تحقيقات وتقارير

هزمتهم الظروف بالضربة القاضية.. رجال في انتظار (عروس وارثة)!

عاوز عروس مغتربة.. عاوز عروس موظفة مرموقة، وإذا كانت وارثة عن أبيها القناطير المقنطرة من الذهب والفضة فخير وبركة، شباب غض مفتول العضلات قوي السواعد بات يطلق هذه المقولة ولا يبالي عواقبها، وإن كانت تنبئ عن روح انهزامية وتكشف الجانب السلبي في حياتهم، وفي الضفة الأخرى رجال متزوجون يشاركون الشباب نفس المطلب «والغرض طبعاً ليس الصرف عليهم فقط، إنما الصرف على أبنائه وزوجته أيضاً»، والغريب في الأمر أنهم يسوقون مبررات شتى على شاكلة منصرفات المدارس والجامعات.
هل الظروف الاقتصادية الضاغطة التي نمر بها أوصلتنا إلى هذه الدرجة من الانحطاط والأنانية، واستطاعت أن تهزم الشباب والرجال بالضربة القاضية؟ وهل باتت سبباً في هروب الكثيرين عن منزل الزوجية تاركين الجمل بما حمل للزوجة؟، كل هذه الأسئلة وضعتها (حكايات) على طاولة المختصين فماذا قالوا؟.

ما عندي مانع
أرجع عمر الشامي الكناني (معلم) الأسلوب الذي يفكر به الشباب هذه الأيام إلى الظروف المحيطة بهم وسيادة النمط الاستهلاكي التقليدي وسط أفراد المجتمع، وقال لـ»حكايات»: من الملاحظ أن الناس باتوا يتبارون في إبداء مظاهر الترف والتقليد الأعمى لبعضهم البعض فمثلاً إذا تزوج أحد الشباب في الحي وصرف بطريقة بذخية على مراسم زواجه فإن ذلك ينسحب على الباقين ويصبح من الضروري أن يتزوج البقية بكلفة أعلى منه، حتى إذا كانت الفتاة على قناعة بوضع خطيبها وراضية بالزواج البسيط والحياة اليسيرة، لم يسلما من الأسرتين وسيواجهان بسيل جارف من الانتقادات، وسيدور نقاش بين أهل العروس وبنتهم في أن (ود فلان تزوج وجاب الشي الما خمج كيف ترضى لي نفسك الهوان)، ليتحول النقاش بعد ذلك بين العريس والعروس وهكذا، بالإضافة إلى تفشي البطالة بين الشباب وعدم وجود فرص وظيفية متكافئة في القطاع الخاص جعل حلم كل شاب أن يتزوج من موظفة أو أي واحدة لديها مصدر دخل مغري حتى وإن خالف ذلك قناعاته الفكرية، وأشار الكناني إلى أن هذا الأمر قد يتسبب بصورة مباشرة في التفكك الأسري وغياب دور الزوج في القوامة على المنزل بالتالي تغيب شخصيته وكلمته.

تبصم بالعشرة
«والله يا ولدي لو لقيت لي بنية شغالة في وظيفة مرموقة ما عندي مانع اتزوجها، وزوجتي ستبصم على قراري ده بالعشرة» بهذه العبارات ابتدر محمد أحمد عمر حديثه لـ»حكايات» وأضاف: الظروف الاقتصادية الضاغطة ومصاريف المدارس والجامعات وضعف المرتبات هي التي قادتني إلى التفكير في الزواج بأخرى ثرية تشاركني العبء وسداد متطلبات الحياة التي باتت صعبة جدا على حد قوله.

تغيير إلى الأفضل
وترى د. سلمى حسن العطا بأن كثير من الشباب السوداني أصبح لا يعتمد على نفسه وهذا مرده إلى أن المجتمع لم ينتقل بعد من كونه تقليدياً إلى الحداثة في الجانب المدني، وقالت لـ»حكايات»: مازال الشاب إلى الآن يعتمد على أهله وبيت العائلة ولا يحاول أن يقحم نفسه في متاعب التحول إلى شاب منتج والزواج من وارثة أو ثرية أو فتاة ذات وظيفة مرموقة امتدادا للفشل في الاعتماد على الذات، وأشارت سلمى إلى أن ذلك لن يحل المشكلة، لذلك لا بد من أن يعرفوا أنهم وليس سواهم من يمكنهم تغيير واقعهم إلى الأفضل.

