اقتصاد وأعمال

الاستفتاء يلهب الأسعار بالسودان

تزايدت شكاوى الناس في السودان من ارتفاع أسعار السلع، خاصة الأساسية منها كالسكر والدقيق والزيت، خلال بضعة أسابيع، وبلغت الزيادة في بعضها نحو 80% وسط حالة من عدم الاستقرار تشهدها الأسواق قبيل استفتاء تقرير مصير جنوب السودان المقرر إجراؤه في التاسع من يناير/كانون الثاني المقبل.

دفع هذا الانفلات في الأسعار علي عثمان طه نائب الرئيس السوداني إلى توعد محتكري السلع، وطالب الناس بالإبلاغ عنهم، في حين شن نواب حزب المؤتمر الوطني الحاكم هجوما غير مسبوق على وزراء القطاع الاقتصادي بسبب هذه الزيادات، وأمهلوهم مدة قصيرة لاحتواء الأزمة. وطرح الوزراء مجموعة حلول من بينها فتح الاستيراد للسلع وإعفاؤها من الرسوم.

وكان من المفروض أن يمثل وزير المالية والاقتصاد الوطني أمام المجلس الوطني (البرلمان) الثلاثاء للإجابة عن تساؤل بشأن المخزون الإستراتيجي، لكنه اعتذر.

فأسعار الخبز زادت عبر تقليل عدد الأرغفة التي تباع بجنيه سوداني (الدولار يساوي نحو ثلاثة جنيهات سودانية) من ستة إلى أربعة أو ثلاثة في بعض المناطق مع صغر حجم الرغيف، وزاد سعر السكر والأرز واللحم والزيت والعدس بنسب تراوحت بين 20% و80%.

الكثير ممن تحدثت إليهم الجزيرة نت في شوارع الخرطوم بشأن لهيب الأسعار تكلموا بصراحة لكنهم طلبوا عدم التصريح بأسمائهم بسبب ما وصفوه بالفترة الحرجة التي تمر بها البلاد قبل الاستفتاء وعدم إثارة غضب الأجهزة المعنية.

العمال المياومون تضرروا كثيرا من الزيادة في الأسعار (الجزيرة نت)
شراء بالأجل
في منطقة الحرفيين بوسط العاصمة قال أحد أعضاء فرعية النقاشين -وهي جزء من النقابة العامة للحرفين- إن الفئة التي يجلس بينها ليس لها تأمين صحي ولا بطاقة تموينية ويشتغل أفرادها بأجرة يومية وتبعا لحالة السوق، فقد يعمل الواحد منهم بضعة أيام في الشهر فقط، وجلهم إن لم يكونوا كلهم يعيشون بشراء البضائع بالأجل.

واعتبر المتحدث نفسه أن العمالة الأجنبية التي جاءت بها بعض الشركات والمستثمرين أضرت كثيرا بهؤلاء الحرفيين.

مياوم في الحفر يعول أسرة من خمسة أفراد مع والدته التي تدير تجارة بسيطة، يقول إن زيادة الأسعار زادت محنته، خاصة وأنه أحيانا يعمل بضعة أيام في الشهر فقط ولا يكفله مدخولها فأنى له أن يكفل أهله.

سائق سيارة الأجرة عمر سليمان صالح يعول بدوره سبعة أفراد بنحو 450 جنيها هي كل ما يجنبه من عمله، قال إن وضعه المالي كان في الأصل مأزوما، لكن الزيادة الجديدة في الأسعار زادته تأزما.

ويضيف عمر أن التأمين الصحي والعلاج أصبح ترفا عند أمثاله بعد أن قضى شراء الطعام على ما يحصل عليه، كما اعتبر العديد ممن التقتهم الجزيرة نت أن العدس والأرز أصبحا طعام الأثرياء حيث ارتفع ثمنهما كثيرا بعد أن كانا طعاما للأغلبية الساحقة.

وفي السوق العربي أكد البقال عبد القادر علي أن زيادة الأسعار أثرت على المبيعات بنسبة نحو 25% بسبب تقليل الناس كميات استهلاكهم، في حين قال بقال آخر هو عبد المحمود إن التراجع بلغ في بعض الأحيان 50%.

محمد الناير قال إن عدة عوامل أدت إلى هذه الزيادات (الجزيرة نت)
المخزون الإستراتيجي
وبشأن هذه الأزمة قال الخبير الاقتصادي محمد الناير إن عدة عوامل متضافرة أدت إلى هذه الزيادات، من بينها بالفعل القلق غير المبرر قبيل الاستفتاء، والذي دفع مستثمرين إلى إخراج أموالهم أو وقف مشروعاتهم، إضافة إلى وجود طلب غير طبيعي على النقد الأجنبي والسلع، سواء فرديا أو جماعيا، مع تراجع العملة الوطنية أمام الدولار والعملات الأجنبية مما جعل العملة غير ثابتة، وهو ما يهز الاقتصاد مباشرة.

ودعا الناير إلى إعادة تقويم سياسة التحرر الاقتصادي وتصحيح أخطاء التطبيق خاصة لدى التجار، وذلك عبر جهاز استشعار مبكر يراقب مخزونات البلاد الضرورية، وعند الشعور بنقص سلعة أو استغلال تجار تتدخل الدولة وتطرح السلع بسعر مناسب.

وحث الناير المسؤولين على تفعيل كامل لدور المخزون الإستراتيجي من خلال توفير مال دوار، بمعنى الشراء من المنتج عند الوفرة بسعر تشجيعي يحفزه على زيادة الإنتاج والبيع للمستهلك وقت الندرة بالسعر المناسب، وهو سعر الشراء مع هامش ربح معقول يحفظ المال من التآكل بسبب التضخم.

الجزيرة نت