سياسية

الحكومة والمعارضة يتبادلان اتهامات صناعة الشخصيات الوهمية للتأثير على الرأي العام

اختفت شخصية “ندى راستا” عن الرأي العام في وسائط التواصل الاجتماعي (الفيس بوك والواتساب) ليظهر مكانها سريعاً في عملية إحلال وإبدال شخصية وهمية “علي كبك” تبين من خلال استخدام مدونين لمحرك البحث العملاق (قوقل) أنها لشخصية حقيقية من زيمبابوي تدعى “وليام ماسيفنو” متداولة صورها ومقاطع الفيديو منذ العام 2012، لكن ظهورها مع تدشين الحملة الانتخابية فتح باب الاتهامات واسعاً بين أحزاب المعارضة والحكومة حول من يريد صرف الرأي العام عن قضاياه اليومية، قبل أن يذهب البعض الآخر إلى أن الأمر مجرد “طرفة وفكاهة” نسجها خيال سوداني في ظل ظروف اقتصادية يعانيها فلم يجد إلا صوت “علي كبك” ليفرج عنه بابتسامة وضحك تناولتها (السوشيل ميديا) أو ما يعرف بالإعلام الإلكتروني.
قد لا يكون هنالك خلاف أن هذه الشخصيات اكتسبت شعبية واسعة من خلال التسجيلات الصوتية أو مقاطع الفيديو التي تظهر بين الحين والآخر، لكن بعض المعارضين يرون أن الحكومة تريد أن تلهي الشعب عن أزماته وجراحاته النفسية التي يعيشها يومياً، وذلك من خلال خلق شخصيات وهمية تصنع الفرح اللحظي أو توجه الناس إلى ملعب آخر لا يعكر فيه صفو النظام، وتسخر الحكومة من هذه الدعاية للمعارضة.. فأي الفريقين أحق؟
وفي جانب آخر يخشى خبراء في التشريع الإلكتروني من حالة الفراغ القانوني لوسائل التواصل الاجتماعي التي لا تردعها عقوبات مجازة من قبل المجلس الوطني، وعلى الرغم من المحاولات الخجولة لكن البلاد تفتقر إلى منهج تشريعي متكامل يعالج مواطن الخلل.
المعارضة تتهم المؤتمر الوطني بخلق شخصيات وهمية
ويقول الناطق الرسمي باسم قوى الإجماع الوطني “بكري يوسف” لـ(المجهر): (هذا يعبر عن حالة الإحباط التي يعيشها الشعب السوداني في الجانب الذي يتعلق بالفكاهة والنكتة، ولكن هنالك جانب آخر إنها تعبر عن صرف الرأي العام من قبل الأنظمة الشمولية والديكتاتورية، هنالك جهات تعمل على صرف الناس عن قضية محددة، وهذا الأمر لديه إفرازاته المجتمعية التي يتضرر منها الناس)..
وأضاف “بكري”:(لكن النظام الشمولي يركز جهوده نحو صرف الأنظار عن قضايا بعينها ولذلك تظهر مثل هذه التسجيلات الصوتية لشخصية “ندى راستا” والاهتمام بأخبارها بأنها ذهبت للحج وبأنها سافرت إلى مكان ما، ومثل ظهور حالة شخصية “علي كبك”، هذه الظاهرة تقف ورائها إمكانيات تقنية وفنية ضخمة مثلاً في حالة التسجيل الصوتي لأغاني “علي كبك” نجد أن هذه الظاهرة تجاوزت الشكل الفكاهي العادي الذي يتم تداوله شعبياً بالشكل المعهود لأننا نجد أن هذه الحالة استخدم فيها تسجيل صوتي بواسطة استديو وعمل “بوسترات دعائية” له وتم توزيعه على نطاق واسع باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأعتقد أن هذا الأمر مرتبط بشكل مباشر بمسألة الانتخابات ومع تدشين الحملة الانتخابية للمؤتمر الوطني، وما يسمى بالإعلام الالكتروني للمؤتمر الوطني بواسطة كوادر تم تدريبها وإعدادها إعداداً جيداً لتعمل على تشكيل الرأي العام في الفضاء الأسفيري أو (سوشيال ميديا)، لذلك لا أعتقد أن هذه الشخصيات مسألة بريئة، هذه أدوات تم استخدامها في دول العالم الأول في الحرب الباردة التي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي في خلق رأي عام، وهذا الاستخدام لا يراعي لحجم الضرر الذي يمكن أن تخلفه هذه الشخصيات الوهمية.
ونبه المتحدث باسم قوى الإجماع الوطني – تحالف سياسي معارض للحكومة – إلى الإيجابيات التي يسهم بها الإعلام الالكتروني في التغيير السياسي. وقال “بكري يوسف”: (لديه إيجابيات كثيرة وينبغي استخدامه بحذر، وفي اعتقادي أن الإعلام الالكتروني يفتقد الرؤية الموضوعية الآن لمخاطبة الجماهير، والأنظمة الحاكمة قامت باستخدام الإعلام الإلكتروني وفي حملات منظمة قائمة على أهداف محددة لتحقيقها واستفادت منه هذه الأنظمة، والسلبيات والإيجابيات في استخدام الإعلام الإلكتروني تتوقف على الأهداف الموضوعة للحملة التي تنظمها الجهة حول قضية ما).
