عندما غطت راية حزب الله وجه الحريري
عقب ظهور نتائج الانتخابات التشريعية اللبنانية، أقر رئيس الوزراء زعيم تيار المستقبل سعد الحريري بخسارة ثلث كتلته في البرلمان المكون من 128 نائبا، دون أن يذهب إلى وصف ما حدث بالهزيمة.
أما حسن نصر الله زعيم حزب الله -الذي حافظ مع حركة أمل على كتلتهما النيابية، وأضافا إليها نوابا من كتل أخرى حليفة- فخاطب اللبنانيين خطاب المنتصر، مستخلصا المغزى الإقليمي للنتائج وأبرزها “أن المجلس النيابي الجديد بتركيبته، يشكل ضمانة لحماية الخيار الإستراتيجي للمقاومة والمعادلة الذهبية: الجيش والشعب والمقاومة”.
ردود الأفعال على هذه النتائج صدرت بذات اليوم عن الأطراف الإقليمية المعنية بمغزاها خارج لبنان وداخله. فسارع وزير التربية في الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت إلى اعتبار أن “لبنان بعد النتائج هو حزب الله”، ورأت الخارجية المصرية أن انتخابات لبنان وقدرة شعبه على الحفاظ على الاستقرار “يبعث على الأمل والاطمئنان”.
واعتبر علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية بدوره أن الانتخابات حققت نتائج “خلافا لمزاعم الصهاينة ومؤامرات السعودية”، أما السعودية والإمارات فأوفدتا في اليوم ذاته سفيريهما في بيروت وليد البخاري وحمد الشامسي للقاء الحريري بمنزله، ليكونا “أول المهنئين للرئيس الحريري على فوزه في الانتخابات النيابية”، بحسب صحيفة المستقبل.
حسن نصر الله معلنا الفوز بالانتخابات النيابية (الجزيرة)
في شوارع العاصمة بيروت كان ثمة منتصرون ومهزومون، فظهرت مسيرات أنصار حركة أمل وحزب الله في بعض أحياء بيروت، وغُطيَ تمثال رفيق الحريري البرونزي في حي عين المريسة بعلم حزب الله.
وحصلت في تلك الغضون اشتباكات بالأيدي والعصي تخللها إطلاق نار بين رواد المواكب وأنصار تيار المستقبل في حي عائشة بكار، وهو ما دفع رئيس مجلس النواب زعيم حركة أمل نبيه بري إلى إصدار بيان استنكر فيه “الممارسات المسيئة التي قامت بها بعض المواكب السيارة التي جابت شوارع العاصمة بيروت وطاولت رموزا ومقرات ومقامات نحترم ونجل”.
الإعلام المحلي انشغل في استعراض نتائج التصويت وارتداداتها على التوازنات الداخلية، فاعتبر إبراهيم الأمين في افتتاحية صحيفة الأخبار أن سعد الحريري “تلقى الصفعة الكبرى في تاريخه. ولم يعد بمقدوره الحديث عن احتكار التمثيل السني في البلاد واحتكار تمثيل المدن الكبيرة”، وأضاف أن ما خسره الحريري من العرقوب إلى صيدا وجبل لبنان وبيروت وطرابلس وصولا إلى زحلة والبقاع الغربي، “لن تعوضه نتائج عكار التي قامت على ودائع غازي كنعان”، وهي إشارة إلى المنطقة الوحيدة التي حقق فيها تيار المستقبل نتائج طيبة.
وأجمع الإعلام المحلي على أن أبرز المفاجآت تمثلت بالخسارة المدوية للوزير السابق أشرف ريفي المصنف بأنه صاحب أكثر الخطابات تشددا حيال حزب الله، رغم أن كتلة مدعومة منه كانت قد اكتسحت كامل مقاعد المجلس البلدي في طرابلس خلال الانتخابات البلدية عام 2016.
