البيقاوي : حكاية المرحوم أدهم الذي ربط أبوه بين البني عامر في الشَّرِق والزغاوة في الغَرِب

الإبن المرحوم – أدهم هو إبن خالة أبنائي من زوجتي “دار السلام محمد أحمد تبن” (الزغاوية) وهي شقيقة والدته “سامية” من الأم ووطنها الأصلي الفاشر بشمال دارفور. بعد أن لزم سرير مستشفي إبن سينا قبل شهر تقريبا تحسنت حالته من الغيبوبة التامة إلي الصحوة والحركة بين عنبر “أمراض الجهاز الهضمي” والحمّامات. ذهبتُ إلي مستشفي إبن سينا في آخر مرة لزيارته ولم أكن أعلم أنّه قد طلب رؤيتي وزيارتي له وقد روت لي زوجتي ذلك فقد استقبلني ببشر عجيب وأصر أن يجلس رغم ضعف بنيته بسبب المرض – بعد أن كان مستلقياً علي السرير. تبادلت معه عبارات السلام ودعاء السنة بالشفاء التام بحول الله وسألته عن حالته الصحية فحمد الله وشكره وأثني عليه وأفادني بأن عيونه قد انجلي عنها (الصفار الفاقع) الذي كان يغطيها وأنه يمضي في تحسّن مستمر وأن الفحوصات جارية وربما تجري له عملية جراحية في الجهاز الهضمي. كانت هذه الزّيارة الاخيرة برفقة شقيقتة المتزوجة (أميرة) من جندي بالقوات المسلّحة والتي جاءت من مدينة “خشم القربة” لتتفقد أحوال شقيقها وقد حلّت مع أبنائها ضيفة علينا. وقد تحدثت مع نسيب المرحوم أدهم عندما عرفتني به زوجته عبر الهاتفف وعلمت منه أنه ابن خالة الأديب الروائي عبدالعزيز بركة ساكن (من المساليت حسب ترجمته).
المرافق الثاني والأخير للمرحوم أدهم بالمستشفي هو الإبن رمّاح أحمد عبدالله إبن خالة المرحوم أدهم والأخ الأخبر لأبنائي من زوجتي دارالسلام. رمّاح هو الذي رافق المرحوم في أيّامه الأخير ورتّب كافة الإجراءات المتعلقة به حتي لحظة خروج جثمانه من مستشفي ابن سينا. وكان المرافق الأول هو الإبن محمد الذي رافق المرحوم في آخر رحلة له بالجو من الفاشر لتلقي العلاج بالخرطوم وقد أبلي بلاء حسنا جزاه الله خيراً كثيراً. وقد رجع الإبن محمد لمواصلة دراسته الجامعية بالفاشر – بعد أن حلّ محله الإبن رمّاح بعد أن أكمل جلوسه امتحان الشهادة السودانية لهذا العام 2014م نسأل الله له التوفيق والسداد. وكان من المفترض أن يرافق المرحوم شقيقه الأكبر فائز ولكن ظروفه المرضية شبه المزمنة هي التي منعته وتمنعه من ممارسة حياته العادية بكامل متطلباتها. وكان من المخطط له أن تحضر والدة المرحوم (سامية) إلي الخرطوم ومعها شقيقها من الأم (دِقيل) ولكن شاءت قدرة الله أن لا يحضران.
طالب وطلب المرحوم أدهم في الأيام الأخيرة من حياته بمستشفي ابن سينا بالخرطوم – طلب من والدته (الزغاوية) إرسال جنسية والده (من البني عامر) ليتمكن من البحث والإستفسار عن أهل أبيه علّه يجد أحداً منهم وقد وعدتُ بمساعدته للعثور علي أهله سواء كانوا في الخرطوم أو موطنهم الأصلي بشرق السودان. ثم تحدثتُ إلي شقيقته (أميرة) لتعطيني بعض المعلومات ولكن للأسف المعلومات المتوفرة ضعيفة وشحيحة ولا تفيد بشيء غير اسم القبيلة (البني عامر) ولا تشير إلي الفروع الصغري (خشم البيت) أو المناطق الجغراففية التي تسكن بها عائلتهم سواء في الخرطوم أو ولاية البحر الأحمر. وأشعر أنا بكثير من الألم بسبب عدم تحقيق أمنية الإبن أدهم رحمة الله عليه ولكنّي بقضاء الله راضي وأرجو أن تكون هذه المساهمة وفاءً لروحه الطاهرة واستجابة لأمنيته المشروعة.
تشير المعلومات البسيطة المتاحة إلي أن والد المرحوم أدهم قد جاء من الخرطوم إلي الفاشر علي أيّام حكومة الرئيس المرحوم جعفر النميري موظفاً منقولاً ليعمل بمحلية الفاشر وأنه قد سبق أن تزوج بإمرأة ربما توفيت أو فارقها قبل زواجه من أم المرحوم. وكان والد المرحوم يسافر من الفاشر إلي الخرطوم ليزور علي أهله ولكن للأسف الشديد لم يأخذ معه أيّا من أبنائه أو زوجته ليعرّفهم بأهله في الخرطوم إلي أن توفّاه الله قبل سنوات قليلة بالفاشر. وإذا كان هناك بصيص أمل فسيكون في أصدقائه ومعارفه المقرّبين منه بالفاشر فربما يكون قد أفضي إليهم بتفاصيل أكثر عمقاً ووضوحاً عن نسبه وموطنه الأصلي. ولقد ذكرت لإبني المرحوم أدهم وشقيقته أميرة الذين تبدو عليهما ملامح البني عامر وأهل الشرق أكثر بكثير من أي ملامح أخري بأهل امّهم أو اهل الغرب ذكرت لهم أن قبيلة البني عامر قبيلة كبيرة وعظيمة ولهم أن يطمئنوا تماماً وبإذن الله سيعثروا علي ذويهم مهما طال الزمن أو قصر.
