سياسية

منصب الرئيس.. هل بات الطريق ممهداً لترشح البشير


بالطبع لا حديث يطغى على السياسة بخلاف الأزمة الاقتصادية سوى استمرار المبادرات الداعمة ليأتي الرئيس المشير عمر البشير لدورة رئاسية جديدة. والشاخص لمجريات الأمور يجد بأن البشير بات الأقرب حظاً ليأتي مرشحاً لحزبه الحاكم المؤتمر الوطني في ظل إحجام القوى السياسية حتى الآن عن مجرد الحديث عن انتخابات 2020 .

الغوص والحديث بملف الرئاسة، بات أمراً محفوفاً بالأشواك ليس لسبب غير عزوف لمسؤولين عن الإفادة والتصريح في هذا الملف، وقد يصنف من يتحدثون الى أشخاص أو مجموعات، ورغماً عن ذلك، استمرت المبادرات الشعبية والسياسية بترشيح الرئيس لدورة جديدة، وهو الخيار الذي بات راجحاً، غير أن القيادي بالوطني والحركة الإسلامية علي عثمان محمد طه، قد كسر القاعدة التي ذكرتها أعلاه وخرج في حوار مع الزميلة (المجهر) أجراه الأستاذ الهندي عز الدين ليدعم خط ترشح الرئيس، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً، لجهة أن المتحدث هذه المرة قيادي من العيار الثقيل يدعم هذا الخط .
مرشح الحزب
وأثارت إفادات طه في عدد الأربعاء بالزميلة (المجهر) جدلاً واسعاً لعدة أسباب، أبزرها أن الرجل ظل غائباً عن المشهد الإعلامي رغم تحركاته الماكوكية داخل الحزب الحاكم، وليس خافياً بأنه يترشح رئاسة لجنة لدمج الحزب والحركة الإسلامية.
وقال طه : (بأن الوطني حتى يكون قادراً على توجيه الساحة السياسية، ينبغي ألا يظل حبيساً للإجراءات واللوائح، وأن يبدأ النظر في أمر الترشيح للرئاسة بتمعن لمبادرة قوى سياسية أخرى أو تنفلت عنه بعض مؤسساته خارج النسق العام).
ولعل أبرز إفادات الرجل في الحوار المذكور، قال فيه ( إذا كان من حق المواطن انتخاب الرئيس بحرية وديمقراطية، فلا ينبغي التركيز على عدد الدورات ) هذه الجزئية تحديداً كانت بمثابة تمهيد بأنه الرئيس القادم وأن تعديل الدستور كيف لا وهو يخرج من قيادي بوزن طه الأكاديمي والقانوني والسياسي، ولن تمر تصريحاته بلا صدى وستحرك الكثير من المياه داخل الوطني في اتجاه تعزيز ترشح البشير، لجهة أن النائب الأول السابق يحتكم الى قاعدة شعبية داخلية.
وأمس الأول (الخميس) بالزميلة (آخر لحظة)، احتل خبر حول الترشيح مانشيتاً عريضاً وجاذباً، جاء في عنوانه ( الوطني : ليس للحزب مرشح غير البشير) وقطعاً هو عنوان يجعل أي شخص يستعجل لسرعة الوصول الى سطوره .
وفي ثنايا الخبر جاء الآتي: ( قال القيادي بالمؤتمر الوطني ورئيس لجنة التشريع والعدل وحقوق الإنسان بالمجلس الوطني عمر نمر بأنه ليس للوطني مرشح للرئاسة في الانتخابات غير البشير، كاشفاً عن بروز خط قوي داخل الحزب الحاكم يدعم ترشيح المشير البشير رئيساً لدورة جديدة، واستشهد نمر لمندوبة (آخر لحظة) بأن جميع مؤتمرات الشورى بالولايات أوصت بترشيحه، وأبدى في ذات الوقت تفاؤلاً كبيراً بدعم وتأييد القوى السياسية لترشيح الرئيس.
الى هنا انتهى الخبر المذكور، ولكن ثمة جملة من الأسئلة التي تبرز الى السطح ، كل ما جاء أمر الترشح، لماذا لم يحسم الوطني أمره بعد، والى أين تمضي الأمور داخله وكيف سيتم إقناع التيار الرافض للبشير حال كانت رغبة الأغلبية ترشيح البشير ؟.
