اقتصاد وأعمال

توجس من دعم المانحين .. حكومة السودان في معركة الاقتصاد بلا أصدقاء

تعهدت الحكومة الانتقالية في السودان الثلاثاء الماضي باختفاء طوابير الخبز، وهو تعهد اقتصادي يضع حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في اختبار سياسي بالغ الحرج.

ووجد معارضو حكومة الثورة في تعهد وزير التجارة والصناعة مدني عباس باختفاء أزمة الخبز بعد ثلاثة أسابيع، فرصة للمقارنة مع وعود أطلقها سلفه في النظام البائد حاتم السر الذي أكد إبان الاحتجاجات أنه لن يكون هناك صف إلا للصلاة.

لكن حاتم السر وحكومة الرئيس المخلوع عمر البشير ذهبت جراء احتجاجات أشعلت فتيلها أزمة الخبز وطوابير الوقود والنقود والمواصلات، وهي ذات الأزمات التي تكابد حكومة حمدوك للخروج منها سالمة.

وترى الصحفية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية سمية سيد أن تعهدات اختفاء طوابير الخبز خلال ثلاثة أسابيع تظل صعبة بالنظر إلى مخزون القمح الإستراتيجي الضعيف.

مخزون القمح
وتقول سمية في حديث للجزيرة نت إن المتوفر من القمح حاليا لا يتجاوز 50 ألف طن، وهو بالكاد يكفي لثلاثة أيام في ظل توقف غالب مطاحن القمح.

لكنها ترى أن الإيفاء بوعود الحكومة الخاصة بانتهاء شح الخبز ممكن في حال رفع الدعم الحكومي عن الدقيق كعملية جراحية لا بد منها، مع دعم الشرائح الضعيفة عبر تخصيص مخابز للخبز المدعوم مثلا.

وتشير الصحفية إلى أن آلاف الأجانب يتمتعون بالدقيق المدعوم، كما أن أطنانا منه يتم تهريبها إلى دول الجوار عبر حدود مفتوحة يصعب السيطرة عليها أمنيا.

وبحسب سمية، فإن وزير التجارة والصناعة أمامه حل لتنفيذ وعوده وهو تحرير سعر الدقيق، لكن الحكومة تتعرض لضغوط قوى الائتلاف الحاكم الذي يرفض رفع الدعم الحكومي عن الوقود والقمح خوفا من التبعات السياسية.

وتضيف أن الحكومة تواجه أيضا ضغطا جراء الخلافات بين المطاحن ووزارة المالية، إذ تطالب الأولى بربح يصل إلى 50 جنيها (1.1 دولار بالسعر الرسمي) في الكيس الواحد للقمح.

مقترحات بديلة
يقدم الائتلاف الحاكم الذي قاد ونسّق الثورة حزمة معالجات ليس من بينها رفع الدعم الحكومي في موازنة 2020.

ويقول عصام علي حسين عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير المشاركة في الائتلاف، إن على الحكومة الانتقالية -قبل أن تلتفت إلى الدول الصديقة والمانحة- أن تمنع التعامل بالنقد الأجنبي خارج الجهاز المصرفي بسن قوانين رادعة.

ويطالب حسين الحكومة بتخفيف الطلب على الدولار بإعادة النظر في قائمة السلع المستوردة، وحظر السلع الكمالية وتلك التي يمكن إنتاجها داخليا لفترة زمنية محدودة، مع الحد من التهريب والتجنيب ومراجعة الإعفاءات الجمركية وإصلاح الضرائب.

وإلى جانب ذلك، يرى حسين ضرورة وضع سياسات على المستوى الإستراتيجي تزيد الإنتاجية وتشجع الإنتاج وتطور البنية التحتية للصادرات، خاصة صادرات الذهب والثروة الحيوانية والصمغ العربي، لمعالجة خلل الميزان التجاري.

وتجاوز سعر صرف الدولار في السوق السوداء 100 جنيه هذا الأسبوع إثر شائعة تفيد بزيادة الدولار الجمركي إلى 55 جنيها بدلا من 18، قبل أن يعاود الانخفاض مجددا إلى ما دون 90 جنيها.

