ثقافة وفنون

في حرقة لافيني الأسى ” (اليوم نرفع راية استقلالنا “

بعدما شدت عقيرته بـ(اليوم نرفع راية استقلالنا)، أبكى الحضور بعدها بعقود عشية انفصال الجنوب.. بين استقلال السودان وانفصال الجنوب يبقى وردي هو وردي؛ فهو الذي رحب به المشير البشير فور عودته، وتربطه العلاقات الطيبة بالشيوعيين، وأنبل الصلات مع الراحل محمد إبراهيم نقد.. يحبه كل قادة (الأمة) وشتى الكيانات الاتحادية.. يختلف السياسيون في الكثير من الآراء ويجتمعون على لحنه.. لزعيم حزب المؤتمر الشعبي الدكتور الترابي علاقة بالراحل تبدت عندما صعد الى خشبة المسرح بعيد إعلان دولة الجنوب ملوحا بكلتا يديه. ويرى الناقد محمد الطيب في جدلية انتماء الفنان محمد وردي السياسية والوطنية بين تيار اليسار (الحزب الشيوعي) وبين الانتماء للوطن، أن وردي تغنى لاكتوبر وللجنوب كما تغنى أيضا للإنسانية في (طفل العالم الثالث) و(أطفال الحجارة)، بجانب غنائه للصومال وللثورة الإرترية والصمود وعلاقتة مع ثوار عدن. وردي هو الفنان الذي وثق لثورة أكتوبر في اكثر من (10) أغنيات، ساند ثورة مايو في أكثر من ست أغنيات، والتى ساهمت بدورها في تعريف الشعب السوداني بالثورة والحكومة بمشاركة الشاعر محجوب شريف الذي كتب أغنية (ياحارسنا ويا فارسنا) والتى تغنى فيها وردي بمعية الفنان محمد ميرغني، إضافة لأغنية (حنتقدم) التى رفضت من مجلس النصوص بالإذاعة وأغنية (السيف المسنون) التى تغنى بها في لقاء الثوار العرب بين (جمال عبدالناصر، معمر القذافي، جعفر نميري، وياسر عرفات). وبعد انقلاب يوليو كان وردي مؤيدا لتيار هاشم العطا ليقضي قرابة العامين في السجن ثمنا لتأييده. وفي المعتقل أكثر وردي من المطالبة بأن يعطى (عوده)، لدرجة أنه في إحدى المرات رد عليه مدير جهاز الأمن وقتها قائلاً: (يا محمد وردي نحن لم نقبض عليك وانت على ظهر دبابة.. قبضنا عليك بسبب هذا العود)، وقد كان سبب اعتقاله أغنية (محجوب شريف) التى تقول كلماتها بعد أن تم تعديلها إلى (لا حارسنا ولا فارسنا).
وبعد أن زج به خلف القضبان تغنى وردي بعدد من الأغاني التى كتبها محجوب شريف يمجد فيها قادة الحزب الشيوعي الذين تم إعدامهم بالإضافة للعديد من الاغنيات العاطفية، وحتى بعد خروجه لم يتوقف وردي عن مشاكسة قيادات مايو بأغنياته الرمزية وأناشيده الوطنية الملهمة للجماهير وقد غنى بعد إطلاق سراحه في أول لقاء جماهيري وبحضور نميري وا أسفاي وكان يشير إلى الصف الأول من المستمعين، بمن فيهم نميري وقادة (مايو)، في إشارة واضحة فهمها الجمهور والمعنيون من الحضور. وبعد أن خرج وردي من المعتقل واصل معارضة مايو بشراسة حتى سقط نميري وقتها كانت أغنيات (بلا وانجلا) وأغنية (عرس الفداء).
بعد الإنقاذ جاء وردي بمضامين جديدة وشعراء جدد كانت له معارضه خاصة من قبل الحكومة تحديدا في بعض الأغنيات التى أصبحت شعار المعارضة، فجاء بالشاعر المكاشفي محمد بخيت الذي كتب أغنية (سلم مفاتح البلد تسلم). وفي كلا الحالتين واصل وردي معارضة للأنظمة والتى اختار بعدها الهجرة ليبدأها من قاهرة المعز التى تغنى منها بأغنية مغايرة وهى (بلد رائح) للشاعر عمر الطيب الدوش، لم يتمكن الشعب السوداني في عهد الإنقاذ الاول من الاستمتاع بأغاني وردي لأن وردي غاب لفترة طويلة في المنافي الإجبارية والاختيارية، وحتى عند عودته أثار الجدل وسط المهتمين بالسياسة من الموالين والمعارضين، فكان البعض يرى فيه فنان كل الانظمة التى جاءت، لكن وردي ظل وفيا لجمهورة وشعبه، وردي كان ضد انفصال الجنوب وغنى في يوم إعلان الدولة الجديدة في يوليو 2011م بمدينة جوبا نشيد (أصبح الصبح) مركزاً على مقطع (أبداً ما هنت يا سوداننا يوماً علينا) يومها بكى كثيرون.

اليوم التالي