ولكن إذا ما أجريت قراءة سريعة في كواليس الحزب الحاكم ، تجد بأن كل المؤشرات بدأت تؤكد بأن مسألة حسم ترشيح البشير باتت مسألة وقت ليس إلا، والدليل على ذلك لم تظهر حتى الآن أية هوية لخليفة محتمل أو حتى تمت مناقشته على نطاق ضيق ليتحول السؤال من جملة الأسئلة المذكورة أعلاه الى متى سيحسم الوطني ترشيح البشير، وإذا ما شخصت مجريات الراهن داخل الوطني، فستجد بأن كل المؤتمرات التي عقدت للشورى رشحت البشير بجانب ولايات كثيرة أمنت على ذلك، أضف الى ذلك المبادرات الشعبية من مكونات المجتمع المدني والطرق الصوفية وغيرها، وحتى قيادات القوى المشاركة بالحوار الوطني
الداعمين لترشيح الرئيس.
ويبقى الداعمين لترشح رئيس الجمهورية لفترة رئاسية جديدة كثر جداً حيث أعلنت قوى سياسية وقيادات ومكونات مجتمع مدني ترشحها للرجل بصورة علنية.
وبدأت المبادرات من ولاية جنوب دارفور في سبتمبر الماضي حينما زار خلالها الرئيس معسكرات كلمة وشطايا، ووجد فيها تأييداً ودعماً كبيراً من أهالي الولاية ليترشح لفترة جديدة، وتوالت بعدها فصول الدعم فهتفت جماهير الجزيرة وقدمت الولاء لترشيحه لدورة جديدة، ثم كسلا ومن بعدها الشمالية والنيل الأزرق ومروراً بسنار .
وعلى مستوى الأحزاب السياسية ، فقد تبارت القوى في الإثناء والإطراء على شخصيته ووجوب دعمه، فكان أن أعلن الأمين العام بالحزب الاتحادي الديمقراطي ووزير الإعلام أحمد بلال عثمان دعمهم المطلق ليأتي المشير على رأس دورة تبدأ من 2020 وقال الوزير في إفادات لــ(الإنتباهة) قبيل أسبوعين بأنه من الضروري أن يأتي الرئيس لدورة جديدة لجهة أنه الضامن لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، مؤكداً أهمية إكماله لهذا المشروع بتجديد دورة رئاسية جديدة له ، منوهاً الى أن الدستور ليس قرآناً ويمكن تعديله.
تصريحات بلال، لم تكن وحيدة، فحتى خصمه اللدود القيادية إشراقة سيد محمود قد أطلقت مبادرة لترشيحه في أكتوبر الماضي، فيما مضى على ذات النسق رئيس حزب الأمة الإصلاح والتجديد ووزير الدولة بالرعاية إبراهيم آدم والذي أمَّن على ترشيح الرئيس.
وعلى مستوى الحزب الحاكم، بدأ واضحاً الرغبة الواضحة بالدفع بالبشير مرشحاً. فالمجالس التشريعية بالولايات وآخرها ولاية الخرطوم دعمت هذا الخط فيما أجل الشورى القومي أمر ترشحه بعد أن طرحه العضو محمد الأمين الى وقت لاحق، بحجة أنه غير مدرج في الأجندة .
وعلى مستوى الأحزاب السياسية، فيرى المراقبون بأن أحزاب في وزن الاتحادي الأصل بزعامة الميرغني سيدعمون ترشح البشير، وذلك من واقع الشراكة الناجحة خلال السنوات الماضية بين الاتحادي الأصل والوطني والذي كان يقف على رأس إدارتها البشير ، في حين التزمت بعض الأحزاب السياسية الصمت دون إبداء أي رأي واضح فيما يخص ترشحه ، خاصة المؤتمر الشعبي الذي لم يعلق حتى الآن على مسألة الانتخابات ومرشح رئاسة الجمهورية.
وعلى مستوى آلية الحوار الوطني، فقد أكد أمين عام أحزاب الوحدة الوطنية ووزير الدولة بالبيئة وعضو الآلية التنسيقية العليا لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني عبود جابر خلال إفادات لــ(الإنتباهة) بأنهم في مجلس أحزاب الوحدة الوطنية نأمل جنب الى جنب تضامناً من أجل تعديل عملية التحول الديمقراطي والتبادل السلمي للسلطة ونرفض رفضاً باتاً التعامل عبر السلاح للاستيلاء على السلطة ، ونعلن استعدادنا كأحزاب سياسية لخوض العملية الانتخابية بنوع من النشاط والقوة.
وأضاف جابر بأنه فيما يلي العملية الانتخابية بالنسبة لرئاسة الجمهورية يتم الآن التشاور بيننا كأحزاب لإنجاح انتخابات رئاسة الجمهورية بنوع من التوافق والإيجابية، وسنتداول مع المؤتمر الوطني في تشاور متكامل لمرشحه لرئاسة الجمهورية 2020.
