منوعات

أحلام السودانيين .. ما يريده الشباب من حكومة ما بعد البشير

العقود الثلاثة الأخيرة قضت على أحلام وطموحات كبيرة للشباب السودانيين، لكنّ الجيل الجديد منهم، الذي شارك بقوة في الحراك الشعبي، ينوي تحقيقها

تتباين رؤى الشباب السودانيين الخاصة والعامة، لمرحلة ما بعد تشكيل الحكومة الانتقالية المقرر لها أن تبصر النور، باكتمال المفاوضات بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، لكنّ الجميع يتفقون على حلم القصاص لدم الشهداء الذين سقطوا خلال الثورة، وعلى مدنية السلطة التي يجب أن تقوم بعيداً عن أيدي العسكر، ثم يذهبون لأحلامهم الخاصة في التعليم المجاني والخدمات الصحية عالية الجودة، والتوظيف بعد سنوات من البطالة، وصولاً إلى حلم الزواج.

يشكل الشباب النسبة الغالبة ضمن المشاركين في الحراك الشعبي السوداني الذي اندلعت شرارته في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والذي نجح في إطاحة نظام الرئيس عمر البشير في 11 إبريل/ نيسان الماضي، وذلك بعد 30 عاماً من الحكم الذي كانت شريحة الشباب هي الأكثر تضرراً منه.

بالقرب من متجر صغير، يجلس عزوز صلاح (19 عاماً) ليبيع الفلافل بسعر 10 جنيهات سودانية (ربع دولار أميركي)، للسندويش الواحد، لطلاب كلية علوم الطيران في وسط الخرطوم وللمارة أيضاً. يقول لـ”العربي الجديد” إنّ غاية ما يتمناه بعد تشكيل الحكومة الانتقالية أن تكون هي نفسها حكومة مدنية، ليكمل بعد ذلك بهتاف معتاد في هذه الأيام في الشارع السوداني: “مدنيااااااو”.

أما الطالب محمد عبد المنعم (21 عاماً) الآتي من إحدى الولايات البعيدة فيؤكد لـ”العربي الجديد” أنّ حلمه خلال الفترة الانتقالية توفير الخدمات في الولايات من تعليم وصحة وإنترنت، على أن تكون تلك الخدمات بالمستوى نفسه الذي تعمل به في الخرطوم، وكذلك في خصوص التنمية والإعمار.

تتواصل المفاوضات هذا الأسبوع ما بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير بغرض تشكيل الحكومة الانتقالية التي ستكون الأولى منذ سقوط نظام البشير. ويعبر الشاب محمد نصر الله (20 عاماً) عن قلقه من ارتفاع أسعار السلع والخدمات الرئيسة، لذلك يقول: “نريد من الحكومة المرتقبة اتخاذ كلّ ما هو ضروري من قرارات لتخفيض الأسعار والمعيشة وزيادة الرواتب وتوفير الوظائف، ونتمنى أن يعمل الجميع وتختفي البطالة، ونكون أفضل من بقية الدول”. يؤكد نصر الله أنّ بلاده لا ينقصها شيء ويمكنها أن تعتمد على نفسها من دون انتظار إعانات الآخرين، مشيراً إلى أنّ الشباب السودانيين ينتظرون من الحكومة المقبلة الكثير، خصوصاً أنّ غالبية الأسر السودانية تنتظر شبابها الذين ستعتمد عليهم مستقبلاً.

أما سلمى الطاهر، فتعرب عن أملها في حدوث تطور وقفزات كبيرة في السودان يستفيد منها الشباب، خصوصاً الطلاب الذين يعانون أكثر من غيرهم، لا سيما مع عدم توفر وسائل النقل المريحة لرحلاتهم اليومية إلى الجامعات. تطالب الحكومة المقبلة بمراجعة الرسوم المالية الباهظة التي تفرضها إدارات الجامعات على الطلاب لا سيما في الجامعات الخاصة التي “تفرض رسوماً خيالية مبالغاً فيها”.

من جهته، يؤكد قصي علي أنّ الشباب حينما خرجوا إلى الشارع وأشعلوا الثورة كان هدفهم الحياة الكريمة وتوفير الخدمات الرئيسة وأهمها التعليم والصحة، وأنّ أيّ حكومة مقبلة لا بدّ من أن تضع ذلك في سلم أولوياتها، خصوصاً أنّ الشباب دفعوا ثمن نجاح الثورة بتقديم عدد كبير منهم شهداء في سبيل مبادئ الثورة وغاياتها.

من جانبه، يشدد الخريج الجامعي، إدريس عبد الله، لـ”العربي الجديد” على الحكومة الانتقالية المنتظرة أن تسعى لإنشاء البنية الاقتصادية والسياسية الضرورية التي توفر عدداً من المطلوبات الأساسية للانتقال إلى مرحلة الرفاهية. يتابع أنّه على المستوى الشخصي يتمنى توفير وظيفة له بعد بقائه أكثر من 3 سنوات من دون عمل، مثل مئات الآلاف من الخريجين.

أما آيات فضل، فتتفق مع آخرين على أنّ الحلم الأكبر لكلّ الشباب هو الحياة الكريمة التي توفر أبسط الخدمات وأهمها العلاج المجاني، مشيرة إلى أنّ أسعار الدواء باتت في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير أكبر من قدرة معظم السودانيين على شرائها، فيموت البعض بسبب الفقر والمرض. وتحث الحكومة المدنية المقبلة على الاهتمام بالتعليم بمستوياته المختلفة، بعدما انهار في السنوات الماضية. أما سلمى محمد، فتكتفي بأمنية واحدة تضعها على منضدة الحكومة الانتقالية، وهي تسهيل الزواج.

بدوره، يقول محمود عبد الله إنّ جميع فئات المجتمع شاركت في الثورة، لكنّ الغالبية كانت من الشباب: “أنا واحد من هؤلاء، وقد نجحنا في هدفنا بإسقاط نظام عمر البشير، والآن لدينا جملة مطالب أهمها مدنية السلطة وديمقراطية النظام وتساوي جميع المواطنين في الحقوق والواجبات وإعادة بناء الدولة بعدما دمرها نظام البشير في 30 عاماً، وهو تدمير شمل المجتمع والاقتصاد والثقافة والسياسة، وعانى السودان من ويلات الحروب ما خلق مشاكل مجتمعية أثّرت في حياة الشباب، فانتشر بينهم الإحباط والشعور بانسداد الأفق وفقدان الأمل. يستشهد عبد الله بنفسه، ويقول إنّه متأكد تماماً من كونه مؤهلاً للعمل في وظيفة مرتبطة بمجاله بعد تخرجه من كلية الآداب قبل 5 سنوات، لكنّه لم يجد فرصة بسبب معايير التوظيف غير السليمة، بالاعتماد على الولاء للحزب الحاكم أو التصنيف القبلي أو العرقي. يشير إلى أنّ الشباب خرجوا لمناهضة كلّ ذلك، ولهذا لا يتمنون إعادة التجربة بواسطة الحكومة الانتقالية. يؤكد أنّ هناك الملايين من الخريجين العاطلين من العمل وهذا ما يجب أن تضعه الحكومة الانتقالية في اعتبارها قبلّ كلّ شيء، حتى لا تدخل البلاد في دوامة جديدة من الاحتقان الاجتماعي.

العربي الجديد