د. عبدالوهاب الأفندي : الصادق المهدي والبشير بين تهم الخيانة العظمى والعمالة
ولعل ما يثير الحيرة أكثر هو السبب المعلن للاعتقال. فقد قام جهاز الأمن والمخابرات السوداني قبل أسبوعين بفتح بلاغ جنائي في مواجهة المهدى بتهمة اشانة السمعة والاخلال بالسلامة العامة، وباﻹنتقاص من هيبة الدولة وتشويه سمعة القوات النظامية وتهديد السلام العام وتأليب المجتمع الدولي ضد البلاد. وجاءت هذه الاتهامات بعد انتقاد المهدي ما يسمى قوات «الدعم السريع» المحسوبة على جهاز الامن نهاية الاسبوع الماضى . وجاء في الشكوى أن المهدي أورد معلومات «كاذبة وظالمة ومسيئة عن قوات الدعم السريع» في المؤتمر الصحافي الذي عقده بمقر الحزب، متهماً إياها بالعمل خارج نطاق القوات النظامية، وبارتكاب جرائم حرق للقرى واغتصاب ونهب ممتلكات وتجنيد عناصر غير سودانية.
إلى هنا والأمر مفهوم، رغم غرابته. فمن حق من شاء أن يلجأ إلى القانون. ولكن ما حدث هو أن المهدي استدعي بعد أيام للنيابة وتم إيداعه السجن بدون ضمانة، وهو أمر غير مبرر، خاصة وأن الرجل لم تتم إدانته بعد. وكان من الممكن أن يتم التحقيق مع الرجل، وهو معروف الهوية ومكان الإقامة، دون اعتقاله. من هنا فإن من الواضح أن جهاز الأمن قرر معاقبة المهدي بالاعتقال التعسفي كما كان يفعل من قبل، فافتعل هذا الغشاء القانوني الرقيق لممارساته المعهودة.
لا يخفى أن هذه الممارسات هي تحديداً ما صعد المعارضة ضد النظام، ومما اضطره للدخول في حوار مع معارضيه سيفرض عليه التنازل عن قبضته على السلطة، وتحديداً مثل هذه الممارسات التعسفية. ومن نافلة القول أن زيادة التورط فيما يتفاوض النظام من أجل تركه من قبيل التداوي بالتي كانت هي الداء، فضلاً عن التشكيك في جدية النظام في الحوار. فقد كان المهدي حتى وقت قريب يكاد يكون الوحيد من بين كبار السياسيين المعارضين الذي يعبر عن ثقة في جدية النظام. وعليه يكون النظام بمثابة من يقطع أنفه حتى ينتقم من وجهه، كما يقول المثل الانكليزي.
الأهم من ذلك أن اعتقال المهدي وما يتبعه بالضرورة من تركيز إعلامي على التصريحات التي أدت إلى اعتقاله سيسلط الضوء أكثر على التصريحات التي ما كان الكثيرون ليسمعوا بها أو يولوها اهتماماً لولا ذلك. ومعروف أن المهدي لم يكن أول من انتقد أداء هذه القوات الغامضة الهوية. فقد سمع السودانيون عن هذه القوات أول ما سمعوا بها في مطلع شباط/فبراير الماضي عندما طالبها والي شمال كردفان أحمد هارون بمغادرة ولايته خلال 72 ساعة في أعقاب تجاوزات عديدة كان آخرها قيام منتسبين لهذه القوات بقتل تاجر في قلب عاصمة الولاية بعد أن رفض دفع أتاوات لهم.
والمعروف أن هارون ليس من كبار أنصار حقوق الإنسان، حيث هو متهم من قبل المحكمة الجنائية الدولة بأنه كان من أبرز من تولى كبر التجاوزات في ولايات دارفور أثناء الحرب هناك. فإذا كان هارون نفسه يرى أن هذه القوات تجاوزت كل الحدود، فمن يا ترى يستطيع الدفاع عنها؟
وعندما يتحدث المهدي عن تجاوزات، فإنه يتحدث عن علم ومعرفة، حيث لحزبه وحركة الأنصار جذور عميقة في دارفور، بل علاقات مباشرة (ومعترف بها من قبل بعض قياداته) بالقبائل العربية التي ما تزال تزود النظام بميليشيات الجنجويد ونظائرها. وعليه فهو حين يخرج إلى العلن باتهامات لا يكون ذلك رجماً بالغيب، وإنما بناءً على معلومات مباشرة وردته من الموقع. وكان ينبغي أن تتعامل الجهات الرسمية مع هذه التهم كما تعاملت مع تهم الوالي أحمد هارون (خاصة وأن المهدي مثله محسوب على النظام)، فتقوم بمعالجتها بدلاً من قتل ناقل الأخبار السيئة. فاتهامات المهدي لن تضر النظام شيئاً لو لم تكن حقيقية. بينما لو كانت حقيقية، كما كان الحال في دارفور من قبل، فإنها تجلب الوبال على النظام قبل غيره. وكان بإمكان جهاز الأمن والمخابرات أن ينظم مؤتمراً صحافياً آخر يفند فيه الاتهامات بالحجة والصوت والصورة، وما أيسر ذلك عليه!
