حسبو في حلفا.. توجيهات رئاسية بتنفيذ مطالب المواطنين
قرى متفرقة ومدن مهجورة تنتشر على الجانب الغربي من الطريق القومي المؤدي الى محلية وادي حلفا، الجبال على الجهة الشرقية تمتد على طول الطريق، وقرى حلفا والسكوت تتوزع وخلفها اشجار النخيل وهي تبحث عن قاطنيها،
ورغم الحياة القاسية وشح الخدمات الا ان بعض المواطنين رفضوا الرحيل من ارضهم الطيبة وظلوا يزرعون ويحصدون على امل ان تصلهم الخدمات، والطريق الى حلفا احيا بعض المناطق بالحركة الكثيفة للسيارات، ولكن الملاحظ ان الشاحنات القادمة من مصر تحمل معظمها الحديد الخردة، وهنا تساؤل دار في ذهني وذهن من يرافقني في الرحلة مفاده: ما فائدة هذه الخردة لاقتصاد بلادنا، وهناك مثلها اطنان تملأ شوارع الخرطوم؟ وعلى الطريق تنتشر حركة المعدنين القادمين من وسط الجبال في اشارة واضحة للمعادن التى تزخر بها المنطقة، ووصلنا مدينة حلفا ووجدناها اختلفت عن آخر زيارة لنا لها قبل عام تقريباً، فهناك حركة كثيفة في سوق المدينة، ومجموعة من الباعة المتجولين ينتشرون في وسط السوق، وعلى الرغم من كثافة المواطنين في السوق الا ان المسرح لم يبق منه موضع قدم للبعض الذي جاء لمشاهدة الليلة الثقافية عبر مهرجان البركل الرابع بحضور نائب رئيس الجمهورية.
ثقافة وتراث على الحدود
في مساء السبت الماضي كان الكثير من اهل حلفا يعيشون الطرب على رقصات النوبة المميزة واغانيهم الخفيفة، الى جانب ابداعات الطمبور مع جعفر السقيد الذي امتع الكثيرين بكلماته العذبة في تلك الليلة. وظلت عصا نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن تلوح عالية وهي تحيي ابداعات الشمالية التى وصفها وزير الثقافة الطيب حسن بدوي بأنها ولاية للمبدعين والاقتصاد والمجاهدين، وابدى الطيب سعادته برعاية نائب الرئيس مثل هذه الابداعات، وقال ان الولاية بها آثار ضخمة، واصفاً الحضارة الافريقية بأنها كلها في السودان. وتحدث بدوي عن ضرورة الاستثمار في مجالات السياحة، وقال ان العام المقبل ستكون دنقلا فيه عاصمة للثقاقة السودانية، مشيراً الى ان دنقلا تمثل كل مدن الولاية مما يسهم في نشر ثقافتنا، وقال ان الفترة المقبلة ستشهد كثافة للعمل الثقافي في المحليات الحدودية خاصة في حلايب وابيي وغيرهما من المدن.
ما بين السياحة وكهربة القرى
وفي اليوم الثاني لزيارة نائب الرئيس لمحلية حلفا بدأ البرنامج بافتتاح اذاعة وادي حلفا التى كان نائب الرئيس قد تفقدها العام السابق ووجه بضرورة تحديثها لتصل مسافات بعيدة في المحلية، ثم افتتح مستشفى وادي حلفا الذي يضم احدث الاجهزة الطبية الا انه يفتقر للاختصاصيين، وهذا ما تطرق اليه معتمد حلفا هاني شلبي وعدد من قيادات المحلية في لقاء نائب الرئيس معهم، وقال شلبي ان بعض المرافق تحتاج للدعم مثل مستشفى غرب السكوت، الى جانب الكهرباء التى تحتاج الى ثمانية وعشرين مليون جنيه لانارة القرى، واكد شلبي في ذاك القاء الدعم الذي يقدم للتعليم، وطالب المعتمد بضرورة وجود كلية علوم وتكنولوجيا، واشار الى ان حلفا تعاني من نقص في المياه آملاً أن تحل مشكلتها مع (زيرو عطش)، وتحدث عن مورد السياحة التى يعول عليها كثيراً في المحلية التى تعتبر مؤهلة لذلك من خلال المتحف النوبي.
الصمود وحديث العارفين
والي الشمالية المهندس على العوض لم يتحدث كثيراً في لقاء قيادات المحلية، ولكنه تناول هموم اهل حلفا وصمودهم وحراستهم حدود السودان الشمالية طيلة السنوات الماضية. وقال العوض ان المحلية بها معدنين ومستثمرين وموعودة بنهضة كبيرة، مشيراً الى بداية تطوير المحلية، وقال ان هناك عدداً من القضايا تحتاج للدعم والمساندة، خاصة ان الولاية من الولايات الآمنة التى لها تنسيق بين اجهزتها المختلفة، وحينما فتح الوالي الفرصة للمشاركين لعرض مشكلاتهم وقضاياهم تدافع العشرات لتبليغ الشكوى من قلة الخدمات لنائب الرئيس.
المستشفى وانعدام الكادر
جل المتحدثين عن مشكلات حلفا اتفقوا على ما يحتاجونه من خدمات، وفي مقدمة المتحدثين كان منسق اللجان محمد محمود الذي تناول مشكلة كهرباء القرى والمشروعات الزراعية واراضي الاطماء التى يمكن ان يستفيد منها الاقتصاد السوداني كثيراً، فيما ذهب نور الدين محمد رئيس شورى الوطني بالمحلية الى قضايا الشباب في المحلية، وقال ان استادي حلفا وعبري يحتاجان الى تأهيل، وقال ان الشباب هنا في منطقة حدودية ومستهدفون، بيد ان احد القيادات بدا منفعلاً في عكس مشكلات المحلية ووجد تجاوباً كبيراً من الحضور، وعرفنا ممن يجاورنا ان اسمه عصمت، وهو من القيادات الواضحة والصريحة، حيث قال ان المستشفى جميل جداً ولكنه يفتقر للكادر العامل، واضاف ان الاموال التى تدخل من التعدين بامكانها ان تأتي بالعديد من الاختصاصيين للمستشفى، وقال: (نحن نريد طرقاً داخلية وما عايزين ترف فقط، بل خدمات ضرورية.)
