السودان في المرتبة الثانية..هل يوقف تجريم الانتحار نزيف الموت في الدول العربية؟
يأتي السودان في المرتبة الثانية بنسبة 3.8 لكل 100 ألف، يليه مصر في المرتبة الثالثة بنسبة 3 حالات لكل 100 ألف شخص. وإن كانت مصر تتصدر قائمة أعداد المنتحرين سنويا في المنطقة العربية، نظرا لضخامة تعدادها السكاني.
لا يجد محمد المصري، وهو أحد المشاركين في استطلاع رأي أجرته بي بي سي في شوارع المدن العربية، غضاضة في معاقبة من يصل بهم اليأس إلى الإقدام على إنهاء حياتهم.
“إذا لم يمت يعاقب بالطبع”، يقولها بلا تردد، ليعكس رأيا بات يعززه توجه في دول عربية عدة لتجريم محاولات الانتحار، ومعاقبة من يحاولون إنهاء حيواتهم بالحبس أو الغرامة أو الاثنين معا، بينما تتواصل حوادث الانتحار في المنطقة، خاصة بين الشباب، وآخرها انتحار شاب مصري بإلقاء نفسه من برج القاهرة يوم أمس الاثنين.
بعض الدول العربية تتضمن ترسانتها القانونية بالفعل تشريعات تجرم الانتحار، بينما تتجه أخرى نحو سن قوانين في الإطار ذاته.
فالقانون العماني مثلا، يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد عن ثلاثة آلاف ريال عماني (وهو ما يعادل 7800 دولار) أو بإحدى هاتين العقوبتين “كل من شرع في الانتحار”.
ويعاقب القانون السوداني من حاول قتل نفسه بالغرامة والسجن الذي قد يصل إلى عام كامل، وهي عقوبة مشابهة لمثيلتها في القانون القطري.
قوانين جديدة
وقد تنضم الأردن إلى هذه القائمة بعد إقرار مجلس النواب لقانون جديد يعاقب من يحاول الانتحار “في الأماكن العامة”، وهو شرط أثار كثيرا من الانتقادات والسخرية على وسائل التواصل الاجتماعي.
تقول غيدا طلال “في كل بيت هناك من يعاني بصمت من حالة نفسية ومن حقه أن نوفر له العلاج النفسي ليتغلب على هذه المعاناة، لا معاقبتهم ولومهم”.
بالمثل تعرب أمينة حسن، التي استطلعت بي بي سي رأيها في العاصمة الأردنية عمان، عن رفضها للقرار، إذ تقول “بالطبع أنا ضد هذا القرار، حيث أصبحت ضغوط الحياة والظروف الاقتصادية صعبة جدا على الكثيرين”.
وتبحث مصر مشروع قانون مماثل يجرم محاولة الانتحار الفاشلة الثانية بغرامة تصل إلى ما يوازي 3200 دولار.
ترى إحدى المشاركات في استطلاع الرأي من القاهرة أن من يحاولون الانتحار “يستحقون العقاب”، بينما يعبر آخر عن اعتقاده أن ظروف الحياة الصعبة في البلاد تجعل من التفكير في الانتحار أمرا واسع الانتشار: “نحن 110 مليون مواطن يريدون الانتحار”.
الانتحار والفقر؟
بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية يأتي اليمن في المرتبة الأولى بالنسبة للدول العربية في نسبة حالات الانتحار للعام 2019 والتي وصلت إلى 5.80 حالة لكل 100 ألف مواطن.
ويأتي السودان في المرتبة الثانية بنسبة 3.8 لكل 100 ألف، يليه مصر في المرتبة الثالثة بنسبة 3 حالات لكل 100 ألف شخص. وإن كانت مصر تتصدر قائمة أعداد المنتحرين سنويا في المنطقة العربية، نظرا لضخامة تعدادها السكاني.
لكن الانتحار ليس حكرا على المنطقة العربية، فوفقا لمنظمة الصحة العالمية ينتحر سنويا أكثر من 700 ألف شخص حول العالم. وتقتصر هذه الإحصاءات على من أنهوا حياتهم بالفعل، بينما يتجاوز عدد محاولات الانتحار هذا الرقم بكثير.
وعلى الرغم من الاعتقاد السائد أن الدول الأكثر رفاهية تسجل نسب انتحار أعلى، تثبت الإحصاءات عكس ذلك. حيث يأتي 77 في المئة من المنتحرين من دول تعاني اقتصاديا.
وبحسب منظمة الصحة العالمية يرجع ذلك غالبا إلى الرغبة في إنهاء الحياة في لحظات الأزمات وضغوط الحياة وعلى رأسها “المشاكل المالية والأمراض المزمنة”، بالإضافة إلى ارتباط العنف والكوارث بالسلوك الانتحاري.
الانتحار والمرض النفسي
ترتبط أغلب حالات الانتحار بالاضطرابات النفسية بشكل وثيق وخاصة بالاكتئاب، كما يقول الدكتور نادر الصادي – أخصائي الطب النفسي رئيس القسم القضائي في المركز الوطني للصحة النفسية بالأردن الذي تحدث عن اندهاشه لقرار مجلس النواب حيث يرى أنه “لا يخدم الصحة العامة والصحة النفسية في البلد”.
ويقول الصادي “الانتحار هو أقصى حالات الضعف النفسي”،مشيرا إلى أن هناك دائما أسباب وراء الانتحار، سواء كانت هذه الأسباب أمراض نفسية مشخصة أو غير مشخصة، أو “أسباب اجتماعية أو ظروف نفسية طارئة”. وأن كل من يقدم على الانتحار وينجو من الموت فهو بحاجة للتقييم الطبي، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي.
لرجال الدين رأي آخر
ويقول الدكتور السعدني شويته – عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، في حديث لبي بي سي إن الاعتقاد بأن المنتحر كافر هو اعتقاد خاطئ، “ولكن الانتحار هو معصية من كبائر المعاصي”.
ويضيف، إذا كان الأمر قد تجاوز مرحلة التفكير في الانتحار، وحاول الشخص إنهاء حياته بالفعل “فلابد أن يعاقب على ذلك في الدنيا، قبل العقاب في الآخرة”. يرى د. شويته أن هذا ضروري لكي يصبح الشخص عبرة لغيره ممن يحاولون الانتحار.
فما هو وقع العقوبة على من حاولوا الانتحار؟ في عمان التقى فريق بي بي سي، بناديا (اسم مستعار لحماية هويتها) في الأربعينات من عمرها. وقد حاولت ناديا الانتحار أكثر من مرة.
تقول ناديا إنها عندما كانت تفكر بالانتحار، لم يكن لديها الوعي النفسي الكافي، “كنت صغيرة، ولم أكن قادرة على حل المشكلة”.
وتؤكد أنها، كغيرها ممن يفكرون بالانتحار، بحاجة إلى “المساعدة والمعونة” وليس إلى العقوبة.
بحثت ناديا عن علاج نفسي ولكن الطب النفسي كان باهظ الثمن بالنسبة لها، ولكنها لم تيأس وتعالجت نفسيا بالفعل بعدما تم تشخيصها بالاكتئاب، ومن وقتها لم تعد تفكر في الانتحار أبدا.
باج نيوز