الاتحادي .. رفض الشراكة (الغبشاء).. وانتخابات إدامة الشرعية الدستورية
وسط كم من البؤس وبين ثنايا مدينة تبدو على وشك الاحتضار إن لم تكن تعيش الاحتضار ذاته، رغم أن أهلها يفاخرون بأن سوق مدينتهم كان في يوم من أيامها الزواهي حاضراً بقوة في تداولات بورصة لندن بما كانت تنتجه المدينة الواقعة في خاصرة ولاية النيل الأبيض الغربية من محاصيل نقدية ترفد بها أسواق العالم، من فوق أطلال هذه المدينة وكأنه تعمد إطلاق شعار حزبه (زمان تحرير والآن تعمير) من مدينة تعيش حالة قصوى من التدمير، ومن خلال تدشين حملة حزبه الانتخابية في دائرة تندلتي القومية، ابتدر الأمين العام للحزب الاتحادي، مساعد رئيس الجمهورية مرحلة جديدة من شراكة حزبه مع المؤتمر الوطني، تبدو معتمدة على التطابق الكامل في الرؤى السياسية الداخلي منها والخارجي ، لدرجة تجعل من الصعوبة وربما الاستحالة التمييز بين خطاب الاتحادي وخطاب شريكه المؤتمر الوطني، وهو أمر قد يراه البعض إيجابياً لجهة ضرورة الشراكة في هذه المرحلة لهذه الدرجة من الانسجام والتوافق، خاصة وأنها أيام انتخابات تشهد تنسيقاً محكماً بين الحزب الحاكم وشركائه وأبرزهم الحزب الاتحادي .
فخر ترشيح “البشير” والشراكة “الغبشاء”
(في كل مرة ننال شرف ترشيح الأخ الرئيس لرئاسة الجمهورية) وتضج الجموع بالتصفيق والهتاف، ويزيد حماسها وهتافها أكثر وهي تسمع (صوتكم للبشير هو صوتكم للحزب الاتحادي)
عبارات أطلقها “الدقير” أمام مناصريه في ميدان الحرية بتندلتي، بنبرة تضج بالفخر، وتأكيداً لحالة التماهي الكامل بين حزبه والمؤتمر الوطني، في سبيل ما يراه “الدقير” استكمالاً للنهضة التي بدأها مرشح المؤتمر الوطني الرئيس “البشير”، ولإجلاء الأمر في أذهان جماهير حزبه استدرك قائلاً: (نحن الرشحناه قبل شهرين، مارشحوا أي زول تاني، لكن ليه رشحناه؟) ويجيب معدداً أسباب إقدام حزبه على تقديم “البشير” للرئاسة قائلاً: (رشحناه حتى تكتمل حلقات النهضة، ولتعزيز كفاءة القوات المسلحة والقوى الأمنية لتصبح درع هذا الوطن). ومضى معدداً المبررات واضعاً على رأسها الرغبة في تقوية الأجهزة العدلية والقضائية وضمان استقلالها وقوميتها، بجانب ضرورة استكمال ما وصفه بـ(دعم استقرار الاقتصاد) والاهتمام بالعدالة الاجتماعية. ومضى “الدقير” مؤكداً ما تؤكده كل الوقائع بأن حزبه ملتزم بكل تعهدات شراكته مع الوطني. وقال: (نحن ما بنشارك شراكة (غبشة) يدنا البنختها مع زول بنختها للآخر والخائن الله يخونو).
عاصفة الحزم ومفاجأة الرئيس
وميدان الحرية تضربه تيارات هوائية وأتربة أشبه بالعواصف، حمل خطاب مساعد الرئيس وزعيم الاتحادي عاصفة من نوع آخر، هي العاصفة التي تقودها السعودية وحلفها الجديد ضد حوثيي اليمن والمسماة (عاصفة الحزم)، وجاء ذكرها في معرض التأكيد على توافق رؤى الاتحادي في الملف الخارجي مع رؤية الرئيس “البشير” وقراره بالانضمام إلى حلف العاصفة. وقال: (كنا نطالب منذ مدة بإعادة تموضع السودان في علاقاته الخارجية وفاجأنا الرئيس بقراره الشجاع بالانضمام لعاصفة الحزم). ووصف التحالف الجديد بأنه (قلب الموازين وأعاد السودان لمكانه الريادي) وأكد أن حزبه كان يراهن على اتخاذ “البشير” هذه الخطوة.
