الوطني.. الخطط والبدائل!!
أعلن رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك، إجازة قانون تفكيك نظام الإنقاذ بعد جلسة طويلة عُقدت أول من أمس بين مجلسي السيادة والوزراء. وقال حمدوك: أجزنا هذا القانون في اجتماع مشترك إقامة للعدل واحتراماً لكرامة الناس وصوناً لمكتسباتهم، حتى يتسنى استرداد الثروات المنهوبة. وأضاف حمدوك أن قانون تفكيك النظام البائد وإزالة التمكين ليس قانوناً للانتقام بل هو من أجل حفظ كرامة الشعب.
ووضع هذا القانون الساحة السياسية أمام السيناريوهات المرتقبة من قبل الحزب الحاكم السابق، والذي قضى القانون بحله والخطوات التي يتوقع اتخاذها مقبل الأيام في مقابلته. فهل ينحني الوطني لهذه العاصفة، أم سيُصادم أم يلجأ للعمل من تحت الأرض كما لجأ لذلك الحزب الشيوعي السوداني، حينما تم حله من قبل البرلمان السوداني إبان الديمقراطية الثالثة وإبان حكم النميري عقب فشل العمليات الكثيرة التي قام بها للإطاحة بالنظام في تلك المرحلة؟.
سيتقبّلون القرار
يقول بروفسور الفاتح محجوب مدير مركز “الراصد” والمحلل السياسي، إن الفرق كبير بين المؤتمر الوطني والحزب الشيوعي الذي تقوم فكرته على ضرورة وجود الاسم نفسه باعتبار أنه مرتبط بالنظرية الماركسية، لكن المؤتمر الوطني قد تشظّى مسبقاً إلى مجموعة كبيرة من الأحزاب قبل الإطاحة به، بما في ذلك المؤتمر الشعبي والإصلاح الآن، وبالتالي حل الحزب وزواله لن يؤثر كثيراً فيه لأن الوطني كحزب ارتبط بالسلطة أكثر من ارتباطه بالجمهور.
أما بالنسبة لأتباعه، ففي الغالب قد يتفرّقون بين بقية الأحزاب، وغالباً سيتقبّلون قرار حل الحزب، ولا تتم منهم أية مقاومة بدلالة أن يوم أمس الجمعة مرّ بهدوء، ولم يشهد تعبئة كبيرة لا في الوسائط الاجتماعية، ولا في المساجد والمنابر التي يتخذها الوطني في الغالب الأعم. وهذا يعني أن الوطني قد تهيّأ نفسياً لقرار الحل ورتّب أمره على أساس أن الحزب إلى زوال، واختيار غندور كواجهة للحزب واضح أن الحزب قرر عدم التصادُم باعتبار أن غندور شخصية غير تصادًمية ويسعى للحل الوسط، والذي هو كان الأفضل على الحكومة التوجّه نحوه بدلاً من حل المؤتمر الوطني.
ويرى الفاتح، أنه وبعد إصدار القانون، فإنه كان صادماً بعض الشيء، لأنه تناول أمر القيادات العليا كأعضاء مجلس الشورى وأمناء المكاتب وأيضاً أدخل كافة الوزراء الاتحاديين وكل الوزراء ونواب الرئيس واستثنى فقط مساعدي الرئيس الذي قُصد منه فتح الباب لاستثناء مناوي ونجلي الميرغني الاثنين محمد الحسن وجعفر، وعبد الرحمن المهدي، مشيراً إلى الاتفاقيات التي جرت بين قوى الحرية والاتحادي ومناوي.
ووصف الفاتح الأمر بالظلم والقرار غير الموفّق، لأن الكثير من الآخرين تولوا مناصب وزراء ومن ثم انضموا للمعارضة. وقال إن القرار يتوقع عدم تطبيقه لأرض الواقع للتحديات الكبيرة التي تواجهه، وقد لا يقبله الكثيرون، وقال: في الغالب يمكن أن تحصل ضغوط ويتم بعدها التراجع عنه، لأنه حاول عزل الأشخاص الذين شاركوا في الحكومة السابقة.
