رأي ومقالات

ضياء الدين بلال: (شغل خم ساي)!


-1- في كُلِّ مرَّة أجد هناك ضرورةً مُلحَّة لتكرار التنبيه والتحذير، من جزافية إطلاق الأرقام والنِّسَب.

للأسف، مُعظم الأرقام والنِّسَب التي تعبر من أوراق الجهات الرسمية إلى الوسائط الإعلامية، تأتي مُحاطةً بالرّيبة والشكّ، ومُبلَّلةً بالظنون.
لا تُوجد جهةٌ ذاتُ مصداقية عالية ودقَّة موثوقٍ بها، يُمكن التعامل مع أرقامها ونسبها، دون أن يكون في النفس شيءٌ من (حتى ولكن)، إضافة إلى كُلِّ أدوات التعجب وعلاماته!

في مرَّات كثيرة، تخرج من جهة واحدةٍ مع تعدُّد المُتحدِّثين باسمها، أرقامٌ ونسبٌ مُتناقضةٌ ومُتباعدةٌ إلى مدى الدَّهشة والحيرة.
من يستطيع أن يحسب على وجه الدِّقة حجم منتوج سلعة مُهمَّة وحسَّاسة، ولا تحتمل جزافية الأرقام، مثل سلعة الذهب في التعدين الأهلي. هل هو 1002 طن أم 2000 طن؟!

-2-
قبل أيَّام، ذكر رئيس الجانب السوداني (التجاري) عقب اجتماع مع رصيفه المصري، أن عدد الشِّقق المملوكة لسودانيين في مصر يُقدَّر بـ (600) ألف شقة بقيمة (18) مليار دولار!

لم يذكر الرجل مصدر هذا الإحصائية الخطيرة، هل هو سودانيٌّ أم مصري؟ ربما غاب عنه ما سيترتَّب على الرّقم من تصوُّرات، وما سيُثمر عن ذلك من قناعات، قد تستدعي إصدار قرارات مُهمَّة.

صديقنا الطاهر ساتي، ذكر في عموده المقروء أمس، بعض منظمات المجتمع ذات الصلة بالمنظمات الدولية، التي تُقدِّم أرقاماً فلكية، على أنها نسب الأوبئة والأمراض في البلاد بغرض زيادة ميزانيتها.
أورد ساتي أن مرفقاً حكومياً قال مديره ذات عام وبالنص: (نسبة الإصابة بداء الفيل 50%)، لاستقطاب دعم منظمة الصحة العالمية.
قبل انفصال جنوب السودان، ذكر وزير الداخلية أثناء مُناقشة خطاب الميزانية أن الخرطوم بها (48) فصيلاً مُسلَّحاً!

-3-

في حوارٍ صحفيٍّ لي مع الراحل الشيخ حسن الترابي، قبل عشر سنواتٍ أو أكثر قليلاً، سألته عن رأيهِ في قياديٍّ كان وقتها من أُولي الطول في الحكومة.

قال عنه الترابي: “كان يخدعنا بالتقارير المُزيَّفة والمعلومات غير الصحيحة عن عدد عضوية الحزب بين الشباب والطلاب ونسب الاستقطاب”.

في منزل السفير علي يوسف، في واحدةٍ من مناسباته الاجتماعية بداره العامرة، كان رجل أعمالٍ معروف، يتحدث عن تجارب مريرة مع المعلومات المضروبة أو غير الدقيقة.

ذكر تجربةً له مع الاستثمار الزراعي في واحدة من الولايات: الأوراق الرسمية تؤكد بالخرائط أن المساحة الصالحة للزراعة مائة ألف فدان.

عندما شرع رجل الأعمال في بداية العمل مستعيناً بخبرات أجنبية، اكتشف أن المساحة الصالحة للزراعة لا تتجاوز العشرين ألف فدانٍ فقط.

فَسَّر رجل الأعمال الأمر بأن كُلَّ مسؤول يرفع إلى رئيسه معلومات مُضخَّمة حتى يُثبت جدارته بالموقع أو أنه فأل خير على الحكومة!

-4-

قبل سنواتٍ، ذكر وزيرُ تجارةٍ من حزب مشارك، أن جملة صادرات البلاد من الصمغ العربي بلغت ثلاثة مليارات دولار خلال ثلاثة أشهرٍ فقط!