الدعم الخارجي
لا يبدو الصحفي والمحلل السياسي محمد لطيف مرتاحا للدعم الخليجي أو حتى الغربي، لجهة أن ثمة ضريبة سياسية تدفعها البلاد مقابل هذا الدعم، قائلا “أتمنى ألا يأتي الدعم الخارجي”.

ويضع لطيف في حديث للجزيرة نت حكومة حمدوك أمام خيارين لا ثالث لهما، إما ارتهان قرارها لجهة خارجية أو مصارحة الشعب بربط الأحزمة، مؤكدا أن السودان بلد غني وكل مشكلته في سوء الإدارة.

ويشير إلى أن ما وصل من تعهدات المنحة السعودية الإماراتية البالغة 3 مليارات دولار لم يتجاوز حتى الآن 1.1 مليار، ويقول إن هذه المنحة كانت مكافأة للسودانيين لإطاحتهم بالإسلاميين، لكن بعد أن تبينوا أنهم ما زالوا موجودين وينظمون المظاهرات توقفوا، متمنيا أن يكفوا أيديهم إلى الأبد.

ويرى لطيف أن الدعم الغربي أسوأ ولا يمكن المراهنة عليه، متسائلا “كم وصل من تعهدات المانحين في مؤتمر أوسلو البالغة 4 مليارات دولار عام 2005؟”.

مؤتمر الأصدقاء
وعلى الرغم من أن عضو اللجنة الاقتصادية بقوى التغيير يبدي بعض المراهنة على مؤتمر أصدقاء السودان في أبريل/نيسان القادم، فإنه يعود ويحذر من أن مفهوم العلاقات بين الدول لا يقوم على مبدأ الصداقة وإنما على مبدأ الاستفادة المزدوجة.

ويذكر حسين أن الحل يكمن في الداخل لا في انتظار ما يمكن أن يجود به المانحون، مشددا على أهمية اتخاذ حزمة تدابير وإجراءات وسياسات اقتصادية ومالية آنية وإستراتيجية للحد من تذبذب سعر الصرف، تبدأ بامتصاص حجم السيولة خارج الجهاز المصرفي المقدرة بأكثر من 80% للحد من المضاربة في الدولار.

ويتابع أن هذه الخطط والبرامج كفيلة بمعالجة أزمة النقد الأجنبي أكثر من الاعتماد على الدول الصديقة والصناديق المانحة.

ويوضح حسين أن الأزمة الاقتصادية الهيكلية في السودان ناتجة عن ضعف الإنتاج وقلة الصادرات مقارنة بالواردات وعجز في الميزان التجاري، وهي أزمة موروثة عن النظام البائد.

ويعزو انخفاض قيمة العملة الوطنية إلى المضاربات والإقبال على شراء الدولار بصورة تفوق المعدل الطبيعي.

وإلى جانب استشراء تجارة العملة خارج المصارف، يلجأ السودانيون إلى تخزين السلع الأساسية كلما ارتفع سعر صرف الدولار، كما يعمد التجار إلى الإحجام عن بيع وشراء البضائع في انتظار استقرار نسبي لسعر الدولار.

المصدر : الجزيرة نت

تعليق واحد

  1. السودان فى حوجة ماسة وحقيقية الى اى منحة او قرض يوظفه لاعادة توازن اقتصاده الذى رجحت كفة انهياره بكفة استقراره وغير ذلك على الشعب ان يربط الحجارة على البطون وان يتحمل الجوع والمرض والمسبغة فهذه هي حقيقة واقع السودان الان الذى كان لاستمرار العقوبات الامريكية بعد الثورة القدح المعلا في اعاقتها وتحجيم قدرتها على الانطلاق بوضع الحلول الاقتصادية قصيرة الاجل ومن ثم طويلة الاجل فضلا عن القضاء التام على الدولة العميقة فالشعب السودانى دفع ثمن سياسات حكومته البائدة وسيدفع المزيد نتيجة تعنت الرئيس الامريكى والذى سيكون اكبر المتضررين حال حدوث اى انفراط امنى بالسودان نتيجة تدهور اقتصاده اكثر مما هو عليه الان