“مجتمع الكراهية” الافتراضي
مقولة شهيرة لا ينفك يكررها “مارك زوكربيرغ” مؤسس موقع التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة (فيسبوك) أن الشبكة تقوم بجمع الناس معاً في محاولة لجعل العالم مكاناً أفضل لكنها بالتأكيد ليست المدينة الفاضلة.
يُصدم كل متتبع لوسائل التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية من الكم الهائل من خطاب الكراهية الذي تموج به، بحيث أصبح هذا الخطاب يشكل الصفة الغالبة والسمة البارزة فلا تكاد تجد حواراً هادئاً حول أي قضية مطروحة، سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو حتى رياضية، فالكل يتمترس خلف قناعاته المسبقة مستخدماً كل ما تسعفه به مفاتيح “الكيبورد” تحت أصابعه من ذخيرة ليقصف بها خصومه أو من يخالفه في الرأي، مما يجعلك ممتنًّا أن الأسلحة الحقيقية لم تصل بعد إلى العالم الافتراضي وإلا تضاءلت أعداد ضحايا الحروب الحقيقية أمام ضحايا هذا العالم الذي ندعوه افتراضيًّا.
تحاول الدول والمؤسسات جاهدة العمل على الحد من خطاب الكراهية على شبكة الإنترنت، لكن هذه الجهود تصطدم بإشكالية ثنائية حرية التعبير، وإساءة استخدام هذه الحرية، وكيفية رسم الحدود الفاصلة بينهما، ومن هي الجهة المخولة للقيام بهذا الدور.
توظف الشركات المالكة لمواقع التواصل المئات من الخبراء لتتبع ومحاولة الحد من خطاب الكراهية مسلحين بالتكنولوجيا بما يشبه الشرطة في عالمنا الحقيقي، لكن المعضلة الكبرى التي يواجهونها تكمن في غياب تعريف متفق عليه لهذا الخطاب وفي الكم الهائل من الشكاوى التي تصلهم حيث يتلقى هذا القسم في” فيسبوك” أكثر من مليوني شكوى أسبوعيًّا، مما يجعل عملية متابعة هذه الشكاوى ووأدها في مهدها محدودة الفاعلية .
وتقع هذ الشركات في معضلة اعتماد التعريف الغربي لهذا المصطلح، وهو تعريف تشوبه أحادية النظرة والتحيز للقيم والمصالح الغربية، مما يوقعها في محظور ازدواجية المعايير، مما يفقدها المصداقية والتقبل بين اتباع الثقافات الأخرى.
وتزداد هذه الظاهرة خطورة في هذا الوقت الذي تتزايد فيه أعداد الناس الذين يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر وحيد للمعلومة، وبالتالي تشكيل قناعاتهم تجاه مختلف القضايا، فعدد الذين يستقون ثقافتهم من أي من وسائل التواصل المشهورة يفوق عدد الذين يعتمدون الصحف المشهورة والكتب في بناء ثقافتهم وموقفهم، حيث إن قدرة موقع كـ”فيسبوك” في تحديد من يحق له الكلام ومن يصمت يفوق قدرة كل الأنظمة الحاكمة بمحاكمها وشرطتها وأجهزتها الرقابية.
الحلول المطروحة حتى اللحظة.. هي إما تقنية بحتة أو قانونية، وهي حلول تبقى قاصرة عن معالجة لب المشكلة والأسباب التي تحول مجتمعات بأسرها إلى مجتمعات كراهية تجد في الفضاء الافتراضي مسرحاً جديداً لعملياتها القتالية.
هافغنتون بوست