قبل مُغادرته الموقع بأسابيع، صرَّح وزير المعادن الأسبق، بأن الحكومة الأسترالية قدَّمت عرضاً استثماريَّاً للسودان بـ(11) مليار دولار منها (7) مليارات وديعة نقدية.
أما الوزير الذي كان قبله فقد جاء بشركة روسية، وعدت بتقديم (5) مليارات دولار للحكومة السودانية على ضمان الذهب!
كل ما سبق، أثبتت الأيام أنه أرقامٌ وهمية لا أساس لها من الصحة، بعضها مُترتِّب على انخفاض مستوى الكفاءة في التعامل مع الأرقام، أو نتاج ضعف الضمير المهني، وربما نتاج الاثنين معاً!

-5-
القاسمُ المُشترك بين كُلِّ تلك الروايات واحد من اثنين: عدم صحة الأرقام والمعلومات، أو عدم دقتها.
تفسيري لذلك: تُوجد ثقافةٌ ديوانيةٌ متوارثةٌ في أجهزة الحكم تقوم على خداع المسؤولين بالمعلومات والأرقام غير الصحيحة.

قد يكون الدَّافعُ لذلك تحايُلِيّاً، لغرض مُتعلِّقٍ بالفساد، ولكن في الغالب هو نتاج كسلٍ روتينيٍّ راسخ في تلك المؤسسات، وعجزٍ عن التحقُّق من صحة المعلومات والأرقام.

لا نبرِّئ أنفسنا في مهنة الصحافة، نحن كذلك نعاني من مشكلة مزمنة مُتعلِّقة بعدم وجود حساسيَّة تَدقِيقيَّة في التَّعامل مع الأرقام.

السببُ الأساسيُّ الذي أدَّى لتلك العاهة المُزمنة، والقصور الدائم في أداء المؤسسات العامة، هو عدم وجود جهات فنية ذات اختصاصٍ وكفاءةٍ عالية، دورها وصلاحياتها التحقُّق من صحة المعلومات والأرقام والنِّسَب التي تَرِدُ في التقارير الرسمية، عبر وسائل علميَّة حديثة ومُواكبة، لا تقليدية ومُتَسيِّبة.

لن تستطيع الحكومة تحقيق نجاح في إدارة الشأن الاقتصادي وتجنيب البلاد الأزمات، إذا لم تَرتَكِز على قاعدة معلومات صحيحة وأرقام حقيقية غير مُزيَّفة بغرض أكل أموالها بالباطل أو نتيجة كسلٍ وتراخٍ ولا مبالاة.
-أخيراً-
لا بدَّ للحكومة أن تقوم بمراجعة غرابيلها الرقابية، حتى تحجب عن متخذ القرار المعلومات والأرقام غير الصحيحة؛ فمن أهمّ قواعد الإدارة: (ما لا يُمكِن قياسه لا يمكن إدارته).

ضياء الدين بلال


‫2 تعليقات

  1. يا جنرال انت متابع ماشاء الله كل المواضيع . عاوز اعرف انت البيصرف عليك مين. تعليقاتك الساعة واحده ليلا و متواجد فى النت طوال اليوم . لو شباب السودان عطاله زيك البلد تنصلح كيف . الله يعين البلد الراجيه انتاجك ويعين البيصرف عليك . النقد والمعارضة حق للجميع لاكن يومك كله نضمى وعدم عمل ما حلو. انشاء الله تكون صاحى الان.قوم الفطور جاهز

  2. مع الاحترام للجميع النقد متاح .. لكن الواجب المحافظة على هيبة الدولة ورجالها وهناك فاصل بين الوطن والحكومة .. ونجد الصحافة شريكة في ما وصل اليه البلد وخاصة الاقتصاد من طريق مسدود مؤقتا، روجت الصحافة لحصار وهمي روجت الصحافة طبعا مع مشاركة الكثير من المسئولين لاستثمارات وهمية جدا واصبحنا في الجريدة نزرع قمحنا ونحصد الحصار.. راجع ارشيفكم ي استاذ اين كان هذا الكلام السمح عن الارقام والدراسات اين كنتم يا استاذ ضياء عندما تكتبون كشف السيد وزير الاستثمار عن 10 مليار دولاراستثمارات خليجية ، واستقبل السيد ووزير الاستثمار 15 مليار دولار ونسيتو حتى تقولوا شويه وحرم ما يدخلن علي .. مليارات في العلف العلف بعد ان عبدت الطرق والجسور بعرق الشعب الصابر الصادق استغلت هذه الطرق لصادر العلف وليت هناك عائد من هذا العلف ….. اين انتم يوم والتاني والتالت وسنين جماعة وجهاز المغتربين يكشف عن 6 مليار دولار عائدات المغتربين اذا عام الجنيه وهاهو الجنيه عام وشبع غرق .. وكمية من الصحافة في الصالات المكيفة تتناول في البارد والفطائر والبيتزا وتكتب كشف امين المغتربين عن صادرات الصمغ العربي وان وان والبلد يئن ..