سياسية

هل يفعلها السودان؟ رهن الموارد الطبيعية للحصول على قروض مدعومة

نصح ثلاثة من خبراء البنك الدولي، الدول النامية برهن مواردها الطبيعية بهدف تأمين التمويل الذي تحتاج إليه والحصول على قروض، وقبل عامين كانت الحكومة السودان قد بدأت مشاورات في هذا الاتجاه لكنها لم تكتمل بسبب الإجراءات التي اتخذها الجيش في الخامس والعشرين من أكتوبر، وقتها حذَّر العديد من الخبراء من رهن موارد البلاد مهما كانت قيمة التمويل، لجهة أن مؤسسات الرقابة المالية قد خرجت منهكة من سياسات النظام البائد، وفوق ذلك، لم يتمكَّن السودان وقتها من الوصول إلى نقطة اتخاذ القرار للاستفادة من مشروع جدولة ديون الدول المثقلة بالديون (الهيبيك)، لا أحد يدري إلى أين وصلت المشاورات التي كانت تجريها الحكومة بخصوص رهن الموارد؟ لكن مجرَّد الفكرة لا تخلو من مخاطر، ورهن الموارد من أجل التمويل، لم تطرح كفكرة في السودان، على بساط النقاش والتداول حتى تتم تبيان إيجابياتها من السلبيات.

قبل أيام نشر ثلاثة من كبار الخبراء في البنك الدولي وهم: مارسيلو استيفاو، مدير عام، الاقتصاد الكلي والتجارة والاستثمار، دييغو ريفاتي، اختصاصي أول ديون بقطاع الممارسات العالمية للاقتصاد الكلي والتجارة والاستثمار وديفيد ميهالي، خبير الاقتصاد الكلي والتجارة والاستثمار، دراسة ميدانية لمعرفة إلى أي مدى تحسَّنت اقتصاديات الدول التي رهنت مواردها للدائنين “دول ومؤسسات”، ولمزيد من التداول رأينا في (الصيحة) نشر ملخص لهذه الدراسة ونأمل أن يتم النقاش حولها من قبل المهتمين.

رهن الموارد

يؤدي ارتفاع الديون وارتفاع أسعار السلع الأولية بشكل قياسي غير مسبوق إلى إغراء العديد من البلدان النامية برهن مواردها الطبيعية لتأمين التمويل الذي تحتاج إليه على وجه السرعة، وينبغي لها أن تتوخى الحذر: فتجدُّد اعتماد القروض المدعومة بالموارد يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية عليها.

جنوب السودان وتشاد

ولنأخذ جنوب السودان على سبيل المثال. يدفع هذا البلد بالفعل ثمن قرض تم تخطيطه على نحو ضعيف ومدعوم بالنفط وتم الحصول عليه عندما كانت قدراته الإنتاجية لا تزال قوية.

وتعمل تشاد جاهدة لإعادة هيكلة ديونها، لأن المقرضين التجاريين الذين قدَّموا القروض المدعومة بالنفط ليس لديهم حافز يذكر لتخفيف أعباء هذه الديون على الحكومة. ودخلت زيمبابوي مؤخراً في مفاوضات مع شركة لتجارة السلع الأولية لتقديم إيرادات مناجم الذهب والنيكل المربحة لسداد ديونها للشركة.

تدفقات مستقبلية

والقروض المدعومة بالموارد هي قروض حكومية كبيرة – جرت العادة أن تكون لمشروعات البنى التحتية – وهي مضمونة بتدفقات الدخل المستقبلية من ثروات الموارد الطبيعية للبلد المعني. وغالباً ما تتسم هذه القروض بالغموض: لا يتم الإفصاح عن الكثير عن شروطها التعاقدية، وهو ما يعني صعوبة المساءلة عنها أمام الشعوب، وهذه القروض ليست جديدة – فهي تعود إلى قرن من الزمان على الأقل. لكنها أصبحت مستخدمة على نطاق واسع في البلدان النامية الغنية بالموارد في أثناء طفرة أسعار السلع الأولية في أوائل العقد الأول من القرن الحالي. وفي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، على سبيل المثال، مثَّلت هذه القروض نحو (10%) من إجمالي القروض الجديدة بين عامي 2004م، و2018م.

صفقات غامضة

هذه القروض ليست بطبيعتها سيئة السمعة: ففي ظل ظروف محدَّدة، يمكن أن تكون مفيدة للبلدان الفقيرة التي لديها ثروات من الموارد الطبيعية. لكنها تتطلَّب تحليلاً دقيقاً لمخاطر التكلفة والقدرة على تحمُّلها وشفافية بشأن شروطها التعاقدية ونادراً ما يحدث ذلك، ونتيجة لذلك، من المرجَّح أن تؤدي القروض المدعومة بالموارد إلى تفاقم مخاطر الديون أكثر من تخفيف حدِّتها.

