سياسية

السُّعودية والسُّودان.. الأهداف المشتركة

في واحد من مجالس العلم والمعرفة والكرم في العاصمة السعودية الرياض، كنا في ضيافة شخصية سعودية من كبار المسؤولين والعلماء في المملكة العربية السعودية، وقد أقام المسؤول الكبير المجلس على شرف وفد رسمي سوداني كان في زيارة للمملكة وكنت أحد أعضائه، حشد له كوكبة نيرة من كبار الكُتّاب والمفكرين والإعلاميين في المملكة العربية، ودار نقاش علمي ومهم عن العلاقات السعودية – السودانية، وكعادة المجالس المشتركة بين الشعبين الشقيقين لا تخلو من الغزل في أزلية وخصوصية العلاقة بين الأشقاء في البلدين، ولأن مثل هذه اللقاءات لا تتكرّر، طرحت سؤالاً للجمع الكريم عن ما هي الغايات التي ترجوها السعودية من علاقتها مع السودان؟ بعدها قدم المسؤول الكبير محاضرة قيِّمة وتاريخية عن العلاقة بين الشعبين، وشرح بإسهاب أن أولى أولويات السعودية أن يكون السودان آمناً ومستقراً وفي رفاه، ووضع اقتصادي وسياسي مستقر، وختم قوله (هنا تكمن مصلحة السعودية في السودان).
شدني الحديث، وظللت أبحث في حيثياته فوجدت كل الشواهد تدلل على ذلك، مع التأكيد أن العلاقة بين الشعوب تقوم على المصالح المشتركة، ولكن على مر تاريخ العلاقة بين البلدين، ظلّت المملكة ترى مصلحتها في أمن واستقرار السودان، وإذا تمت مقارنة هذا الموقف مع المحيط الإقليمي أو الدولي ذي العلاقة مع السودان، نجد الفرق شاسعا، فلكل دولة بمن فيهم التي توصف بأنها دولٌ صديقة وشقيقة، مصلحة في موارد السودان. ولقد رأينا عندما أنعم الله على السودان بإنتاج مئات الأطنان من الذهب، تم تهريبها لكل الدول التي تسمى شقيقة وصديقة إلا المملكة فلم يصلها جرامٌ واحدٌ من ذهب السودان. وعندما تجوّل المتمردون الذين كانوا يقاتلون الدولة السودانية في أنحاء الدول التي تسمى شقيقة وصديقة يجدون الدعم والتحريض، نأت المملكة عن أي صراع داخلي إلا بما يوفق بين أهل السودان ويحقن دماءهم.

بعد التغيير الذي حدث في أبريل 2019، ظلت المملكة قريبة من الشعب السوداني داعمة لخياراته، ساعية للوفاق بين أطرافه، وقد كان لسفيرها، الذي جاء للسودان بخبرة دبلوماسية ضخمة، ودعم وترشيح من خادم الحرمين الشريفين، ودبلوماسيتها النشطة دورٌ كبيرٌ في تحقيق الوثيقة الدستورية التي مهّدت لحكومة ما بعد الثورة، وهذا معلومٌ لكل أطراف العملية السياسية في السودان. وخلال الفترة الانتقالية، طرحت المملكة خُطة للشراكة الاستراتيجية بين البلدين من خلال اللقاء الذي جمع بين سمو الأمير محمد بن سلمان والدكتور عبد الله حمدوك في زيارة الأخير للمملكة، وذلك من خلال إنشاء صندوق استثمارات مشترك برأسمال كبير يخدم قطاعات التنمية فيه السودان وفق رؤى علمية، وكان المشروع قاب قوسين أو أدنى لولا تقاطعات الفرقاء في السودان.
بعد الخامس والعشرين من أكتوبر، دخل السودان في أزمة دستورية مُعقّدة أصبحت تهدد أمنه واستقراره، فتحرّكت المملكة العربية السعودية مُمثلةً في سفيرها النشط مدعوماً بتوجيهات ملكية ودعم دبلوماسي لحلحلة الأزمة السودانية، حتى نجح سعادة السفير في جمع المكون العسكري وممثلين للحرية والتغيير في منزله، نزعاً لفتيل الاحتقان والتنافر، وتمهيداً لمخرج آمن من النفق المُظلم الذي دخلت فيه البلاد.
وختاماً، تظل المملكة الحليف الاستراتيجي والأقوى والأقرب للسودان لتلاقي الأهداف والبحث المشترك عن الأمن والاستقرار دون أطماع أو أجندة خفيّة.

صحيفة السوداني