إدارة القرش
بينما قال هيثم أحمد الطيب لـ»حكايات»: «والله شوف لو المرأة قاعدة في البيت مصيبة كبيرة» وبرر ذلك لأنها لن تتفهم الظروف الاقتصادية وما يدور في البلد، وزاد: الشغل ينير بصيرة المرأة ويجعلها اكثر احتكاكاً بالواقع وما يدور حولنا والبلد ماشة كيف ولي وين، شوف عين ما سمع وكلام في قعدات الجبنة»، واكد أن «المرأة لازم تشتغل عشان تعرف الحاصل شنو» واقر بصعوبة إدارة المنزل اقتصادياً بمجداف واحد معددا فوائد العمل غير المادية والتي أجملها في أنه يبصر المرأة بنظريات إدارة القرش.

تقنين وتأصيل
أكد المحامي خلف الله ابو كدوك أن هروب الزوج من بيت الزوجية أو من البنين لا يعفيه من واجب الإنفاق على أبنائه وبيته، وقال لـ»حكايات»: القانون لم يسقط حق الانفاق عن الزوجة والأبناء الذين تركهم وليهم وذهب إلى اي مكان كان ولأي سبب، تظل النفقات ثابتة عليه ويظل يصرف على البيت بنفس الطريقة التي كان يتبعها متحملاً الالتزامات كاملة، أما إذا خرجت الزوجة من بيت الزوجية فالقانون يطلق عليها «ناشز» لأن خروج المرأة بدون اذن زوجها حرام شرعاً، ويسقط عن الزوج كل الحقوق الشرعية تجاهها.
وأوضح القانوني أبو كدوك أن الخروج نفسه يرتبط بصورة مباشرة بالوضع الاقتصادي للأسرة، لأن الشخص غالباً ما يكون مهزوز مالياً أو ملاحق من آخرين نتيجة لدخوله في مضاربات مالية وديون لم يستطع تسديدها، أو قد تكون الالتزامات والصرف على أبنائه ومنزله أثقل كاهله وأصبح ليس بمقدوره تحمل المزيد، كل هذه المسوغات بحسب ابو كدوك واهية وتتنافى مع الدين والأخلاق، غير أنها تفقده احترام زوجته وأطفاله، ولفت إلى أن القانون لم يضع موادا تردع الزوج الهارب من منزل الزوجية كالتي وضعت في حق خروج الزوجة، فقط اكتفى باستمرار النفقة الشهرية، وقال إن مطالبة الزوج بالنفقة حق كفله الشرع للزوجة، لكننا نجد أن هناك سيدات يتعففن من المطالبة به، ويرى أبو كدوك أن قانون الاحوال الشخصية يحتاج إلى تقنين وتأصيل لأن التطبيق العملي أوضح قصوراً في بعض مواده.