لقد جاءت هذه الحكاية في حق إبني (إبن خالة أبنائي) المرحوم أدهم (البني عامراوي) لتخدم عدة أهداف. أولها نعيه والترحّم عليه وثانيها طلب المساعدة من الجميع في مجهود البحث عن ذويه الأقربين من جهة الأب تحقيقاً لوصيته وأمنيته وثالثها التاكيد علي التصاهر والترابط الأسري القوي بين الأسر السودانية فهذا رجل من الشرق تزوج بإمرأة من الغرب ففضمته أسرتها وقامت معه في حياته بتربية أبنائة وبعد مماته بحفظ أسرته وتزويج بناته فما أعظم وأنبل هذه الأسرة الزغاوية – أسرة الجد أحمد تبن سليمان بالفاشر. والدليل الآخر علي انفتاح أسرة الجد أحمد تبن علي الآخرين بالخير هو زواجي أنا (من قبيلة البيقو بشرق وجنوب دارفور) من حفيدته دار السلام محمد أحمد تبن وهو قد كانت متزوجة قبل زواجي منها وأمّا للإبن رمّاح أحمد عبدالله وهو (من قبيلة التنجور). وقد تصاهر مع أسرة الجد أحمد تبن عدد غير قليل من القبائل مثل الواحية والجلّابا الهواري والبرقو الصليحاب والفور وغيرهم. وبالفاشر هذه العاصمة التأريخية العظيمة أسر كريمة كثيرة من أهل الشمال مثل الجعليين والدناقلة والمحس وحتّي المصريين أولاد الريف وغيرهم. بالفاشر لوحة رائعة من النسيج الإجتماعي الراقي وتصلح هذه المدينة ان تكون أنموذجاً لإدارة التنوّع الثقافي والإجتماعي ومهداً لمشروع التصالحات القبلية واستدامة السلام بدارفور. الهدف الأخير من حكاية المرحوم أدهم “البني عامراوي” هو ضرورة تمليك الأبناء معلومات وافية عن أصولهم من طرف آبائهم وأمّهاتهم ليس للتفاخر أو التفاضل فيما بينهم وبين الناس ولكن من أجل التعارف وفق ما جاء في قول الخالق سبحانه وتعالي: “يا أيُّها الناس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” صدق الله العظيم وبلّغ رسوله الكريم ونحن علي ذلك من الشاهدين.
ألا رحم الله إبني أدهم وأسكنه فسيح الجنّات ووسع مرقده وألهم آله وذويه الصبر وحسن العزاء. الشكر لكل من شارك في تشييع جثمانه لمثواه الأخير بمقابر حمدالنيل بأم درمان أو حضر لمنزل العزاء بالفتيحاب, ونسأل الله أن يشكر سعيهم ويضعه في ميزان حسناتهم.
أعدّه المهندس/ إبراهيم عيسي البيقاوي
ع.ش
والله ما عندك موضوع
[B]قرائي الكرام – لقد عجبت من أمر أخي (توتال) بسبب تعليقه علي هذه الحكايةالتي تتحدث عن شخص مسلم سوداني صعدت روحه للرفيق الاعلي وأصبح في ذمة الله.
ونحن في شهر رجب وامامنا شهر رمضان المبارك – كيف يتاتي لشخص مسلم – أن يقرأ مثل هذه الحكاية ولم يمض علي المتوفي أكثر من 48 ساعة ولا يترحم عليه او يذكر قول الله تعالي (كل نفس ذائقة الموت) أو حتي قول الله تعالي (إنا لله وإنا إليه راجعون).
هل هذا التصرف من قسوة القلب أم هو من ضمان عدم الموت لنفسه او أحد أقربائه واحبائه؟ كيف بهذا الإنسان إذا احتضر يوما وتذكر عبارة (والله ما عندك موضوع) هذه – وتذكر سورة الزلزلة (يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم – فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره – ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).
لقد قبلت من الحبيب “توتال” تعليقه هذا فيما يتعلق بي شخصيا خصوصا إذا كان يعني أنني اتمتع بفراغ عريض – فالفراغ والصحة من النعم التي يحسد عليها الناس – ولا باس إن كان أخي هذا من الحاسدين لي علي هذه النعمة وأنا مكلوم لفراق إبني المرحوم أدهم (البقولو ليهو سمين – يقول آمين). ولكن الموت شيء آخر تماما – لا ينبغي لعاقل أن يتغافل عنه أو يقلل من شأنه أو يهون منه – إنه امر جد خطير.
من حق المسلم علي المسلم – وإن لم يكن يعرفه بإسمه – ستة أشياء – حسبما أوصي به سيدنا النبي محمد صلي الله عليه وسلم – ومن هذه الاشياء: إذا مات فاتبعه – وإذا مرض فعده – وإذا عطس فحمد الله فشمته – وهكذا. فإذا لم تتمكن من أن تتبع الميت إلي المقابر وتشارك في الدافنة (فرض كفاية) فعلي الاقل ترحم عليه – عسي أن يرحمك الله تعالي يوم ان تحتضر أنت (وهو يوم لامحالة قادم) – قال الشاعر العربي (كل ابن أنثي وإن طالت سلامته *** يوما علي آلة حدباء محمول) فأهنأ بطول سلامة يا الحبيب (توال)..ولكن يوما حتما…
وزي ما بقولو أهلنا (الاجر تلاقيط) فاجعلونا نلتقطه ولا ندعه يتساقط من بين أيدينا ونحن بين رجب ورمضان – بلغناالله إياه وجعلنا من الصائمين القائمين الركع السجود. اللهم آمين.[/B]