وقال إن حل الحزب ليس بالمشكلة، لكن عزل الأشخاص هو الذي يضع الكثير من التعقيدات أمام أمر تنفيذ هذا القانون، وقال إن مثل هذا النوع من القرارات لا يصمد أمام الممارسة الواقعية، لأن السياسة هي فن الممكن، مؤكداً أن حل الحزب كان متوقعاً لأن الوطني نفسه رتّب أوضاعه على هذا الأساس والشعب السوداني كله مهيأ وحتى عضوية الوطني نفسها مهيأة، لذلك لم يخرج منهم أحد، ولم يتفاجأ به، ولكن المفاجأة كانت في طبيعة قرار أمر التفكيك الذي اتجه نحو الأشخاص واستثنى منه البعض وشمل آخرين، جازماً بأنه سوف يصطدم بمواقف قد تعجّل بعدم تطبيقه، وأشار الفاتح بذلك لبعض وزراء الفترة الانتقالية أمثال إشراقة محمود ووزراء بعض الأحزاب التي شاركت وأنها لن تصمت ولن تُمرّر هذا القرار، وسوف يناهضون هذا القرار.
غير مُوّفق
ويقول بروفيسور علي عيسى عبد الرحمن الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي لـ(الصيحة)، إن القانون الذي صدر، لم يكن موفقاً لأن الآليات التي تحققها الشرعية الثورية تمكنهم من فعل أي شيء يريدونه دون ضوضاء بينما رأى أن الإطاحة بعملية التمكين بقانون أنها لم تكن موفقة من قوى الحرية والتغيير. وزاد: الأمر الآخر أن الوضع سوف يزداد بحالة عدم الاستقرار لأن منسوبي الوطني أكيد لن يستكينوا لهذا الأمر، وهم يرون أن مؤسساتهم وأفرادها ومشاريعهم الحضارية تساق إلى المجازر. مستدركاً: صحيح أن هناك حمائم يمكن أن تنادي بضرورة الانحناء لهذه العاصفة حتى تذهب، لكن هناك صقور الآن صوتهم أعلى من الحمائم، وواضح من خلال العمل التعبوي الكبير الذي انتظم وأخذاً محوراً قانونياً فيما يختص بالمنظمات التي تم حلها وأعلن موقفه تجاه أمر الاعتقالات التي استهدفت قياداته التي هي داخل السجون معلناً وقوفه بشدة ضد تلك الاعتقالات. وتوقّع عيسى أن يحشد الوطني عضويته ويصعّد من موقفه بخصوص هذا القرار، ويمكن أن تشهد العاصمة خلال الأيام المقبلة مظاهرات كما حدث خلال جمعة الأمس. مؤكداً بأن للوطني وجود كبير داخل القوات النظامية ويمكن أن تتحرك في جوانب مختلفة لإجهاض هذا القرار.
وأكد علي عيسى أن الوطن هو من يدفع ثمن عدم الاستقرار، مشيراً إلى المردود السلبي الذي قد يترتب على الساحة السياسية مقبل الأيام، وأكد أن حكومة حمدوك تحتاج لاستقرار سياسي في المقام الأول، وبموجبه يحصل الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، مشيراً إلى أن هذا هو ما يحرك الاستقطاب الإقليمي والدولي تجاه السودان ويدخل السودان في دوامة في غنى عنها، وطالب بالعقلانية، مشيراً إلى أن ما يجمع المواطنين وتوجهاتهم السياسية هو أكبر من أي قرار يفرق بينهم، واصفاً القرار بالخطوة التصعيدية الكبيرة التي يمكن أن تزج بالوطن في دوامة من الصراعات غير مضمونة العواقب.
سوف “يسردبوا”
بروفيسور علي الساعوري المحلل السياسي والأكاديمي المعروف قال لـ(الصيحة)، إن القانون الذي صدر بحل الوطني لا يمكن أن يطبق مباشرة في عملية الحل، ولكنه ينفذ في حالة أن تكون هناك مخالفات له، مشيراً إلى أن ذلك يعني أن الوطني لم يُحَل حتى اللحظة. وتوقع الساعوري أن الوطني ربما توجّه واشتكى للمحكمة الدستورية التي سوف تنظر في القرار وكيفية إنفاذه، مرجحاً بأن المحكمة سوف تتجه للتحري في الأمر وربما كان ذلك لمصلحة الوطني. وقال إن هناك سيناريو آخر وهو أن يتجه الوطني للعمل من تحت الأرض.
وأما السيناريو الثالث فإن أنصار الوطني قد (يسردبوا)، مشيراً إلى أن القرار يستدرج أنصار الوطني للصراع واللجوء للمصادمة لإتاحة الأمر للقانون، والذي سوف يخضعهم لطائلة القانون، ومن ثم الحكم بعزلهم. وأكد إن الـ(سردبة) التي قد يلجأ إليها أنصار الوطني لا تعني عدم عملهم تحت الأرض مستبعداً لجوء أنصار الوطني للمصادمة لأنها ليست في صالحهم، بيد أنه أكد أنهم سوف (يزعلون) لكنهم سوف يظلون في الولاء كلهم من انشق منهم ومن خرج، وزاد: إذا اشتغلت كل هذه الأجنحة صحيحاً فإنهم سوف يلتئمون مرة أخرى ويبدأون عملاً سياسياً كبيراً.
