سياسية

ستموت في (التفكيك)

في كل مرة يحدث شيء صغير من النوع الذي يمكن أن تموت قصته في مهدها، أو بعد فورة إسفيرية مؤقتة، تنتهي بمقارنات واستدعاء لشيء مماثل حدث في سنوات حكم الكيزان، لكنه ومن فرط تكرار هذه الأخطاء اليومية الصغيرة القاتلة بالتراكم والمدللة على الضعف والفشل في العمل التنفيذي وأداء مؤسسات الدولة بدت الأشهر الماضية من عمر حكومة الفترة الإنتقالية وكأنها محاضرة مكثفة في تاريخ الإنقاذ تقوم بالتوثيق العملي للأحداث عن طريق تكرارها على خشبة المسرح السياسي.

وتلخيص أخطاء ثلاثين عامًا وتكرارها في الواقع من جديد وبصورة أكثر تجويداً في مشاهد الأسى والمعاناة والصراخ والموت ..
جميع أحداث تلك الحقبة السياسية لمن فاتته مكررة في هذا الفيلم القصير (ستموت في التفكيك) .. بدءاً من جولات المفاوضات التي فشلت ومروراً (بصفوف الخبز والعربات والغرف الدمار) كما يقول الصادق الرضي، وانتهاءً بهلال رمضان الذي أطل بوضوح في اليوم الثاني لنفي الرؤية وفقأ عين التبريرات القطيعة لصحة قرار مجمع الفقه الإسلامي ووصولًا إلى آذان المغرب قبل عشر دقائق من الوقت في تلفزيون السودان وبينهما كل شحنات التراجيديا والآكشن والفنتازيا والكوميديا أيضاً في هذا العمل غير المسبق.
في مثل هذه الأوقات العصيبة التي بدت تسير فيها الأمور على عكس ما تتوقع لها الحكومة وعكس توقعات المواطن وفي وسط كل هذه المحن ومن تحت أنقاض المصاعب هناك فكرة عبقرية وبسيطة جداً في نفس الوقت لا أرى لها وجودًا في دار قحت وحكومتها، وهي الإعتراف بالأخطاء والبحث عن أسبابها والبدء في المعالجة.
فلو كنت أنت سبب المشكلة فإن محاولة بحثك عن متهم آخر تعلق عليه خيباتك وفشلك ليس إلا إمعاناً في الخطأ وتعميقًا للفشل ..
حكومة قحت لم تنتبه أثناء حملة تصفية الكوادر الإدارية والفنية في مؤسسات الدولة السودانية الى أنها تتعامل مع دولة كانت محكومة بواسطة نظام شمولي يرتكز على مرجعية تنظيمية ومشروع تمكين شامل في كل مفاصل الدولة مما يعني أنها تتعامل مع تنظيم مبتلع بالكامل في بطن الدولة السودانية ولديه وجود في كل أنحاء الجسد .. تنظيم سياسي لديه مشروع وجد فرصته الزمنية الكاملة للتطبيق.
وبالتالي فإن تفكيك مثل هكذا نظام متعمق ومتجذر في الدولة السودانية لثلاثين سنة لا يتم بقرارات فصل وتعيين ومصادرات وتجميد أرصدة مؤسسات وإلغاء مؤسسات وتعطيل حلقات مفصلية في جنزير الاقتصاد والتجارة والاستثمار والسياحة وحتى القطاع الاجتماعي والخيري وكل شيء دون أي تدرج وتخطيط سليم وعلمي يراعي عدم تعريض الدولة للانهيار والسقوط الكامل ..
إنك حين تفعل ذلك دون تخطيط وترتيب جيد لهذه الجراحة تكون في الواقع قد قمت بتفكيك الدولة السودانية وليس تفكيك النظام.
عملية التصفية والتفكيك لنظام الإنقاذ بعد ثلاثين عاماً بآلية قرارات الإلغاء والتجميد والتعطيل والمصادرة داخل قطاع اقتصادي ضعيف أصلًا تبدو مثل التعامل بصورة عشوائية مع حالة طفل قام بابتلاع جسم غريب في بطنه وبدلًا عن التعامل العلمي الصحيح مع الطفل لإخراج ذلك الجسم من بطنه، قام أهله وأهل الحي بالضغط على بطنه وركلها من كل جانب حتى يخرج هذا الجسم فكانت النتيجة الطبيعية هي تعذيب الطفل وموته بدلاً عن إنقاذ حياته.
نظام الإنقاذ ياسادة موجود داخل جسد الدولة السودانية وفي بطنها لكن هذه ليست هي الطريقة الصحيحة لإخراجه بل أنتم تقومون الآن بفعل أحمق سيؤدي بالتأكيد الى موت الطفل وليس إنقاذه.
وإذا استمرت عملية التفكيك بهذه الصورة الإنتقامية ومحركاتها النفسية دون انتباه لما يترتب عليها من مخاطر على بقاء الدولة السودانية سيسمى فعلكم في فيلم التاريخ الذي لم ولن يفز بأي جائزة (ستموت في التفكيك) يابلدي.

اليوم التالي