وقمنا مؤخراً بتحليل عينة من (30) قرضاً، مدعوماً بالموارد قُدمت إلى الحكومات المركزية والمؤسسات المملوكة للدولة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء في الفترة من 2004 إلى 2018م، بإجمالي (46.5) مليار دولار، أو ما يقرب من (10%) من الاقتراض الجديد للقارة خلال هذه الفترة. وعلى الرغم من حجم هذه القروض، لم تكن هناك معلومات تذكر عن شروطها.

بنود سرية

وهناك عدة أسباب لذلك. أولاً، عادة ما تكون لدى البلدان التي تعتمد على هذه الأساليب للاقتراض ممارسات ضعيفة بشأن الإفصاح عن الديون. ثانياً، غالباً ما يتم التعاقد على هذه القروض من جانب مؤسسات مملوكة للدولة أو مؤسسات ذات أغراض خاصة لا تنشر بيانات مالية مدققة أو لا تقدِّم البيانات إلى الجهة المعنية بإدارة الديون في الدولة. ثالثاً، غالباً ما تتضمَّن هذه العقود بنوداً صارمة بشأن السرية.

التجربة التشادية

ولا تكون القروض المدعومة بالموارد بالضرورة أرخص من القروض غير المضمونة، فعلى سبيل المثال، أعادت تشاد هيكلة قرضها مع مؤسسة جلينكور في عام 2015م، لكنها لا تزال تدفع أكثر من (8%) من التكلفة الكلية لقرضها المضمون بالكامل قبل إعادة هيكلته مرة أخرى في 2018م.

وتشير هذه الأسباب إلى قروض تُدفع يوم تحصيل الإيرادات. أولاً، عادة ما يكون لدى المقترض الذي يحصل على قرض مدعوم بالموارد قدرة محدودة على الوصول إلى الأسواق أو نطاق محدود لمصادر التمويل. ثانياً، نظراً لتعقد هذه المعاملات، قد لا يفهم المقترضون تماماً آثار شروط العقد عند التفاوض بشأنها. وتتفاقم هذه المخاطر بسبب الافتقار إلى الشفافية ومساءلة الحكومة.

مبادرة الشفافية

وهناك تحسُّن في الشفافية على الأقل. وتقوم وزارات المالية في البلدان النامية بتحسين أساليب الإفصاح والتقارير عن الدين العام بصورة متزايدة. وبدأت الحكومات في الإفصاح عن الشروط الرئيسة وتدفقات المدفوعات المرتبطة بهذه المعاملات من خلال مبادرة الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية، وتدقق منظمات المجتمع المدني في هذه المعاملات عن كثب وتطالب الحكومات بأن تكون أكثر شفافية بشأن هذه الصفقات. وفي الوقت نفسه، يعمل البنك الدولي على إدراج تفاصيل ضمانات الديون في قاعدة بيانات نظام إبلاغ البلدان المدينة عن ديونها.

اللعب المكشوف

ونتيجة لذلك، نعرف المزيد عن هذه الصفقات والمعاملات، ولكن ليس بما يكفي حتى الآن لنزع فتيل الخطر. ومن الضروري الإعلان للجمهور عن تفاصيل هذه القروض. وقد بدأت بعض الحكومات في اتخاذ خطوات مهمة في هذا الاتجاه.

فقد نشرت جمهورية الكونغو الديموقراطية، على سبيل المثال، عقوداً تتضمَّن قروضاً مدعومة بالموارد بين شركات التعدين المملوكة للدولة واتحاد شركات صينية ومع شركة كبيرة لتجارة السلع الأولية. وللتشجيع على إحراز مزيد من التقدُّم، يجب أن تضع البلدان شروطاً قانونية للإفصاح عن عقود القروض.

مخاطر أقل

ولكن في الوقت الحالي، يجب أن تظل الاقتصادات النامية التي لديها احتياجات تمويلية متزايدة حذَّرت من القروض المدعومة بالموارد، وفي وقت يتسم بعدم اليقين الاقتصادي على نحو استثنائي، على هذه البلدان الحصول على التمويل بأقل تكلفة وأقل مخاطر بدلاً من رهن مقدراتها وأرصدتها المستقبلية لدى سماسرة السلع الأولية.

صحيفة الصيحة