وحول الظواهر الأخيرة التي ظهرت على صفحات (الفيس بوك) وانتشرت عبر مقاطع الفيديو والتسجيل الصوتي في (الواتساب) أضاف “بكري” قائلاً: (هذه ظاهر سالبة وغير أخلاقية بانتشار مقاطع لـ”ندى راستا” وما أدراك ما “ندى راستا” إنها شخصية وهمية تم تقديمها للرأي العام وإدارة حملة منظمة حولها، وهي شخصية افتراضية لا وجود لها حتى إذا كانت موجودة في مرحلة سابقة، وكان يمكن للحكومة أن تستعين بخبراء وأكاديميين لمثل هذه الحملات، المعالجات اللحظية لا تعالج جوهر الأزمة ولكنها تخاطب قشور الأزمة).
وزاد بالقول: (فكرنا في أوقات طويلة جداً حول الوضع السياسي الراهن في السودان وإعادة تشكيل الوعي، ومسألة قيام قناة فضائية للمعارضة هو مشروع تفكير للقوى السياسية من قبل لم يكن لدينا تصورات كاملة وكانت هنالك مبادرات من منظمين سياسياً حول مسألة التغيير ولكن مؤخراً تم جمع هذه المبادرات وقطعنا أشواطاً كبيرة جداً لنطلق مؤسسة إعلامية خارج السودان ونحلم بصياغة مشروع متكامل حول الإعلام المستقبلي).
ويعاني السودان من عدم وجود اتفاقيات لتبادل المتهمين بارتكاب جرائم إلكترونية.. ويقول خبير في جرائم المعلوماتية بوزارة سيادية لـ(المجهر) – فضل حجب اسمه ــ إن القانون نص على أن الاتفاقيات الدولية بين الدول تعطي حق تبادل المجرمين إذا اكتشفوا أن هنالك شخصاً ما في السودان سبب الضرر لشخص في دولة ثانية. وأضاف: (لازم تكون هنالك اتفاقيات لتبادل المجرمين، ولكن المجرمين المرتكبين الجريمة الإلكترونية لا يوجد لهم قانون لتبادل تسليمهم ما بين السودان والدول الأخرى، نحن متخلفون خالص).
وتقوم النيابات في السودان بالتحري عبر الشرطة العامة غير المتخصصة وليس هنالك تشريعات حول مسألة الجرائم الالكترونية والتبادل مع دول العالم الأخرى. ويضيف بالقول: (وزيرة الاتصالات “تهاني عبد الله” قدمت أوراقاً للمجلس الوطني بهذا الخصوص، هنالك خبراء مختصون ولكننا لم نضع كل التشريعات الإلكترونية. وهنالك مسألة تواجه أهل السودان عموماً وهي إذا لم يسخن الموضوع وسبب لنا الأذى لا نفكر في المعالجات وليس لدينا تحوطات، لا يمكن أن نطفئ الشرارة قبل أن تحرق البلد كله).
وتتعامل الشركات عبر الانترنت في معاملاتها التجارية لكنها تحتاج إلى التشريعات بخصوص الحفاظ على حقوقها في مواجهة “القراصنة” الذين يدخلون إلى مواقعها الإلكترونية ويحدثون الخسائر الفادحة.
وتسلم المجلس الوطني عدة أوراق حول الشائعات الإلكترونية وإشانة السمعة واختراقات المواقع وسلبيات التعامل عبر الإعلام الإلكتروني لكن البرلمان لم يصدر تشريعات الكترونية بعد لضبط الآثار السالبة.
* مدير موقع سوداني
ويقول مدير الموقع الإلكتروني لـ(سوداني نت) والمدون “علاء الدين يوسف” لـ(المجهر): (إن ظهور شخصيات مثل “علي كبك” مرده إلى أن الشعب السوداني متأثر بالشعب المصري في صناعة النكتة نسبة للوضع السياسي والاقتصادي الذي يدفع الناس في صناعة الطرفة وساهمت فيها وسائل التواصل الاجتماعي).
ويشير “علاء الدين” إلى أن شخصية “علي كبك” هي شخصية وهمية غير حقيقية من زمبابوي، وباستخدام محرك البحث العملاق (قوقل) يتضح ذلك، ويضيف بالقول: (في محرك (قوقل) هنالك إمكانية للبحث بالصورة بالإضافة للبحث من خلال البحث بالصور وتظهر أيقونة “كاميرا” وعندما تضغط عليها تظهر خيارات لتحميل الصورة من جهاز الحاسوب أو وضع الرابط من الانترنت).
ونبه “علاء الدين” إلى أن أهل السياسة لا يستخدمون الشخصيات الوهمية في معاركهم وقال: (هذه الشخصيات تصنعها مجتمعات الطرائف والنكت وتجمعات الواتساب خفيفة الظل وصفحات الفيس بوك ذات الطبيعة الفنية، وأهل السياسة لا يتداولونها إلا بعد أن تكون رائجة بين الناس، ولا يمكن أن تؤثر في الرأي العام إذا كان مشغولاً بقضايا معينة مثل الانتخابات).
ويشير “علاء الدين” إلى أن الوسائط الاجتماعية صارت من أكثر الوسائل تأثيراً في صناعة الرأس العام.

المجهر السياسي