المخدرات وخطر الحدود
فيما وصفت مريم سليمان هذه الزيارة بمثابة ليلة القدر لاهل حلفا، وقالت: (عندنا كلام كثير في بطنا عايزين نمرقو)، ووصفت معاناة حلفا بأنها صعبة ولم يتذوقها انسان قبلهم ولا بعدهم، وقالت ان لديهم مشكلتين اساسيتين، الاولى المستشفى والثانية السكة حديد التى توقفت ووقفت معها الحياة في كثير من القرى التى كانت تشرب من فنطاس القطار. واضافت قائلة: (ان توقف السكة حديد قطع الارحام بين اهل حلفا، ولا ندري حتى الآن سبب ايقاف قطار حلفا)، فيما قال القيادي بالحزب الاتحادي عصام سيد احمد: (ان المحلية تعاني كثيراً ولكن اصواتنا لم تصل للمسؤولين في الخرطوم). واضاف ان حلفا في بداية التسعينيات كان تعدادها خمسة آلاف نسمة، اما الآن فعدد السكان تضاعف كثيراً بفضل توفر الخدمات، الا ان بعض المناطق تعاني كثيراً من انعدام الخدمات. واشار الى خطة سكنية وزعت قبل سنوات الا ان المواطنين لم يبنوا منازلهم لعدم وجود الخدمات، منبها الى ضرورة الاهتمام بالشباب المهدد بخطر المخدرات عبر الحدود، وقال: (لا بد اشغال الشباب بالرياضة والوظائف).
ما بين الحوض النوبي والمركز
جميع المتحدثين اتفقوا على مشكلات المحلية، وبعضهم ذهب لمشكلات الضفة الغربية، حيث قال سيف الدين محمد سعيد ان الضفة الغربية لم تحظ بزيارة مسؤول رئاسي من قبل، وهي تحتاج الى مستشفي ومعدية، ونبه الى ضرورة الاهتمام بالحوض النوبي حيث توجد (14) مليون فدان في الحوض النوبي.
اما رئيس اتحاد المرأة بالمحلية ناهد طمبل فقد طالبت باصدار مرسوم جمهوري بجعل معبر اشكيت لعبور الركاب وأرقين للشاحنات، وقالت ان هذا الطريق تكسر بسبب الشاحنات المصرية الى جانب موت الكثيرين بسبب هذه الشاحنات، وطالبت بترفيع مستشفى حلفا ليصبح تعليمياً حتى يأتي اختصاصيون اليه، فيما طالب عدد من القيادات بالاهتمام بمياه الشرب وانشاء منطقة حرة للتجارة وتأسيس مركز اعلامي للاهتمام بالآثار والتراث ومشروعات لتشغيل الشباب.
علامات ارتياح
بدت علامات الارتياح على نائب الرئيس من الوضوح الذي قدمت به المطالب لاهل حلفا، وقال: (الصراحة فيها راحة)، وقال حسبو إن حلفا اليوم تختلف عن حلفا قبل عام، في إشارة الى توفير الكثير من الخدمات، مشيراً الى الزيادة الكبيرة في عدد سكان المدينة، ووعد سكان حلفا بتنفيذ جل المطالب التي ذكرت، وقال: (نحن نسعى الى ان تعود حلفا افضل من السابق، وان البلاد هذه الأيام تحتفل باعياد الاستقلال الذي كان لاهل حلفا فيه دور كبير). واكد حسبو ان افضل مشروع سياسي في السودان بعد الاستقلال هو الحوار الوطني، ووصف الحوار بأنه منهج حياة يتطلب ان يتناقش الناس ويختلفوا، ولكن يحترمون بعضهم، واكد حسبو ان الانقاذ ما فيها تهميش لمنطقة، وقال ان هناك معايير لتقسيم السلطة والثروة، وأوضح ان السودان به (190) محلية وبعضها يفتقر للموارد، اما حلفا فلديها النيل والسياحة والتعدين، وبشر حسبو بتنظيم ملتقى لتنمية حلفا ودلقو ويساهم فيه الجميع، ووجه حسبو بتوطين العلاج في حلفا بالتعاقد مع اختصاصيين وتوفير كل ما يحتاجونه من مال وسكن، وان دعا الأمر تزويجهم من حلفا، ومن توجيهات النائب قيام مستشفى مرجعي وتعليمي، وقال: (كلنا مع بعض لتنمية حلفا، وعايزين جهد شعبي، واول توجيه عايزين توطين العلاج ونجيب اختصاصيين للمحلية)، ووجه بقيام مستشفى مرجعي وتعليمي، وإنشاء جامعة حلفا ويطلق عليها جامعة الشهيد فتحي خليل، الى جانب المواصلة في كهربة المشروعات حتى تقلل تكلفة الانتاج، وقال: (سنعطي اولوية للسكة حديد ومطار حلفا والطرق الداخلية)، ووجه بتشييد استادي حلفا وعبرين وقال: (نريد فريقاً من حلفا في الممتاز). وطالب حسبو بضرورة توحيد الصف في حلفا، واعداً بتحقيق كافة المطالب التى ذكرت بما فيها مستشفى السكوت، وتنظيم زيارة للمناطق الغربية لتفقد الخدمات فيها.
الانتباهه.