عدوانية الناتو وواشنطن تدفع روسيا إلى إجراءات دفاعية
أعلنت وزارة الخارجية الروسية أنه يحق نشر أسلحة نووية في كافة أراضيها، بما في ذلك القرم، معتبرة أن القرم جزء من روسيا. وبالتالي، فمن الممكن إن لزم الأمر، نشر الأسلحة النووية هناك.
مدير قسم شؤون عدم انتشار الأسلحة والرقابة بالخارجية الروسية ميخائيل أوليانوف قال “يحق لروسيا بلا شك أن تنشر إذا اقتضت الضرورة، نشر أسلحتها النووية في أراضيها، بما في ذلك في شبه جزيرة القرم”.
هذا التصريح، الذي يأخذ بعين الاعتبار كل الاحتمالات والمتغيرات، جاء ليس فقط ردا على إجراءات واشنطن وحلف الناتو التي تتسم بالعدوانية تجاه روسيا، بل وأيضا على تصريحات وزير الخارجية الأوكراني بافل كليمكين الذي حاول تصعيد الأوضاع بين روسيا من جهة والولايات المتحدة والناتو من جهة أخرى. إذ قال في اجتماع الناتو في مدينة أنطاليا التركية في منتصف مايو/ أيار الماضي إن “أية خطوات وحتى إشارات من الجانب الروسي حول إمكانية نشر أسلحة نووية في القرم ستعتبر خرقا صارخا لكل القواعد الدولية، وعلى المجتمع الدولي في هذه الحالة أن يرد بكل حزم”.
هذا التصريح أثار الكثير من التساؤلات في الأوساط الدبلوماسية والسياسية. ولم يتمكن أحد من فهم مقصد وزير الخارجية الأوكراني. هل كان يقصد أن القرم تابعة لأوكرانيا؟ أم كان يتحدث عنها باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الأراضي الروسية؟ وفي الحالتين، يعكس التصريح الكثير من التناقضات، وربما عدم الفهم بالمعنيين السياسي – التشريعي والدبلوماسي.
إن الولايات المتحدة وحلفها الأوروأطلسي مصممان على المضي قدما في التعامل بالمعايير المزدوجة التي تعكس حالة من الاستعلاء والاستهانة بمصالح الدول الأخرى. فقيادتا البيت الأبيض والناتو تواصلان حملة التصريحات المثيرة للدهشة، والتي مفادها أن الدرع الصاروخية في أوروبا ليست موجهة ضد روسيا. وعلى الرغم من أن الناتو يتوسع فعليا في اتجاه الحدود الروسية مباشرة، مخالفا بذلك كل الوعود والاتفاقات، إلا أن القيادات الغربية مصرة على تضليل الرأي العام العالمي والمحلي في بلادها.
لقد أكد ميخائيل أوليانوف أن الدرع الصاروخية الأمريكية تبقى التحدي الرئيسي للعلاقات الروسية – الأمريكية، وقال “نحن بحاجة إلى ضمانات لما نسمعه باستمرار بأن هذه المنظومات ليست موجهة ضد قوات الردع النووي الروسية”. وأوضح أن موسكو لم تسمع حتى الآن أنه يمكن توقيع مثل هذه الضمانات، بل تسمع أن هذه المنظومة ستقام بمشاركة روسيا أو دون هذه المشاركة. إذن، لماذا يرفض الغرب توقيع اتفاقيات بهذا الصدد؟ ولماذا يرفض الالتزام بما تعهد به بشأن وضع الحياد لبعض الدول، مثل أوكرانيا وجورجيا، وعدم انضمامها إلى أحلاف عسكرية، كما تم الاتفاق عليه عقب تفكك الاتحاد السوفيتي؟
إن الغرب يمنح نفسه جميع الحقوق في اتخاذ أي إجراءات تحقق أمنه أو أمن حلفائه تحت أي مزاعم وحجج، بصرف النظر عن أمن الأطراف الأخرى. وبالتالي، لم يكن قرار وزارة الدفاع الروسية في 16 مايو/أيار الماضي، مصادفة حين أعلنت أن إعادة تسليح لواء الصواريخ التابع للقوات البرية الروسية والذي يرابط في مقاطعة كالينينغراد في غرب روسيا بمنظومات “إسكندر- أم” ستكتمل قبل حلول عام 2018. فالوزارة الروسية تتخذ إجراءاتها وفقا للمتغيرات والمستجدات، خاصة وأن مقاطعة كالينينغراد متاخمة لبولندا وليتوانيا. وهذه الخطوة من جانب موسكو تأتي ردا على مواصلة نشر الدرع الصاروخية في أوروبا.
