اقتصاد جنوب السودان “في الرعاية المركزة” بينما تلوح المجاعة في الأفق
وبحلول النهار تشاهد الأنابيب اللامعة والتكنولوجية الحديثة في تناقض صارخ أمام أكواخ بسيطة بالقرى المجاورة.
ويعد النفط أكبر مورد للدخل في البلد الوليد، غير أن تلك الثروة النفطية لم تحقق المزيد من التنمية خلال السنوات الثلاث التي أعقبت استقلال جنوب السودان في يوليو/تموز 2011.
لقد هددت الحرب الأهلية التي أندلعت في ديسمبر/كانون الأول 2013 حقول النفط في فلوج ومناطق أخرى بالبلاد، كما دمرت الحرب كافة مناحي الحياة في جنوب السودان بما في ذلك اقتصاده.
وأفضى القتال بين قوات حكومة جنوب السودان والمتمردين إلى وقف انتاج النفط في ولاية الوحدة، إحدى منطقتين لانتاج النفط في البلاد.
وقال المتمردون إنهم يستهدفون المنطقة الأخرى، في ولاية أعالي النيل، التي تضم فلوج وحقول نفطية أخرى.
المجاعة تهدد بزيادة المشكلات الاقتصادية الكبيرة لجنوب السودان
“غير مستقر”
ويسجل انتاج النفط حاليا، بوجه عام، أقل من نصف الإنتاج اليومي الذي كانت تنتجه البلاد وقت استقلالها وهو 350 ألف برميل يوميا.
ويقول الخبير الاقتصادي بيتر بيار أجاك “ذلك غير كاف لجنوب السودان.. إن الوضع غير مستقر تماما”.
كما ثبت عدم دقة التنبؤات التي توقعت تحقيق اقتصاد جنوب السودان نموا بنسبة 35 في المئة عام 2014.
من جهة أخرى أسفرت المعارك عن نزوح ما يربو على مليون شخص، كما أن تعطل نشاط الزراعة عزز مخاوف احتمال انزلاق البلاد في هوة المجاعة.
وحتى في العاصمة جوبا ثمة تداعيات للأوضاع.
وقال مايك اسم الله، أحد العاملين في سوق كونيو كونيو في العاصمة جوبا، “لا يكسب الناس أموالا من أعمالهم، لقد ارتفعت أسعار كل شئ.”
ومع استمرار الحرب، لم يركز أحد على التنمية أو على النمو في الوقت الحالي.
رئيس جنوب السودان سلفا كير يخوض حربا مع متمردين يدعمهم سياسيون سابقون
صعوبات
ينطبق هذا التقدير، بالنسبة للكثيرين في جنوب السودان، على فترة ما قبل اندلاع الحرب الأهلية.
لقد كان من المتوقع أن يعزز الاستقلال، الذي جاء بعد عقود من الصراعات مع الخرطوم، مكاسب السلام في جنوب السودان المحاصر بالأزمات.
لكن سنوات الحرب، بالإضافة إلى فترة طويلة من الإهمال، جعلت الغالبية العظمى من السكان يواجهون صعوبات في حياتهم.
وما إن رفعت جمهورية جنوب السودان علمها للمرة الأولى حتى أصبحت واحدة من أقل المناطق تنمية على وجه الأرض.
وكان زعيم المتمردين الراحل، جون غارانغ، قد تحدث عن “إعطاء المدن للشعب” وتمثيل الناس وتحقيق التنمية وتوفير الخدمات للمناطق الريفية التي يعيش فيها معظم الناس.
فينبغي للمليارات التي يدرها النفط أن تحقق هذه الرؤية.
في الوقت الذي يحتفل فيه مواطنو جنوب السودان بالاستقلال، لا تعم الفرحة بشأن اقتصاد البلد
اجراءات تقشفية
لكن حتى قبل اندلاع النزاع في جوبا، كان هناك حالة استياء متزايدة مع وتيرة تدعو للتغيير.
وكجزء من الخلاف مع السودان، اتخذ قادة جنوب السودان قرارا غير عادي في يناير/كانون الثاني 2012 يقضي بوقف انتاج النفط في البلاد.
ويحتاج البلد الجديد إلى تصدير انتاجه من النفط عن طريق خطوط أنابيب ومصافي تكرير ومراكز تصدير في السودان، لكن لا يوجد أي اتفاق بين الطرفين بشأن التكلفة.
وعندما بدأت الخرطوم مصادرة نفط جنوب السودان، عطل قادة البلد تدفق الانتاج من حقوله النفطية.
وعلى مدى أكثر من عام، حتى إبرام اتفاق مع السودان، أضطر جنوب السودان أن يعيش في إجراءات تقشفية قاسية.
وتعطلت جميع مشاريع التنمية، وتأخر سداد الرواتب، كما ارتفعت معدلات الفقر.
فساد
ولم يكن تعطل حقول النفط المشكلة الوحيدة أمام اقتصاد جنوب السودان، بل انتشر الفساد.
وكتب رئيس جنوب السودان سلفا كير خطابا لـ 75 مسؤولا حاليا وسابقا، يتهمهم بسرقة 4 مليارات دولار.
وأنفقت معظم أموال الحكومة المتبقية على الرواتب، لاسيما الجيش.
مع نفاد مخزون النفط، هل باستطاعة جنوب السودان أن يحقق دخلا من الماشية والزراعة؟
كما يشكو جنوب السودان من عدم تقسيم موارد البلاد بالتساوي.
إذ كانت تذهب الأموال المتبقية بعد اجراءات التقشف بشكل رئيسي لعاصمة الدولة، في حين توزع أموال بنسب أقل على عواصم 10 ولايات.
وكانت تنمية الريف شبه معدومة.
كما عانى جنوب السودان عندما أوقف السودان التجارة مع البلد الجديد، وهو ما دفع الأسعار في الولايات الحدودية إلى الارتفاع.
وحتى تكتمل الصورة اليائسة، من المتوقع أن ينفد نفط جنوب السودان خلال السنوات القليلة المقبلة.
غير أن البلاد تتمتع بوجود وفرة من الأراضي الخصبة، لذا ستكون الخطوة القادمة هي التحول من النفط إلى الزراعة.
وهذا يحتاج إلى استثمارات كبيرة، ليس فقط على مستوى التكنولوجيا الجديدة والتدريب، بل يحتاج لبنية تحتية مادية.
بيد أن هذا التحول المطلوب بشدة لا يمكن أن يحدث في وقت تخصص فيه الأموال لجهود الحرب الأهلية ويفر المزارعون جراء الصراع.
جيمس كوبنال
بي بي سي