدا بالموساد , دعم كبير جدا لقرنق , احتلاله للكرمك وقيسان والفشقة

  3. بعد السيره الضخمه دي
    الراجل ده وطني مقاتل نزيه
    لماذا لا يترشح ؟