المحور الآخر الجديد في استفزازات حلف الناتو والولايات المتحدة بالقرب من الحدود الروسية، هي مناورات “At Sea Demonstration – 2015” المزمع إجراؤها في خريف العام الجاري، بمشاركة الولايات المتحدة والنرويج لأول مرة، وكل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وكندا. وستجري في الجزء الشمالي-الشرقي من الأطلسي. وتهدف إلى التدرب على اعتراض الصواريخ البالستية الروسية، وتعزيز خبرة منظومتي الدفاع الصاروخي والجوي، واختبار الصاروخ الأمريكي المضاد للصواريخ “SM-3”. ما يعني أن هناك زيادة لقدرة أنظمة السفن الخاصة باعتراض الصواريخ البالستية، وهذا يجري بالتوازي مع إقامة منظومات الدفاع الصاروخي الثابتة في أوروبا. ويعني هذا أيضا أن الناتو مستمر في تنفيذ خططه في مجال الدفاع الصاروخي بغض النظر على الديناميكية الإيجابية لتسوية برنامج إيران النووي، وهو الأمر الذي طالما اتخذه الناتو ذريعة لنشر الدرع الصاروخية.
مثل هذه الخطط والمناورات لا يمكن أن لا تثير قلق روسيا، وفقا لتصريحات أناتولي أنطونوف نائب وزير الدفاع الروسي. وبالتالي، أكدت موسكو أنها سترد على عزم الناتو إجراء مناورته العسكرية المشار إليها أعلاه، وخاصة في ظل سعي واشنطن لنشر منظومة الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية، ودق الأسافين في كل من أوكرانيا وجورجيا.
وفي ما يتعلق بأوكرانيا وجورجيا، فما يحدث في كل منهما الآن يعكس شكلا من أشكال “السيرك السياسي”، فقد وقع الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو مرسوما بتعيين الرئيس الجورجي السابق ميخائيل سآكاشفيلي رئيسا لإدارة محافظة أوديسا، ومنحه الجنسية الأوكرانية. والمعروف أن سآكاشفيلي غادر جورجيا في نوفمبر/تشرين ثاني عام 2013، بعد أن وجهت النيابة العامة الجورجية إليه غيابيا اتهامات في عدد من القضايا الجنائية، بما في ذلك تهمة إهدار نحو 5 ملايين دولار من المال العام، وتم إعلان سآكاشفيلي مطلوبا للقضاء في جورجيا. وخلال العامين الأخيرين نشط سآكاشفيلي في السياسة الأوكرانية، متخذا دور “الثوري الكبير” فظهر عدة مرات قبل وبعد الانقلاب في كييف، وتواجد في الميدان أكثر من مرة إلى جانب بعض الساسة الغربيين الذين ساعدوا بشكل أو بآخر في الانقلاب ودعموه فيما بعد.
وإذا كانت روسيا قد رأت أن هذه الخطوة مدمرة للبلاد، فالساسة الأوكرانيون تعاملوا معها بطرق مختلفة. إذ أشار رئيس اللجنة الدستورية في البرلمان الأوكراني أندريه كليشاس إلى أن سآكاشفيلي يعد سياسيا مستقيلا ويجري التحقيق في مخالفاته في جورجيا نفسها، وهو هارب من العدالة. وأعرب عن اعتقاده بأن تعيين سآكاشفيلي في هذا المنصب خطوة جديدة من قبل السلطات في كييف على طريق انهيار أوكرانيا.
أما رئيس الحزب الراديكالي الأوكراني أوليغ لاشكو فقد رأى تعيين الرئيس الجورجي السابق في هذا المنصب الإدراري المهم، إهانة للأمة الأوكرانية، لأنه ببساطة يؤكد أن الأوكرانيين أنفسهم غير قادرين على بسط النظام في دولتهم. ووفقا لطبيعة الموقف أضاف: “وماذا لو بحثنا عن رئيس للدولة في الخارج”؟!
من الواضح أن عملية تخريب أوكرانيا من جانب الولايات المتحدة وحلف الناتو، وإشعال الحرب الأهلية فيها، تجري بصورة ممنهجة تحت مزاعم كثيرة، ما يهدد أمن أوروبا بالكامل.
RT