سياسية

الخلافات داخل “النادي الكاثوليكي”.. (الوطني).. ليرتفع المعنى لا الصوت


اعتصر رأسك دقيقة ثم أجب على السؤال الآتي: لمن تتوقع أن يعود هتاف (قائمة هزيلة يجب تبديلا)، ثم لأي سبب ترى قد جرى إطلاقه. لا داعٍ لأن نذهب بعيداً فجلّنا نتفق تقريباً على أن الهتاف يشبه الإسلاميين أصحاب هتاف (حكومة رشيدة يجب تأييدها)، وبالتالي فتلك حقيقة بأن ذلك الهتاف أطلقه محامو حزب المؤتمر الوطني.
المفارقة تكمن في الإجابة على الجزئية الثانية من السؤال، حيث لم يطلق الهتاف بحق قائمة مناوئة على رأسها أحزاب اليسار العتيدة، وإنما أطلقته حناجر تدين بالولاء للمؤتمر الوطني، وترفض ترشيح القاضي عثمان محمد شريف لمنصب نقيب المحامين، وتذهب إلى أحقية هاشم أبوبكر الجعلي. وإن كنت تريد الذهاب بدهشتك حتى منتهاها، فإن محامين في الوطني، دفعوا بقائمة موازية للقائمة التي رفعها الحزب للمنافسة على منصب النقيب وبقية أعضاء المكتب التنفيذي للنقابة عالية الأهمية.

تباينات
لسنا هنا في صدد مناقشة قضية قانونية ذات صلة بانتخابات نقابة المحامين، ولكن غير بعيد من هذه القضية، نعمل على مناقشة الحادثة ضمن حوادث أخريات لنتساءل عما يجري في الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني).
فمع كل ملمة كبيرة، تصطف الآراء بين مؤيد ومعارض، ثم تبدأ لعبة شد الأطراف، في حزب يقال إن الأيدولوجيا تجعل الجميع يتراص خلف القرارات وينصاع انصياع جندي حديث التجنيد لأوامر الفيالق الذين يعلونه نجماً ودبوراً.
وعند هذه النقطة، علينا تذكر أحاديث (المؤتمرين) الذين ينفون بشدة أحاديث القبضة المركزية، ويقولون بوفير الديمقراطية، أو فلنقل بعبارتهم الأقرب لهم (الشورى)، حد الإطاحة بعرَّاب الحركة الإسلامية، الراحل د. حسن عبد الله الترابي في مفاصلة رمضان الشهيرة، في تدليل غير قابل للنقض على انعدام سقوفات المناقشة والمناطحة داخل ورثة الإسلاميين في السلطة.

نماذج
إن كنّا ذكرنا حادثة المحامين التي شقت صف الوطني، فمن ينسى أمر ترشيح الرئيس عمر البشير لولاية جديدة. فقرار ترشيح الرئيس سابقاً قاد لشق الحزب، وتخلق حركة الإصلاح الآن بقيادة د. غازي صلاح الدين العتباني، الذي رفض في 2015م ترشيح البشير. ثم مع اقتراب أوان انتخابات 2020م خرج د. أمين حسن عمر وآخرون لينادوا بديمومة حال الدستور وعدم ترشيح البشير مجدداً. وعند هذه النقطة نذكر بأن حادثة الترشيح تقدم دليلاً على أن التباين في أروقة الوطني وصل منتهاه، ولنؤكد ذلك لنرفد قارئ (الصيحة) بنموذج ما يجري في عدد من الولايات بين الولاة والمجالس التشريعية، ولنبدأ بكبير الولاة وأكثرهم بقاء في الكرسي، محمد طاهر إيلا.
وخاض والي الجزيرة حرباً ضروساً ضد المجلس الولائي، ولم تفلح كل جهود التسوية بين الطرفين، فتدخل البشير بسلطاته، معلناً حالة الطوارئ، وحالاً للمجلس التشريعي المتهم أعضاؤه بتقويض جهود إيلا في عمليات تنمية الولاية الوسطية.
وبالرغم من مساندة المركز لإيلا، ورفع حالة الطوارئ بالجزيرة، فإن وفداً من الولاية يسعى هذه الأيام لمقابلة البشير بحسب ما أوردت الزميلة (الانتباهة) في محاولة لعكس مشكلات الولاية. وجنباً لإيلا يخوض ولاة كسلا، وجنوب كردفان، والبحر الأحمر، صراعات مع ولاتهم، هذا وإن كان الرئيس قد حسم أمر استمرار الولاة حتى أوان انتخابات 2020م.

تغييرات
قبيل انتخابات العام 2015م كانت الأحوال هادئة داخل الحزب الحاكم، فحتى قرارات بصعوبة إبعاد قيادات بوزن علي عثمان محمد طه، ونافع علي نافع؛ مرت دون إحداث شروخ ومفاصلات في الوطني كما توقع كثيرون. ثم جاء تعديل الدستور، ليعطي الرئيس الحق في تعيين الولاة، ليقضي على بذور الفتن القبلية التي بدأت نذرها بالإطلالة صراحة في المشهد داخل الحزب الحاكم. فما الذي جرى عقبها لترتفع أصوات الخلاف داخل الحزب الذي طالما باهى بتماسكه في مقابل تصدعات الأحزاب الأخرى.
حديث خبير، فليس هناك أفضل حديثاً وقيلاً في هذا الأمر من حديث رئيس قطاع الاتصال التنظيمي في حزب المؤتمر الوطني، د. أزهري التجاني.
وقال التجاني في حوار موسوم مع الزميلة (اليوم التالي)، إن سبب القلاقل الرئيس داخل حزبه، منبعه ومؤداه إحالة قيادات كانت ملء العين والبصر، إلى الرصيف. ويرى أزهري أن الحل يكمن في إعادة استيعاب وتوظيف أولئك القادة ضمن العملية السياسية وإلا صاروا خمائر عكننة لجهود الوطني في الدخول موحداً لانتخابات العام 2020م.
وفي شأن الخلافات التي تضرب الوطني، ووصلت إلى الشارة الحمراء في عدد من الولايات يقول إن لوائح الحزب حسمت هذه الخلافات، وقادرة على حسم اللاحق منها، وأنه لا سبيل للذهاب بهذه الخلافات إلى خارج المؤسسات.

إبعاد الكبار
لموازنة الأمر ومعايرته بالأساليب العلمية، لجأنا في (الصيحة) إلى المحلل السياسي، نعيم الطاهر، لنعرف رأيه فيما يجري بأروقة الحزب الحاكم من تجاذبات. يقول نعيم إن محاولات تحويل حزب المؤتمر الوطني ذي الصبغة الإسلامية إلى تيار عريض لأغراض انتخابية قاد إلى وجود مجموعات متشاكسة بداخله، ولم يعد في الإمكان إخماد صوتها نتيجة حالة الارتخاء الكبيرة التي نجمت بعد مغادرة رجل التنظيم نافع علي نافع. مؤكداً أنه في حال استمر الوطني على ذات المنوال فسيتآكل نصيبه في الفوز بانتخابات 2020م إلى حدود غير مسبوقة، مشيراً إلى أنه مع ارتفاع الأصوات في الوطني، وتراجع المعاني، تلزم الحزب قرارات قوية بالعودة إلى إحكام الأيدولوجيا، وحمل الناس حملاً على اتخاذ قرارات أحادية حتى لأولئك الرافضة.

الصيحة.