الحوار وعراقيل المعارضة
انطلاقاً من ما يراه الاتحاديون بأنهم (رواد الحوار وأهله الأوائل) بالنظر لمبادرة الحوار الوطني التي أطلقها زعيم الحزب الراحل “الشريف زين العابدين الهندي”، بدا د.”الدقير” مزهواً وهو يؤكد تمسك حزبه بالحوار، لكنه لم يفوِّت الفرصة ليصوب سهامه تجاه قوى المعارضة، إلا أنه استبق هجومه بالثناء على ابتدار الرئيس “البشير” الدعوة للحوار الوطني المتعطل الآن، مؤكدأ أن “البشير” كان جاداً حين طرح حوار (الوثبة الشهير). ورأى “الدقير” أن من أطلق عليهم (المعارضين) تعمدوا وضع العراقيل أمام عملية الحوار، ورماهم بتهمة الرغبة في التسبب في أزمة دستورية قائلاً: (أراد المعارضون بعرقلتهم للحوار أن نتفاجأ بالانتخابات حتى ندخل في أزمة دستورية تأخذ بتلابيب الوطن لتضاف لأزمات بؤر الصراع المتوترة). وقطع بحسم أن حزبه قرر خوض الانتخابات حفاظاً على ما سماها (دستورية البلد) للحفاظ على أمن الوطن والمواطن، داعياً الشعب للاتعاظ بما يحدث في اليمن وغيره من دول الإقليم المضطربة. ونبه إلى أن قيام الانتخبات لا يعني قفل باب الحوار. وكشف عن اتفاق حزبه مع المؤتمر الوطني بأن لا تصبح الانتخابات ساتراً بين القوى السياسية وعملية الحوار. وقال: (سنفتح الباب على مصراعيه للحوار عقب الانتخابات). وخاطب المعارضة مطمئناً: (بعد أسبوعين أو عشرين يوماً ستدور عجلة الحوار من جديد وكل ما اتفقنا عليه في خارطة الطريق هو الذي سينفذ).
المسلحون واختطاف الحوار
بما يشبه التوافق التام بين الاتحادي والمؤتمر الوطني وكثير من القوى بما فيها قوى معارضة، أعلن “الدقير” رفض حزبه أية محاولة لنقل الحوار الوطني إلى خارج السودان، وخاطب الحركات المسلحة التي تصر على منابر خارجية للحوار بقوله: (أوجه نداءً للحركات المسلحة وأقول لهم عيب عليكم أن تنادوا بأن يأتي الناس للحوار في “أديس أبابا” أو “نيروبي”). وأشار إلى أن الاتحادي هو من أتى بالحوار من الخارج إلى داخل السودان قبل ثمانية عشر عاماً. وقال: (لذلك فنحن لن نسمح باختطاف الحوار مرة أخرى إلى الخارج)، مشيراً إلى سوء مخرجات الاتفاقات المبرمة خارج السودان. وقال: (جربنا اتفاقات الخارج وكانت قسمتها ضيزى). ولأن الحديث عن الحركات المسلحة قفز “الدقير” إلى مقابلها في الداخل وهي القوات المسلحة هاتفاً بأن (جماهير الاتحادي وقادته سيحمون سلامة القوات المسلحة برقابهم).
هل لا زالت الفائدة في “أبو قايدة”؟
ولأن الأمر أمر انتخابات، وهي لا تنفك عن الوعود ـ ما يُبر به وما يُخلف ـ كان لزاماً على أمين عام الحزب الاتحادي أحد أبرز شركاء الحكومة وهو يطالب جماهير الدائرة القومية بتندلتي ـ والتي أخلاها الوطني للاتحادي (الأصل) ـ بالتصويت لمرشح الحزب “أحمد عبد الرحمن أبولولب”، أن يتحدث عن أبرز مشاكل المحلية الخدمية وعلى رأسها الكهرباء التي تفتقدها أجزاء واسعة من المحلية ، مؤكداً أن آخر من تحدث معه صباحاً قبل قدومه إلى تندلتي هو وزير الكهرباء “معتز موسى”، مشيراً إلى أنه سيرسل وفداً لإكمال كهرباء المحلية، لكنه أقسم قسماً مغلظاً بأن حزبه يبتغي التقرب لله بخدمة أهله رجاءاً لأجر الآخرة وليس لصناديق الانتخابات. وعقب ثنائه على مرشح حزبه بالدائرة ذكّر “الدقير” جماهير تندلتي بأحد أقطاب الاتحادي التاريخيين بالمنطقة والذي فاز بذات الدائرة قبل عشرات السنين مشبهاً ومقارناً بينه وبين المرشح الحالي، مردداً عبارة “الشريف الهندي” الشهيرة لدى أهل تندلتي (أدوا أب قايدة وشوفوا الفايدة)، و(أب قايدة) هو ذاك القطب الاتحادي الراحل. وعند أهل تندلتي الخبر اليقين أمام صناديق الانتخابات فهل لازالوا يرون أن (أب قايدة الاتحادي الجديد) يحمل ذات الفائدة التي اتسم بها سلفه الراحل؟
المجهر السياسي