ملامح اتفاق مصري إثيوبي حول سد النهضة
قالت مصادر مصرية مطلعة على مفاوضات سد النهضة إن هناك “ملامح اتفاق مزمع الإعلان عنه في انتهاء مدة الأشهر الأربعة التي حددها البيان المصري الإثيوبي المشترك” قبل أيام عقب اللقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في القاهرة.
وتخلل ذلك اللقاء اتفاق على “الشروع في مفاوضات عاجلة للانتهاء من الاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان لملء سد النهضة وقواعد تشغيله”، و”بذل جميع الجهود الضرورية للانتهاء من هذا الاتفاق خلال أربعة أشهر”.
وقال البيان إنه “خلال فترة هذه المفاوضات، أوضحت إثيوبيا التزامها، في أثناء ملء السد خلال العام الهيدرولوجي 2023-2024، بعدم إلحاق ضرر ذي شأن بمصر والسودان، بما يوفر الاحتياجات المائية لكلا البلدين”.
توافق مسبق بين القاهرة وأديس أبابا
وقال دبلوماسي مصري، لـ”العربي الجديد”، طالباً عدم ذكر اسمه، إن “الاتفاق المشار إليه والذي ستدور حوله المفاوضات، يحظى بتوافق مسبق بين القاهرة وأديس أبابا، بشأن كونه اتفاق تعاون ليس ملزماً”، على حد تعبيره.
وأوضح الدبلوماسي المصري أن “الاتفاق المشار إليه، قائم على تصور الشراكة الاقتصادية، التي سبق وطرحتها دولة الإمارات”، مشدداً على أن “عنصر التوقيت، لعب دوراً كبيراً في الوصول إلى تلك المرحلة”. وتابع: “ربما لولا قرب موعد الانتخابات الرئاسية (المقررة العام المقبل)، لما قبلت الإدارة المصرية بهذا التصور، خصوصاً أنه مطروح من جانب أبوظبي منذ أكثر من عامين، ورفضته القاهرة في أكثر من مناسبة”.
وفي السياق، قال أستاذ هندسة السدود المصري محمد حافظ، لـ”العربي الجديد”، إنه “بعد فشل المفاوضات تحت مظلة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والانتقال للتفاوض تحت مظلة أبوظبي، شرعت إثيوبيا في رفع قيمة حصتها المطلوبة، خصوصاً بعد نجاح الملء الأول والثاني والثالث، وبدأت تطالب بثلث إجمالي التدفق عند موقع سد النهضة أي قرابة 16 مليار متر مكعب”.
وأضاف حافظ: “ربما سبب رفع إثيوبيا سقف مطالبها جاء بموافقة من أبوظبي، وبالتفاهم مع الرئيس السيسي، وستكون هناك فرصة متاحة للإمارات أيضاً للحصول على ما تريده من مياه نهر النيل الأزرق، لري مشاريعها المشتركة مع إثيوبيا في مزارع قصب السكر، المتوقع إنشاؤها خلف سد السرج (في إثيوبيا) والتي تقدر مساحتها بقرابة 3 ملايين فدان”.
وأشار حافظ إلى “حديث وزير الخارجية المصري سامح شكري بشكل واضح عن أطماع إثيوبيا المبنية على ري مزارع قصب السكر خلف سد السرج، وذلك خلال انعقاد مجلس الأمن الدولي، في شهر سبتمبر/أيلول 2020، لمناقشة أزمة سد النهضة”.
وفي وقت سابق، كشفت مصادر مصرية وسودانية لـ”العربي الجديد” عن “تقديم أبوظبي، عبر وساطة سابقة لها بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، رؤية لحل أزمة سد النهضة، بعيدة عن توقيع اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل السد، تتضمن إقامة مشروعات اقتصادية بتمويل منها، تتوزع على الدول الثلاث، وتكون مرتبطة عبر إدارة مشتركة، باعتبار أن ذلك سيكون أكبر ضمانة لعدم منع أديس أبابا المياه عن دولتي المصب”.
مخاوف من فرض أمر واقع
من جهته، حذر الدبلوماسي السابق محمد مرسي، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري لشؤون المياه، من “الاستدراج لأفكار تمهد لفرض إثيوبيا سياسة الأمر الواقع”. وقال في منشور على حسابه في موقع “فيسبوك”، تعليقاً على بيان أصدره أبي أحمد في ختام زيارته للقاهرة، بشأن استعداده للتعاون في ملف السد: “علينا ألا نُستدرج لأفكار تمهد لقبول تدريجي للأمر الواقع ولفكرة بيع المياه ولو بصياغات وأطر متنوعة، تحت مسميات تنموية وتعاونية واستثمارية مختلفة، تلتف على هذا العنوان المرفوض من مصر في الماضي والحاضر والمستقبل”.
وأضاف: “إثيوبيا لن تقبل طواعية توقيع ورقة واحدة تتضمن تنازلها عما تراه حقها في ملكية مياه النيل، والاعتراف بحصة مصر في مياه هذا النهر الدولي، وإلزامها بالتشاور والتنسيق المسبق معنا عند إقامة السدود والمشروعات التي تؤثر في تدفق مياه النيل الأزرق إلى دولتي المصب”.
وتابع: “قد تطرح إثيوبيا، وقد تقبل طرح آخرين مشروعات اتفاقيات تعاون اقتصادي لا تمس هذه الثوابت الإثيوبية، وعلينا بالتبعية ألا نقبل أيضاً باتفاقيات لا تتضمن الإقرار بحقنا في المياه، وفي التنسيق المسبق معنا في إقامة السدود والمشروعات المائية التي تؤثر علينا وفي إدارتها”. وأضاف: “لا بد أن تكون التنازلات متبادلة، وأن تنطلق من مبدأ الكل فائز والمنفعة متبادلة”.
دبلوماسي مصري آخر، تحدث عن “التحركات التي تقودها القاهرة على صعيد الأزمة السودانية”، ورأى أنها “لا تنفصل بأي حال من الأحوال، عن أزمة سد النهضة”.
ولفت الدبلوماسي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى “استغلال القاهرة دورها الظاهر أخيراً على صعيد الأزمة السودانية، في فتح مسار تفاوضي مع دول حوض النيل، من أجل إحياء مسارات التنسيق معها، عبر آلية جديدة، لتفادي التحركات والدعوات الإثيوبية الرامية لتحديد حصص مائية من النهر لجميع دول حوض النيل”، مشيراً إلى زيارة الرئيس المصري إلى كينيا، والتي ستتبعها زيارات لبعض دول الحوض، خلال تلك الجولة.
وقال الدبلوماسي إن “التحركات الأخيرة، سواء على صعيد ملف الأزمة السودانية، أو على صعيد ملف أزمة مياه النيل، عكفت على هندستها، ووضع رؤية شاملة لها، وزيرة التعاون الدولي السابقة فايزة أبو النجا، مستشارة رئيس الجمهورية لشؤون الأمن القومي حالياً” التي ترأس مجموعة عمل في مؤسسة الرئاسة، تضم دبلوماسيين سابقين.
العربي الجديد