هيثم صديق

هيثم صديق يكتب.. آه يا سعاد


هيثم صديق
مات الكابلي في أمريكا وقبر بها، لأنه عند أهل السودان حي.
والكابلي نسخة أخيرة من كتاب الجودة والشامل في الفنون،
لا أظن هناك من يكتب ويلحن ويغني الآن.
زرت سواكن قبل مدة وطوفت بالدار التي ولد فيها.. كومة من حجار وأثراً بعد عين، كحال المدينة المظلومة لاحت لي مثل آهاته وهو يناجي سعاد في ملحمة الدوش العاطفية
كان لقاء المتمة بسواكن
عبد الله ود مساعد بعثمان دقنة.
مات النمر في المنفى مثل الكابل.
ويضاء الشرق ببارجة الأتراك فتأمل!
تكتكت سروالي الطويل
سويتلو رقعات في الوسط
هكذا يتشابه عشاق الريف الفقراء
وركزت شان البت سعاد
وهكذا تورث البطولة والثبات.
والكابلي بلحنه والدوش بالكلمات يختزلان التاريخ والحياة والموت
في بضع دقائق
والسكير المترنح يفرق ما بين المحبوبة والطاغية
هى يا سعاد
علي ود سكينة ومات اسى
وإنت بت بلاك ملعون ابوي
لو كنت أرضى أعرسا
وقت ليه يا عمدة اختشي
كان لقاءً متأخراً جداً ما بين الدوش والكابلي،
لكنه مثل الحلقة الأخيرة من المسلسل الشيق.
الفن لا ينتهى بانتهاء مراسم الدفن.
يبقى مثل سوق الحلاوين ١٩٠٨
ما كان بنشنق ود ابكريك في السوق
ويبقى مثل شارع الجامعة ١٩٦٤
هبت الخرطوم في جنح الدجى
ويبقى مثل بوحريد الجزائرية وباندونق وبن بيلا وتلك الأيام المضمخة برائحة المسك.
كان الكابلي في كل عروسة مولد وحلاوة سمسمية
وفي كل غبار ورزم النوبات
كما كان في نقش حناء الحمدانية في حلب وعربية تعض بشفائف العنب وثلج الأسنان على عناب الأنام وفي فاطنة مدقوقة الشفة السفلى وخالها الفارس
لم يغن الكابلي إلا خالداً في طول عمره البالغ تسعيناً من السنوات، غطى البلاد بطقسه الماطر ففرهدت تحت قطراته شتائل من تمور ولالوب وقنقليز ودوم ودرديق مثل صدور النواهد في البوادي يحملن الماء والحطب بلا حمالة صدر
السبب الحماه العيد معانا يحضره انه لم يغب عن أعيادنا قط، في المولد بلوحة المجذوب.
وفي الأضحى والفطر
في أعياد العمال والاستقلال والوحدة والثورات
وفي تاتاي البنات حتى يكبرن
أي صوت زار بالأمس خيالي
هذا نشيدهن من عمر الفطام وحتى الممات
هذه رمية لأغنية قادمة عن فنان بين كل قوسين من جمال، وكل شجرتين من ثمر وكل وردتين وجدولين ونهرين
ورسالة للقادمين ممن يريدون أن يخلدوا بأصواتهم؛ أن درب العشق ساهل
ودرب الوصول صعبان.

صحيفة اليوم التالي