رأي ومقالات

بروفسير الجزولي يرثي مولانا دفع الله الحاج يوسف

بروفسير الجزولي:
يرثي مولانا دفع الله الحاج يوسف
يقول الله تعالى في سورة البقرة : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )
صدق الله العظيم
إلى أخي دفع الله وهو في رحاب الله الذي لاتضيع ودائعه
ما كنت أحسب قبل دفنك في الثرى
أن الكواكب في التراب تغور
ما كنت أمل قبل نعشك أن أرى
رضوى على أيدي الرجال تسير
خرجوا به ولكل باكٍ خلفه
صعقات موسى يوم دك الطور
إلتقيت بدفع الله أول مرة في علم 1953 وأنا في السنة الاولى بجامعة الخرطوم وهو يومذاك ضمن الطلبة العشرين الذين فصلوا من خور طقت الثانويه بسبب نشاط طلابي مشهور.وجاء دفع الله لجامعة الخرطوم في عام 1954 ومن يومها ظلت حبال الود بيننا موصوله ولم يحدث قط ما عكر صفوها الى يوم فراقه الدنيا الفانيه.
خضنا معاً ومعنا كوكبه من الزملاء المعارك السياسيه والاجتماعيه التي كان يشارك فيها الطلبه،وكان هو يومذاك نجماً بارزاً في لجنة إتحاد طلبة الجامعه التي يسعى السياسيون بمختلف إتجاهاتهم السياسيه الى صعود منبرها للتعبير عن مواقفهم السياسيه.
ثم ذهب كل منا بعد التخرج في طريقه المهني والصداقه بيننا تنمو والأخاء يتجذر،فصار هو محامياً ورجل أعمال ،ووزيراً للتعليم،ورئيساً للقضاء وعلى رأس العديد من المؤسسات التعليميه والاقتصاديه وأنشغلت أنا بمهنة الطب والعمل الإجتماعي.
وفي إطار أهتماماتنا المشتركه وما أكثرها فكان يوماً يرسل لي مذكرات الصحفيه فيوناشو باللغة الانجليزيه حول لقائها مع الزبير باشا رحمة في منفاه في جبل طارق.ويوماً اخر يبعث لي ديوان الشاعر العراقي الفحل بدوي الجبل ويشير فيه الى روعة وصفه لنصب كاجورا في الهند.وكم جلسنا معاً نتصفح ديوان محمد مهدي الجواهري وتوقفنا عند مطلع قصيدته التي جاء في مطلعها :
ستبقى ويفنى نيزك وشهاب
عروق أبيات الدماء خضاب
وكان كثيراً ما يتوقف ،وهو شاعر مطبوع،عند شعر المعري في سقط الزند في رثاء والده:
مضى طاهر الجثمان والنفس والكرى
وسهد المنى والجيب والذيل والردنِ
الا ليت شعري هل يخف وقاره
اذا صار أحد في القيامة كالعهن
وهل يرد الحوض الروى مبادراً
مع الناس أم يأبى الزحام فيستأني
أما إفطاره في بيته العامر صباح كل جمعه فكان يجمع طيفاً واسعاً من الالوان السياسية والاجتماعية والادبية في العاصمه حيث تدورالنقاشات الوديه بين كرمه الفياض، ورعايته الشخصيه لكل ضيوفه.ولا غرابة في ذلك فقد كان باب أسرته مفتوحاً وكرمهم جواداً،وكان أصدقاؤه يفدون لمنزله ويقيمون فيه ولا يهم أن يكون دفع الله حاضراً أو غائباً.وأذكر أني جئت للعاصمه ذات مره وكالعاده قصدت المنزل العامر للاقامه فوجدت أخانا أحمد مناع والي الخرطوم الاسبق قد سبقني اليه وكان دفع الله انذاك خارج السودان.فاقمنا أياماً وكنا محل ترحاب والدته.
ولقد كان دفع الله يحمل رؤى سياسيه وإجتماعيه محدده ولكنه لم يجعل منها حواجزاً تفصل بينه وبين الناس بل جعلها جسوراً للتعارف والتعاون. ومن إنجازات الراحل أنه قد كلف من قبل الدوله بإعداد تقرير عن مشكلة دارفور،فأعد تقريراً ضافياً محايداً وعادلاً مما اصبح من المراجع عند النظر في حل هذه المشكلة.
لم يكن دفع الله شخصاً أو فرداً واحداً بل كان حياه كامله من الخير والصداقة والاخاء. بذهابه وااسفاه ذهبت هذه الحياه.
ترى هل يستطيع احد من اصدقائه أن يمر بشارع الدومه بامدرمان دون أن تتزاحم تلك الذكريات بخاطره أو أن تسد العبرات حلقه.
يالله إن دفع الله في مقعد صدق عندك،فاشمله بعفوك ومغفرتك، واجعل روحه في حواصل طير خضر تطوف به أرجاء الجنه، وأنزل شابيب صبرك على أسرته الكريمه وأصدقائه ومعارفه.
إنا لله إنا اليه راجعون
بروفسير/الجزولي دفع الله
5ديسمبر 2020

تعليق واحد