يعيدنا هذا للنقطة الأهم: وهي لماذا يثور جهاز المخابرات كل هذه الثورة دفاعاً عن «قوات الدعم السريع»؟ وقبل ذلك، ما هي طبيعة هذه القوات، ومن أين جاءت؟ غني عن القول أن هذه قوات غير نظامية، وفوق ذلك، فهي تشكيلات ذات طابع قبلي، أي أنها ميليشيات قبلية. وهذا يذكرنا بقوات «الجنجويد» سيئة الذكر التي نسبت إليها معظم كبائر حرب دارفور، والتي بسببها وجهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات بجرائم الحرب والإبادة للرئيس السوداني عمر البشير. وقد صدرت قرارات من مجلس الأمن الدولي تطالب بحل هذه الميليشيات ونزع سلاحها. ولكن النظام قام بإعادة إنتاج تلك القوات تحت مسميات جديدة، من أبرزها ما يسمى بقوات حرس الحدود.
ما يسمى بقوات الدعم السريع هي مرحلة أخرى من إعادة إنتاج ميليشيات الجنجويد بثوب جديد. فمن يسمى بالقائد الميداني لهذه القوات كان أحد عتاة الجنجويد. وقد تأرجح كثيراً في مواقفه بسبب خلافات مالية مع النظام، حتى هدد مرة بالانقلاب عليه. وعليه فهو ليس من أهل الثقة، ويعمل لنفسه أولاً وأخيراً. وهذا يطرح عدة تساؤلات: لماذا طور وزاد النظام من اعتماده على ميليشيات الجنجويد، حتى أن جهاز المخابرات أعلن الأسبوع الماضي نشر ثلاثة «ألوية» من هذه القوات حول العاصمة الخرطوم لتأمينها؟ وهذا يطرح سؤالاً آخر: تأمينها ممن، والعاصمة السودانية تفيض بعشرات التشكيلات الرسمية المسلحة، من جيش وشرطة وأمن وشرطة خاصة؟ هل أصبح النظام يطلب حماية الجنجويد له من جيشه وقواته المسلحة التي لم يعد يأمن بأسها؟
إنها حقيقة أسئلة محيرة. ولو كان في البلد برلمان حقيقي وإعلام فاعل، لوجب استدعاء كبار المسؤولين ومساءلتهم عن السبب الذي أصبح الجيش فيه من العجز بحيث يضطر للاستعانة حتى في حماية العاصمة على ميليشيات مدانة دولياً بارتكاب أشنع جرائم الحرب (وذلك بالرغم من أن جل ميزانية البلاد تصرف على الأمن والدفاع). فهل تدهورت الأمور بحيث يصبح أمن العاصمة وأهلها في يد ميليشيات متهمة في دارفور باغتصاب الحرائر وقتل الأبرياء؟ أهي خفارة الذئب للشاة إذن؟
كنت قد انتقدت بشدة في «كتاب الثورة والإصلاح السياسي في السودان» تحول الحكومة السودانية بمجملها إلى جهاز علاقات عامة لجهاز الأمن يدافع عن تجاوزاته وجرائمه. بعد عقدين من الزمان، تحول جهاز الأمن بدوره إلى جهاز علاقات عامة لميليشيات الجنجويد. فمن يدري ماذا ستشهده الأيام القامة يا ترى؟
هناك بالقطع جهات يجب أن تمثل أمام القضاء بتهم الخيانة العظمى، والتفريط في أمن الوطن، وتسليم مقدراته لمن لا يستحق، والعمالة لجهات خارج الدولة. وليس من بين هذه بالقطع الإمام الصادق المهدي.
د. عبدالوهاب الأفندي
كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن
ع.ش
[SIZE=5][FONT=Arial]القوات النظامية خط احمر يجب احترامها من كل فرد وطني ويدعي مصلحة البلد نهيك عن معارضة النظام لو في وطنية كما يدعون[/FONT][/SIZE]
[SIZE=5]وقعت على خبر ولادة المرتدة في أحد المواقع[/SIZE]
الجرائم المتهم بها الصادق المهدي لا تقبل فيها الضمانة
مقال رائع .. اتحدی ان يجرؤ شخص واحد علی الرد علی مافيه من حقائق ..
الكل وسخ قال سودان قال يا السيسي لا تنسي مصر
السفلي
[FONT=Arial Narrow][FONT=Arial]الافندى لايرى فى الإنقاذ شيئا جميلا كم سنة و انت بعيد عن السودان تكتب عنه بالمراسلة و لا تدرى حقيقة مايدور و لاترى إلا عيوب الإنقاذ كأنها لم تقدم أى شىء للسودان و لكن إذا عدت سترى بأم عينك ماحدث من تطور نعم هناك أخطأ هذه طبيعة البشر و لايوجد فى الدنيا نظام خير كله و لانظام شر كله و من العدل و الإنصاف أن تذكر الأخطاء و كيفية معالجتها و الإنجازات و كيفية ودعمها و قوات الدعم السريع لانها مزقت الحركات المتمردة لذلك خاف المرجفون و انت منهم أن تقضى على احلامهم سيسألك الله عن كل ماتكبت خيرا كان او شر[/FONT][/FONT]
كيف تجرؤ وأنت طافش من البلد ولا تعرف عنه شيء إتهام البرلمان والإعلام يعني البلد ما فيها لا برلمان ولاإعلام هل هذا معقول ياأفندي؟ أحسن ليك خليك بعيد من البلد