الوضع المادي
من جانبها أشارت الاختصاصية النفسية انتصار الفاتح علي عدوي في حديثها لـ»حكايات» إلى أن الرجل مفطور على حب الاجتماع بالمرأة، والمرأة أيضاً مفطورة على حب الاجتماع به، ولكن لا يكون هذا الاجتماع الا إذا ارتبطت الزوجة برجل واحد، لذلك قالت: الزواج الذي يبنى على التكافؤ النفسي والاجتماعي خير للمرأة، ولفتت إلى أن الرسول «صلى الله عليه وسلم» من خلال الأحاديث النبوية الشريفة وضع معايير لاختيار الزوجة والتي من ضمنها أن تنكح المرأة من أجل مالها وجمالها كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»، وتابعت انتصار: الاختيار المبني على الأخلاق والتكافؤ والقيم هو الموفق، لأن التكافؤ على حد قولها هو مبعث الالفة والاستقرار النفسي.
وأوضحت انتصار أن الوضع المادي زائل وما يتبقى للإنسان الأخلاق والسيرة الطيبة، مؤكدة على أن الاختيار الذي يبنى على المادة ينعدم فيه التوافق، لافتة إلى أن الرجل هو الذي يأتي لطلب المرأة وهو الذي يخرج في طلب الرزق، اما إذا حظي الرجل بزوجة تمتلك وظيفة مرموقة أو من أسرة مقتدرة مادياً وتعامل معها بدون طمع أو استغلال فيمكن في هذه الحالة أن يكون سنداً لها يحافظ عليها وعلى أموالها، أما إذا حدث العكس فيمكن أن يغيب دوره تماماً في الأسرة، لا سيما وإن كان شخص «اتكاليا» يعتمد على الغير وفي ذات الوقت لا يحافظ على «القروش» هنا تنشب الخلافات وتحدث المشاكل، وإذا كانت الزوجة مستغلة.. مهتزة وضعيفة الوازع الديني يمكنها أن تنحرف، أما إذا كانت مسالمة فستطلب الطلاق وسينعكس ذلك سلباً على الأسرة لأنه سيحدث تفككاً أسرياً، لعدم وجود أي روابط أخلاقية، فالمال في الاساس وسيلة وليس غاية أو أساس حتى يجري وراءه الجميع، وقالت الاختصاصية النفسية إن «الاتكال» أو الاعتماد على الوضع المادي في الاختيار بعيداً عن القيم والأخلاق يجلب الضغوط النفسية لأنه يؤثر على نفسيات الزوج والزوجة معاً، ووصفت الشخصية الاعتمادية بغير المسئولة وتسبب الكثير من المشاكل التي تضر بالمجتمع.

حب وانتماء
في السياق أقرت الباحثة الاجتماعية ثريا إبراهييم بأن استسلام الرجل لظروفه الاقتصادية السيئة ناتج عن أسباب كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر: ضعف في شخصيته وعدم صموده في مواجهة ظروفه بقوة، وأضافت: أن مثل هؤلاء الرجال لا يحبذون الكد والاجتهاد ليطوروا حياتهم الاقتصادية بالشكل الممرحل وبالطريقة المنطقية وأحياناً لا يفكر أصلا في إيجاد عمل عكس الشباب الذين يجتهدون في توفير لقمة العيش حتى ولو عمل في مهنة قد لا تناسبه، وأوضحت ثريا أن تنشئة وتربية الشخص يمكنها أن تكون أحد الأسباب لأن التدليل وتلبية كل احتياجات الشخص منذ الصغر يمكنها أن تصنع منه إنساناً غير مسئول ولا يبالي بمن حوله لأنه لم يتعود على تحمل المسئولية تجاه نفسه ولا تجاه الآخرين، ونجد أن الكسل واللامبالاة هي سمة هذا النوع من الرجال أو الشباب حيث يختار فتاة ذات وضع اقتصادي جيد وفي بعض الاحيان يشترط عليها أن تقوم بالصرف عليه حتى تتزوجه، وهناك بعض من الرجال يهجرون زوجاتهم إذا ضاق بهم العيش لعدم تحملهم المسئولية التي لم يتعودوا عليها منذ الصغر، وأضافت: في تقديري مثل هذه الشخصيات لا يجب أن تقدم على دخول المؤسسة الزوجيه ألا وهي على استعداد نفسي واجتماعي واقتصادي ايضاً، حتى يكون له القدرة على مواجهة الظروف الاقتصادية، وأردفت: ليس من الضروري أن يكون الشخص ثرياً أو ميسور الحال حتى يفكر في الزواج بل من المهم أن تكون له القدرة على إدارة الأسرة اقتصادياً ويملك حب الانتماء لهذه المؤسسة الاجتماعية المهمة والضرورية لاستمرار الحياة والمجتمع.

تحقيق: الشفيع علي أحمد- صحيفة حكايات

تعليق واحد