وفي خطاب وجهه لأنصاره بعد إعلان النتائج، ألمح ريفي مجددا لحزب الله بقوله “الدويلة تحكم سيطرتها. كنتُ كما الكثير منكم لا أتمنى أن أعيش لأشاهد راية من اغتالوا رفيق الحريري تغطي وجهه في وسط بيروت. نعم، هذا اغتيالٌ ثانٍ لرفيق الحريري وللبنان، وتلك هي نتائج الانتخابات، ومهمَّتنا في إنقاذ لبنان باتت أصعب، لكننا مستمرون”.
وفي حين تضمنت رسالة ريفي إشارة إلى عزمه على تقييم النتائج قائلا “تحمُّلي للمسؤولية أكيد، وتشخيص الأسباب التي أَنتجَت الخسارة حتميّ”، إلا أن مقاربة نقدية مشابهة لم تصدر عن تيار المستقبل أو سعد الحريري نفسه.
غير أن الصحفي طوني فرنسيس حاول تقديم تفسير أسباب هزيمة الحريري. فنقلت هيئة الإذاعة البريطانية ( بي بي سي ) عنه قوله إن خسائر تيار الحريري عائدة إلى عاملين: الأول هو طبيعة القانون الذي أتاح للعديد من المرشحين أن يترشحوا وأن يطمحوا للفوز بنسب معينة، بالتالي تعددت اللوائح خصوصا في الدوائر التي خاض فيها تيار رئيس الحكومة الانتخابات، وتحديدا في العاصمة بيروت وطرابلس.
الأمر الثاني الذي ساهم في الخسارة -وفقا لفرنسيس- هو ضعف الإقبال على الانتخابات، “وهي إشارة ضمنية إلى نجاح خصوم الحريري كحزب الله وحركة أمل بحشد الأنصار بمراكز الاقتراع، مقابل بقاء أنصار المستقبل والمترددين في بيوتهم”، علما بأن وزارة الداخلية أشارت إلى أن نسبة المشاركة في التصويت لم تتعد 49.2%.
أنصار تيار المستقبل لم يحصدوا نتائج قوية في دائرة بيروت الثانية (الجزيرة)
بهذا الصدد، أشار مقال في صحيفة “الجمهورية” اللبنانية إلى ما أسماه الانكفاء السني عن التصويت، فنقل عن مقربين من تيار “المستقبل” قولهم إن الذي حصل في دائرة بيروت الثانية (مركز ثقل الحريري) هو أقرب إلى “انتحارٍ جماعي”.
وأضاف المقال أن الانكفاء السنّي الواسع عن التصويت وتكاثر اللوائح المنافسة للحريري والمشتقة من نسيج سياسي واجتماعي متشابه، أديا إلى تبعثر الأصوات السنّية وتشتّتها، فيما حافظت الكتلة الناخبة الشيعية على تماسكها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى “كتلة” “جمعية المشاريع” المعروفة بالأحباش، وهو ما سمح للائحة “وحدة بيروت” -المدعومة من حزب الله- بتحقيق نتيجة جيدة تمثلت في نيلها 45 ألف صوت، في مقابل 60 ألفا للائحة الحريري.
أما عن المرحلة اللاحقة على صدور النتائج والبحث في تشكيل حكومة جديدة، فقد تناولها الحريري المرشح للتكليف مقللا من تداعيات ذلك على مستقبل تياره السياسي الذي يؤخذ عليه تقديمه العديد من التنازلات لصالح حزب الله في السنوات الأخيرة. وقال “لبنان لا يحكم إلا بجميع مكوناته السياسية. علينا أن نعمل مع بعضنا لبناء البلد فهو لم يعد يتحمل خلافات سياسية”.
في المقابل، اعتبر أندرو تابلر من معهد واشنطن أن وضع الحريري “سيكون أضعف في أي حكومة قادمة. وقدرته على وضع حد لحزب الله أو كبح جماحه في لبنان ستكون محدودة جدا”.
المصدر :الجزيرة