الاعتصام.. فكرة مرتجلة أججت حراك السودان
تشعر قوات الأمن في السودان -حسب مراقبين- بأنها في “ورطة” بعد أن وصل المحتجون منذ ظهر السبت الماضي إلى مقر القيادة العامة للجيش السوداني وارتجلوا فكرة الاعتصام أمامها حتى رحيل الرئيس عمر حسن البشير.
وتفاجأت السلطات بالحجم الهائل لموكب انتفاضة 6 أبريل، ومع دخول مساء السبت تجلت ملامح الاعتصام بجمع التبرعات لجلب المياه والأطعمة والاستعداد للمبيت مع بناء المتاريس.
وفي يومه الرابع، يبدو الاعتصام أكثر صمودا بعد صد المعتصمين ثلاث محاولات ليلية لفض الاعتصام بالقوة، مما أكسبهم تعاطفا لافتا في اليوم الثالث (الاثنين) بعد تدفق المواكب نحو ساحة الاعتصام.
وتمكن المحتجون من السيطرة على جسرين، هما “كبري القوات المسلحة”، و”كبري النيل الأزرق” الذي تحول إلى جسر للمشاة.
لجان الاعتصام
وعلى امتداد شارع القيادة العامة نصب المعتصمون خياما للاحتماء من حرارة الشمس مع بدايات فصل الصيف، حيث تصل درجة الحرارة إلى نحو 45 درجة.
وعلى أرصفة الشارع، فرشت الزرابي في دلالة واضحة على التمسك بالمقيل والمبيت في المكان حتى سقوط النظام، فحسب نظرهم هنا يمكن أن يسمع البشير هتافهم برحيله وهو في مسكنه ببيت الضيافة.
ومنذ اللحظات الأولى للاعتصام كان التحدي هو توفير المياه والطعام، وعلى إثر ذلك شكل المعتصمون لجانا للخدمات والتنظيم.
يقول عز الدين -وهو أحد أعضاء اللجان في ساحة الاعتصام- للجزيرة نت إنه فور تحول الموكب إلى اعتصام تشكلت لجان للمياه والأطعمة والنظافة والترفيه.
ميزانية الاعتصام
وعلى طول ساحة الاعتصام وحتى في شوارع قريبة مثل شارع النيل يجوب شباب وشابات يحملون أكياسا لجمع التبرعات.
وخلال ساعات النهار يحرص الواصلون إلى شارع القيادة على جلب المياه في سياراتهم، فضلا عن حافظات ملأى بالشاي والقهوة، أما في ساعات الليل فثمة تبرعات يرسلها متعاطفون، مثل البلح.
ومكنت سيطرة المحتجين على الشارع بين نفق جامعة الخرطوم غربا وحتى مشارف حي بري شرقا من وصول إمدادات الطعام وحتى قوارير المياه.
وقد تمكنت سيارات لشركات ومصانع من الوصول إلى وسط الاعتصام وتوزيع منتجاتها من المواد الغذائية للمعتصمين.
ويقول مسؤول لجنة الطعام في الاعتصام فارس النور إن لجنته نجحت حتى الآن في توفير المياه والأطعمة رغم الآلاف المؤلفة التي تمتلئ بها ساحة الاعتصام.
عبروا راجلين
ودفع الهجوم الذي شنته القوات الأمنية والشرطة فجر الاثنين الآلاف للتدفق من أحياء الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري صوب ساحة الاعتصام.
ورغم إغلاق السلطات جسورا تربط بين الخرطوم حيث مقر قيادة الجيش ومقار الحكومة وبين مدن الخرطوم بحري وأم درمان فإن المئات كانوا يعبرون الجسور راجلين.
وبعد الهجوم الثالث بدأت القوات الأمنية في محاولة قطع الإمداد عن المعتصمين بتفتيش السيارات، فضلا عن محاولة منع تدفق المؤازرين من مدن ولاية الخرطوم، بيد أن حي بري القريب من وسط الخرطوم يشكل ظهرا آمنا حتى الآن للثوار.
زخم متزايد
ومكن الاعتصام فئات عمرية من الرجال والنساء كبار السن من الالتحاق بالاحتجاجات التي دخلت شهرها الرابع.
ومنذ الاثنين، حفز صمود المعتصمين وإفشالهم محاولات الاقتحام قطاعات مثل أصحاب الإعاقة على المشاركة، كما دخلت طرق صوفية بطبولها إلى الاعتصام.
والمؤكد أن الحشود المعتصمة أمام قيادة الجيش تعد الأكبر في تاريخ البلاد، وهي لا تمثل الخرطوم فقط، بل إن محتجين وصلوا من ولايات بعيدة.
وفي السياق، يقول رئيس الجبهة الديمقراطية لشرق السودان علي إدريس للجزيرة نت إنه “وصل من ولاية كسلا للمشاركة في الاعتصام، وباق حتى رحيل النظام الذي يقتل أهلنا في شرق السودان بصمت عن طريق الجوع والمرض”.
من جهته، يبدي رئيس حزب التواصل إدريس شيدلي الذي وصل من بورتسودان 675 كلم شرقي العاصمة الخرطوم تصميمه على البقاء في ساحة الاعتصام حتى رحيل النظام وفاء للمعتقلين، ومنهم أمين عام الحزب الصحفي صالح أحمد.
موقف الجيش
وكان موقف الجيش في اليوم الأول قائما على الحياد الصارم، وبالكاد يتفاعل مع هتاف المحتجين بنصف ابتسامة، لكن رويدا رويدا بدا تعاطفه اللافت مع المعتصمين.
وعلى إثر محاولات الاشتباك بين الجيش وقوات الأمن والشرطة، ووضعه المحتجين في ظهره لحمايتهم تشكلت حالة ود لافتة بين الجيش والمعتصمين.
وسمحت قوات الجيش طوال أيام الاعتصام بفتح بوابات القوات البرية والجوية وحتى بيت الضيافة لحماية المعتصمين من المقتحمين.
ومنذ أمس الاثنين، وسع الجيش نقاط ارتكازه خارج محيط القيادة العامة وحتى شارع “المك نمر” غربا مع تقاطعات الشوارع المؤدية إلى القيادة.
وصباح الثلاثاء تحولت خطط قوات الأمن إلى الناحية الغربية لضرب المحتجين من الخلف عبر شارع عبيد الختم وجسر القوات المسلحة، حيث يوجد على الضفة الشرقية مقر الأمن السياسي، لكن توسع انتشار الجيش حال دون نجاح هذه المحاولة أيضا.
وأسفرت محاولات الاقتحام التي تقوم بها قوات الأمن مع أنباء عن ظهور الملثمين مرة أخرى عن سقوط قتلى يومي الاثنين والثلاثاء وسط الجيش والمحتجين بلغ حتى الآن 21 قتيلا، بحسب تجمع المهنيين، بينهم اثنان من الجيش.
الجزيرة الاخبارية