أرابيسك .. الأكل الحلال سوداني في طوكيو
يعيش في اليابان حوالي 2.6 مليون أجنبي، 60% منهم من الصين وكوريا والفلبين، حيث يعتبر العامل الأساسي الذي يقف وراء هذه النسبة هو التقارب الثقافي وتشابه العادات والتقاليد واللغة في أحيان أخرى، مما يجعل حياتهم في اليابان أسهل نسبيا، مقارنة بالجنسيات والعرقيات الأخرى.
لكن ماذا عن العرب والمسلمين بشكل عام؟ وما التحديات التي تواجههم خلال معيشتهم في اليابان؟
ذكر موقع “nippon.com” الياباني أنه رغم أن الحياة في اليابان تعد حلما لدى البعض، خاصة من جيل الشباب في الوطن العربي ودول العالم المختلفة، بفضل انتشار بعض من أشكال الثقافة اليابانية الشعبية مثل الأنيمي زالمانغا ولكوسبلاي، إلا أن المعيشة في اليابان تقابلها بعض التحديات التي قد تواجه المقيمين بسبب اختلاف اللغة أو الدين أو العادات والتقاليد، وربما أول شيء يشعر به أي شخص مسلم في اليابان هو كيفية التعامل مع مسألة عدم وفرة الطعام الحلال في اليابان بالشكل المناسب.
”أرابيسك“ هي فكرة ولدت من رحم المعاناة حرفيا، حيث بدأت خمس سيدات سودانيات تشاركهن بعض السيدات من جنسيات عربية أخرى يعشن في طوكيو تجربة ربما تكون الأولى من نوعها في إعداد بعض الأطعمة العربية الحلال، وتسويقها عبر منصات التواصل الاجتماعي للعرب والمسلمين، سواء الذين يعيشون في طوكيو أو من يأتون لليابان بقصد السياحة أو الزيارات القصيرة.
وقالت “سارة” إحدى السيدات المشتركات في مشروع “أرابيسك”: “لقد بدأت الفكرة بالصدفة عندما كنا نعد بعض الأطعمة العربية الحلال في العديد من المناسبات المختلفة التي تقام في طوكيو، مثل تلك التي تعقد في المركز الإسلامي أو الجمعيات الإسلامية في طوكيو، حينها لاحظت مدى الإقبال على المأكولات الحلال بسبب عدم توافرها بالشكل المناسب والمريح الذي يرضي الناس خلال حياتهم اليومية في اليابان”.
وأضافت: “كذلك كانت لي صديقة تقوم بتقديم دروس في الطبخ بمنزلها عبر أحد المواقع اليابانية الشهيرة يدعى Tadaku وهو موقع يقوم من خلاله الأجانب المقيمون في اليابان بتقديم دروس طهي منزلية لتعليم أطباق بلادهم ومشاركة ثقافتهم. ومن هنا كانت بدايتي، حيث اشتركت فيه، ثم قررت بعد ذلك البدء بنفسي في هذا العمل”.
تعيش سارة في اليابان منذ 12 عاما مع زوجها وأطفالها الثلاثة، ورغم دراستها للهندسة إلا أن حبها للطهي وإدراكها للمشكلة التي تواجه العرب والمسلمين في اليابان جعلها تبدأ أولى الخطوات نحو تأسيس عمل يساعد الناس على التغلب على واحدة من أكثر العقبات التي تواجههم أثناء معيشتهم في اليابان، حيث يمكن طلب علب الطعام الحلال بعد اختيار المحتوى من قائمة الطعام، ثم تقوم بتوصيلها للزبائن، كما تقوم بإعداد أصناف المأكولات العربية المختلفة التي تناسب الحفلات والمناسبات الكبرى.
وأكدت سارة “نحن لا نقوم بإعداد المأكولات السودانية فقط، بل نضع في اعتبارنا اختيارات الزبائن وتنوع واختلاف أذواقهم، لذلك قمنا بتغيير قائمة المأكولات لتشمل بشكل أساسي المأكولات المشتركة بين الدول العربية التي لا يختلف عليها الناس، حتى نسهل الأمور علينا وعلى الزبائن أيضا”.
زيادة الطلب في رمضان
يحاول المسلمون في اليابان المحافظة على غالبية العادات والتقاليد المرتبطة بشهر رمضان الكريم، على الرغم من أن الحياة في اليابان بوتيرتها السريعة التي لا تهدأ ما يجعل الأمر أكثر صعوبة بحكم اختلاف العادات والتقاليد واختلاف نمط الحياة عنها في الدول الإسلامية.
