طب وصحة

علماء أنقذوا البشرية من مرض قاتل مقابل دولار واحد

على مدار المئة سنة الأخيرة، تحسنت حياة مرضى السكري بشكل كبير، ويعزى السبب في ذلك أساساً إلى التقدم العلمي في المجال الطبي الذي مكن من كشف الكثير من خفايا هذا المرض والأعضاء المسؤولة عنه وتأثيراته على الجسم.

في غضون ذلك يعود تاريخ مرض السكري إلى حوالي ثلاثة آلاف سنة مضت، حيث تحدث المصريون القدامى والأطباء الهنود عن عدد من أعراض هذا المرض المزمن. وإلى حدود القرن العشرين، مثل السكري مرضاً قاتلاً، حيث هلك كل من أصيب به خلال فترة وجيزة. فضلاً عن ذلك مثلت التغذية الخالية من السكريات والغنية بالدهون والبروتينات العلاج الوحيد لهذا المرض، حيث سمح هذا النظام الغذائي لمرضى السكري بالعيش لمدة لا تتجاوز سنة واحدة كأقصى تقدير.

وفي مطلع عشرينيات القرن الماضي، شكك الكثير من العلماء في إمكانية ارتباط السكري بخلل في الجهاز الهضمي. وتزامناً مع ذلك اتجهت نسبة هامة منهم للحديث عن دور البنكرياس بالتسبب في هذا المرض القاتل.

وخلال صيف 1921، حققت مجموعة من الباحثين بجامعة تورونتو الكندية إنجازاً غير مسبوق في تاريخ البشرية. فخلال تلك الفترة تمكن الطبيب الكندي فردريك بانتنغ والباحث تشارلز بست من إحداث ثورة حقيقية خلال بحثهما عن المادة الأساسية القادرة على التسبب في ظهور مرض السكري، وذلك بعد حصولهما على دعم من الطبيب والعالم الاسكتلندي جون مكليود.
وأقدم هؤلاء العلماء على عزل مادة استخرجت من بنكرياس كلب ليتم عقب ذلك حقنها داخل أجسام مجموعة أخرى من الكلاب الذين استأصلت لديهم البنكرياس. وعلى إثر ذلك، لاحظوا قدرة هذه المادة على إنقاذ الكلاب المصابين بالسكري. وخلال هذه التجربة، حقق الباحثون بجامعة تورونتو نجاحاً محدوداً، حيث تمكنوا من استخراج كمية محدودة جداً من مادة الأنسولين. وأثناء عملية حقن الكلاب كانت كمية الأنسولين مخلوطة بعدد من المواد الأخرى.

وخلال الفترة التالية انضم الطبيب الكندي جيمس كوليب إلى فريق الأبحاث. ومنذ البداية حمل الأخير على عاتقه مهمة استخراج أنسولين نقي خال من المواد الأخرى. وبينما واصل كل من بانتنغ وبست أبحاثهما على الكلاب، اتجه جيمس كوليب نحو إجراء التجارب على بنكرياس الأبقار التي كان يحصل عليهما من مسلخ المدينة.

وفي الثاني من كانون الأول/ديسمبر 1921، حل طفل يدعى ليونارد طومسون، يبلغ من العمر 14 سنة، بمستشفى تورونتو. وخلال تلك الفترة كان طومسون شاحب الوجه يعاني من مرض السكري ونقص في الوزن. وتزامناً مع إجراء بعض التحاليل عليه، أكد الأطباء أن الطفل سيفارق الحياة خلال الأسابيع القادمة.

وفي الحادي عشر من كانون الثاني/يناير 1922، ومن خلال تجربة فريدة من نوعها، أقدم الباحثون على حقن طومسون بكمية بسيطة من مادة الأنسولين النقي الذي تم الحصول عليه انطلاقاً من بنكرياس الأبقار. وفي اليوم التالي تراجعت قيمة سكر الدم لدى الطفل المصاب بالسكري من mmol/L 24,5 إلى mmol/L 17,8. وحققت هذه التجربة الأولى نجاحاً محدوداً، حيث لاحظ الأطباء تواصل وجود السكر (الغلوكوز ) في بول الطفل. وخلال الأيام التالية واصل جيمس كوليب العمل من أجل جعل الأنسولين المستخرج من بنكرياس الأبقار أكثر نقاءً.

وبعد مضي 11 يوماً على التجربة الأولى، أعاد الباحثون التجربة مرة ثانية، حيث تم حقن طومسون مرة أخرى بمادة الأنسولين. فحققت التجربة الثانية نجاحاً مذهلاً، حيث تراجعت قيمة سكر الدم لدى الطفل من mmol/L 28,9 إلى حوالي 6,7 mmol/L. فضلاً عن ذلك، لاحظ الجميع زوال نسبة السكر التي كانت موجودة في بول الطفل. وخلال اليومين التاليين، لم يتلق طومسون أية جرعة أخرى من مادة الأنسولين، ولهذا السبب ارتفعت قيمة سكر الدم لديه، وإثر ذلك قرر الأطباء حقن الطفل المريض يومياً بالأنسولين.

وفي حدود شباط/فبراير 1922، تمت معالجة 6 مصابين آخرين بمرض السكري باستخدام مادة الأنسولين. وخلال تلك الفترة كانت النتائج إيجابية، حيث تراجعت قيمة سكر الدم لديهم بشكل واضح نحو القيمة العادية لدى الإنسان.

وفي بادئ الأمر أطلق الجميع على هذه المادة الجديدة المكتشفة اسم isletin، لكن مع حلول نيسان/أبريل 1922، تمت تسميتها بشكل رسمي بأنسولين insulin.

وتزامناً مع نجاح هذه التجارب، وافق الباحثون على القيام بحركة نبيلة، حيث تم التفريط في براءة اختراع الأنسولين لجامعة تورونتو مقابل مبلغ رمزي قدر بحوالي دولار واحد لكل فرد منهم. كما سعى الباحثون إلى توفير هذا الدواء بأقل الأسعار لمرضى السكري. وعلى أثر ذلك، منحت جامعة تورونتو تراخيص إنتاج الأنسولين بشكل مجاني لمؤسسات صناعة الأدوية.

العربية نت