واعتبر جابر بأن رئيس الجمهورية المشير البشير بذل جهوداً مقدرة في عملية السلام في السودان، ولا زال يعمل وهو الأقرب لقلب الشعب السوداني ويحظى بجماهيرية وقاعدة عريضة، وزاد : سنستكمل التشاور لدفع اسمه مرشحاً للرئاسة في الانتخابات المقبلة ، وأشار عبود الى أن البشير يظل الضامن لعملية الحوار الوطني، وبالتالي من الأنسب في الوقت الراهن أن يكون رئيساً للبلاد لدورة جديدة لاستكمال عملية السلام والاستقرار. واسترسل قائلاً : سأعمل مع المجموعات لإنفاذ هذا الأمر وجعله واقعاً خلال العملية الانتخابية المقبلة وسنتواصل مع الشعب السوداني في كافة أنحاء البلاد لتعزيز وإنجاح الانتخابات في 2020.
زوايا الساعوري
الخبير والمحلل السياسي البروفيسور حسن الساعوري ابتدر حديثه رافضاً الجزم بتوقعات الأحداث خلال مارثون 2020 وقال لــ(الإنتباهة) بأن ترشيح الرئيس يجب أن ينظر إليه من عدة زوايا .
الزواية الأولى- بحسب الساعوري- في ترشيح الرئيس تعكس بأن الدستور ليس مرجعياً ويخضع لعلاقاتنا وتصرفاتنا، وبالتالي بالإمكان أن يتم تجاهله. فيما أضاف قائلاً الزواية الثانية تعكس بأن الحزب الحاكم لم يستطع طيلة هذه الفترة بأن يعد بديلاً للرئيس البشير ، بمعنى أنه ليس هنالك من يستطيع أن يقود الوطني غير الرئيس. أما الزاوية الثالثة في معرض إفادة الخبير السياسي الساعوري، فيقول عنها : الخوف من أي مرشح غير البشير قد لا ينافس في الانتخابات الرئاسية القادمة، هذا معناه بأن المؤتمر الوطني لم يستطع أن يضمن شعبية ملتزمة يمكن أن تصوت لأي شخصية تكون ممثلة للحزب الحاكم.
أما الزاوية الرابعة والأخيرة للساعوري، فهي أن السلطة في السودان جاءت عن طريق انقلاب عسكري ويبدو أن الوطني أن يظل شبحاً للعسكرية ضماناً لعدم الانفلات وأن يدخل السودان في مسالك أمنية خطيرة تحتاج الى الجيش،
وأضاف محدثي قائلاً بأن الطريق ليس سهلاً لترشح الرئيس خاصة وأن هنالك تيار داخل الحزب الحاكم نفسه لا يريد تعديل الدستور ومتمسكين بالمرجعية الدستورية، وبالتالي التوقعات تبقى صعبة في هذا الراهن .
الكاتب الصحافي فتح الرحمن النحاس، علق لــ(الإنتباهة) بأنه لا بديل غير الرئيس البشير مرشحاً لرئاسة الجمهورية للمؤتمر الوطني، باعتبار أن الرئيس تحمل مسؤولية البلاد لقرابة الثلاثين عاماً دون كلل أو ملل وفي ظل ظروف استثنائية وإقليمية ودولية معقدة وصعبة ، وأنجز الكثير ويمثل ملتقى وفاق وشخصية تحظى بتوافق ومحبة كبيرة بالشارع السوداني والمؤتمر الوطني، واعتبر النحاس بأن الوطني لم يجهز بديلاً ليقود المرحلة المقبلة ، مما يعزز فرص البشير للعملية الانتخابية.
وأوضح محدثي بأن تصريحات علي عثمان للزميلة (المجهر) قبل أيام تدل على عقلانية الرجل وفهمه للواقع السوداني والمرحلة السياسية بالوقت الراهن، وأن حديثه حمل الكثير من الحصافة والإدراك وفهم الرجل القائد. وتوقع النحاس تعديل الدستور في أي وقت خلال الفترة المقبلة وقال : الدستور ليس منزلاً وبالإمكان تعديله حال اتسق مع الرغبة الجماهيرية.
فيما يرى مراقبون بأن أمر ترشح البشير بات مسألة وقت ليس إلا ، وذلك لأن الوطني لم يجهز بديلاً لإيمانه بأن الرجل هو الأنسب لقيادة المرحلة المقبلة بجانب الشعبية التي يحظى بها بالإضافة الى أن الحزب الحاكم لا يريد أن يغامر بتقديم مرشح قد يخلق أزمة داخله او لا يحظى بذات الكاريزما والقبول الذي يتمتع به الرئيس.

الانتباهه.