أوضحت أم أحمد وهي إحدى السيدات المشتركات في المشروع: “في رمضان بشكل خاص يزداد الطلب على المأكولات الحلال، حيث يطلب العديد من الأشخاص الذين يعدون مائدة إفطار لأصدقائهم ومعارفهم مأكولات عربية حلال من أرابيسك، خاصة مع انشغال الناس في أعمالهم التي تنتهي في وقت متأخر من اليوم، ربما قبل الإفطار بقليل”.
وأضافت “نقوم بشراء المنتجات الحلال لإعداد المأكولات من بعض المتاجر التي توجد بالقرب من السكن مع الخضراوات اليابانية والمكونات الأخرى مثل البهارات التي تستخدم في المطبخ العربي، حتى يستطيع الزبائن الاستمتاع بالنكهة العربية الخالصة لطعام منزلي معد من أجلهم”.
تحدى الإمكانيات
مع اقتراب موعد انطلاق أولمبياد طوكيو العام المقبل في 2020، تستعد اليابان في كل من القطاعين العام والخاص، للترحيب بموجة جديدة من الزوار الأجانب القادمين من الخارج، وقبل كل شيء آخر، هناك حملات لطمأنة هؤلاء الضيوف الأجانب بأن اليابان بلد آمن وممتع، وهذا الأمر يعزز الوعي في اليابان بالحاجة إلى خلق بيئة صديقة للمسلمين تضمن لهم تجربة ممتعة على أرض اليابان، خاصة أن المأكولات والأطعمة هي أكثر ما يشغل بال المسلمين بسبب المتطلبات الدينية الواجب توافرها في الطعام.
وتباع في اليابان المنتجات والأطعمة الحلال التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية، لكن لا يزال أمام اليابان الكثير والكثير لتفعله من أجل راحة الزوار المسلمين.
وأشارت سارة “عندما بدأنا تلك الفكرة كنا نضع نصب أعيننا موضوع استضافة طوكيو للألعاب الأولمبية، ونود أن نصل لجميع الأشخاص ويعرفنا جميع الناس المهتمين بالمأكولات الحلال، وأن يصبح ”أرابيسك“ أحد الخيارات المفضلة للناس، لكن يزال هناك بعض العوائق التي تقف في طريقنا لتأسيس مطعم، سواء عوائق مادية أو إجرائية، لكن تظل الفكرة مطروحة ونسعى لتنفيذها، وقد نجد من يدعمنا ماديا للاستثمار معنا في هذه الفكرة لترى النور”.
معاناة الوجبات المدرسية
تقوم المدارس اليابانية عادة بتقديم وجبات الغداء للتلاميذ، التي يتم إعدادها داخل المدرسة، وتتكون من الخضار والبروتين والأرز الأبيض وبعض الحساء.
وتقوم المدارس بإرسال قائمة الطعام الخاصة بكل شهر لأولياء أمور التلاميذ بشكل دوري، وبتلك الطريقة يمكن التعرف على محتويات المأكولات التي يتناولها الأطفال في المدارس.
في ذلك الشأن، قالت أم محمد: “نحن نعاني بالطبع في ذلك الأمر لأن المدارس اليابانية الحكومية لا توجد بها رفاهية اختيار أو توفير مأكولات حلال، لذلك أقوم بمراجعة قائمة الطعام بشكل دقيق، وفي حالة وجود أطعمة تحتوي على الخنزير أو مكونات لا يمكننا تناولها كمسلمين، أعد عوضا عنها علبة طعام لطفلي بنفس المحتوى ونفس الشكل لكن حلال، وهو أمر مرهق بشكل كبير، حيث أقوم بإعداد علبة الطعام ربما ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع، مما يعكس قلة توافر المأكولات التي يمكن لطفلي تناولها في المدرسة”.
وأضافت: “عندما كان أطفالي في مرحلة رياض الأطفال كنت أعمل جاهدة من أجل إعداد علبة طعام تشبه تلك التي يتناولها زملاؤهم حتى لا يشعرون بأنهم مختلفون، وهو ما كان يمثل عبئا إضافيا وضغطا نفسيا كبيرا عليّ”.
وأكدت “لكن على الجانب الآخر هناك تفهم في بعض الأمور من ناحية المدرسة التي يتردد عليها أطفالي، حيث اعتادت المدرسة على وجود أطفال أجانب ومسلمين، الأمر الذي دعاها لتوفير مكانٍ للصلاة للتلاميذ المسلمين احتراما لهم ولديانتهم بعد أن طلبنا منهم ذلك”.
بوابة العينالاخبارية