منوعات

امرأة لا تتكلم إلا بالقرآن

سيظلُ أهل الفصاحة أكثر الناس تذوقاً لجمال القرآن وبلاغته الباهرة، فهذه أعرابية صغيرة تنشد من الشعر أبياتاً رائعة، فلقيها الأصمعي في البادية وأُعجب بأبياتها وقال لها: قاتلك الله ما أفصحك!! فردت عليه قائلة: ويحك.. أويعد هذا فصاحة بعد قول الله تعالى «وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين» ثم قالت له: لقد جمعت هذه الآية بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين. فقال الأصمعي: فأعجبت بفهمها وإدراكها أكثر من فصاحتها وشعرها.

وننتقل إلى حادثة أخرى أعذب ماءً وأصفى هواءً، إذ يقول عبدالله بن المبارك بعدما أدى حجه، بينما أنا في الطريق إذ رأيت عجوزاً عليها درع من صوف خمار فقلت: السلام عليك ورحمة الله فقالت: «سلام قولاً من رب رحيم»، فقلت: ماذا تصنعين في هذا المكان؟ قالت: «من يضلل الله فلا هادي له»، فقلت في نفسي إنها ضالة عن الطريق، فقلت لها: إلى أين تريدين؟ فقالت: «سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى»، فقلت إنها قضت حجتها وهي تريد بيت المقدس، فقلت لها: أنت منذ كم في هذا المكان؟ فقال «ثلاث ليال سوياً»، فقلت: ما أرى معك طعاماً تأكلين؟ قالت «هو يطعمني ويسقين»، فقلت هل معك ماء تتوضئين؟ فقالت «فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طبياً».

فقلت لها: لمَ لا تكلميني مثل ما أكلمك؟ قالت: «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد»، فقلت: من أي الناس أنت؟ قالت: «ولا تقفُ ما ليس لك به علم.. إن السمع البصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً»، فقلت: هل أخطأت فاجعليني في حل؟ قالت: «لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم»، فقلت هل لك أن أحملك على ناقتي فتدركي القافلة؟ فقالت: «وما تفعلوا من خير يعلمه الله»، قال: فأنخت ناقتي فقالت: «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم»، فأغمضت عيني عنها، فقلت لها اركبي، فلما أرادت أن تركب نفرت الناقة فتمزق ثوبها فقالت: «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم»، فقلت لها اصبري فقالت: «سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين».

قال: فأخذت بزمام الناقة وجعلت أسعى وأصيح فقالت: «واقصد في مشيك واغضض من صوتك»، فجعلت أمشي رويداً رويداً وأترنم الشعر فقالت: «فاقرأوا ما تيسر من القرآن»، فقلت لها: لقد أوتيت خيراً كثيراً قالت: «وما يذكّر إلا أولوا الألباب»، فلما مشيت قليلاً قلت ألك زوج؟ قالت: «يأيها الذين أمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم»، فسكت فلم أكلمها حتى أدركت القافلة فقلت لها: هذه القافلة فما لك فيها؟ قالت: «المال والبنون زينة الحياة الدنيا»، فعلمت أن لها أولاداً فقلت: وما شأنهم في الحج؟ قالت: «وعلامات وبالنجم هم يهتدون»، فعلمت أنهم أدلاء الركب فقصدت بهم القباب والعمارات.

فقلت: هذه القباب فما لك فيها؟ قالت «واتخذ الله إبراهيم خليلاً»، «وكلم الله موسى تكليماً»، «يا يحيى..» فإذا بشبان كأنهم الأقمار واستقر بهم الجلوس. قالت: «فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه»، فمضى أحدهم فاشترى طعاماً فقدموه بين يدي، فقالت:«كلوا واشربوا بما أسلفتم في الأيام الخالية»، قلت: الآن طعامكم علي حرام حتى تخبروني بأمرها، قالوا: هذه أمنا تحج كل عام، لها أربعون سنة لا تتكلم إلا بالقرآن مخافة أن تزل فيسخط عليها الرحمن.

أخلاق

حين قدم عدي بن حاتم الطائي تائباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم تناسى النبي، عليه الصلاة والسلام، كل أذى وسوء بدر منه وطفق يدعوه إلى طريق السعادة في الدنيا والآخرة بأسلوب لطيف عجيب ترق له القلوب وتذرف له العيون وتطير له الألباب عجباً.

أستاذ جامعي وإعلامي

البيان

تعليق واحد

  1. تكلم بعض أهل الاختصاص في هذه القصة مشككا في صحتها ، ومنتقدا لها

    فقد رأوا أن ذلك من التكلف الذي لا يجوز