وأكد الساعوري أن قيادات الوطني القديمة كروت محروقة لجهة أن بعضهم توجّه لتكوين حزب جديد بعيداً عن الوطني، وقال: إذا أراد الوطني أن يُحيي نفسه، فعليه أن يُبعد الكروت المحروقة التي لا أمل لها في العمل السياسي في السودان، ولم يستثنِ الساعوري أحداً من تلك القيادات، وقال إن السودان دخل في مرحلة جديدة تستوجب على الوطني استيعابها وإلا وجد نفسه خارج المنافسة، وأكد أن القيادات القديمة كروت لا يعول عليها في المنافسة السياسية مستقبلاً.
الفوضى الخلاقة
وقال القيادي بالمؤتمر الشعبي الأمين الكمين إن القرار الذي صدر لا يعني قيادات الوطني الحزب الحالي، لكنه قال إنه يستهدف أهل القضية الحقيقيين من الإسلاميين الذين سعى النظام الجديد لوضعهم في السجون مثل علي الحاج وآخرين، في الوقت الذي يقبع فيه بعض العسكريين الذين نفذوا الانقلاب، خارج السجون. وزاد إن استهداف قوى الحرية لقيادات الشعبي وضح جلياً خلال هجومهم لمنشط الشعبي إبان الثورة في الوقت الذي لم يعتدوا فيه على أنصار الوطني. ولم ينفي الأمين أن الوطني الآن هو واجهة للإسلاميين، مشيراً إلى أن استهدافهم له هو استهداف للإسلاميين، واصفاً القانون بأنه محاولة “لذر الرماد على العيون”. وأكد الكمين أن الوطني حزب ضخم جداً، ولذلك فإنهم لن يستسلموا أبداً ولن يوقفوا نشاطهم وأنهم الآن يعملون تحت الأرض مستبعداً انحناءهم لعاصفة الإبعاد والعزل. وطالب الإسلاميين جميعهم أن يُعمِلوا صوت العقل والحكمة والنظرة البعيدة للبلد حتى لا تدور في فلك الخراب والفتك جراء الإثارة التي يقوم بهم “القحتاويون”، مشيراً إلى أن مثل هذه القرارات قد تقود البلد نحو أزمات كبيرة تجر معها دول الإقليم وتُوسّع من الاستقطاب الدولي تجاه السودان. وأشار إلى أن للمؤتمر الوطني كتائب موجودة ومنظمة، ومن الممكن أن تتحرك هذه الكتائب للحيلولة دون تنفيذ هذا القرار، وأكد أن عمليات الإقصاء التي تجري الآن قد تقابلها ردة فعل مُقابلة، ويمكن أن تكون أقوى مما يمكن أن تقود البلاد إلى الفوضى الخلاقة.
لا للمعارضة الصارخة
وفضّل الخبير والاستراتيجي بروفيسور حسن مكي أ لا يلجأ أنصار الوطني للمعارضة الصارخة، مؤكداً أن البلاد لا تحتمل المزيد من حالات الاستقطاب، كما عليهم أن يتركوا الحكومة وينظروها هل تستطيع مواجهة المشاكل الأساسية التي تواجه المجتمع من مواصلات وتعليم وخلافه مع إعطائها فرصة لفترة تزيد على الثلاثة أشهر لحل مشاكل الاقتصاد السوداني، وأرجع مكي المشكلة إلى إن مثل هذه القرارات تزيد الاستقطاب وتبعد عملية الوفاق. وقال إن القانون لا يمكنه منع أي حركة لها جماهير وخطاب، مشيراً بذلك لحالة الحزب الشيوعي، وزاد: إن الوطني له خطاب وله برنامج وقوة ويستطيع أن يصمد ويعبر المرحلة بسلام رغم كل التحديات. وأكد أن القانون لا يمثل مشكلة تجاه ممارسة الوطني لعمله والذي لا يحتاج للجوء للعمل تحت الأرض، مشيراً إلى أن الوطني له أساليبه التي تمكنه من أن يقدم خطابه عبرها للجمهور.
صحيفة الصيحة