لا تبك علىّ أيها الســودان .. فيلم كوري يحكي قصة عشق لجبال التونج
يشى عنوان الفيلم الكورى عن جنوب السودان الذى عرض مؤخرا بأنك امام فيلم سياسى يتحدث عن اللحظة المفصلية التى يمر بها السودان فى ان يظل موحدا او ينفصل جنوبه عن شماله ولكن محتوى الفيلم يعالج بعدا انسانيا بحرفية سينمائية اكثر منه خطابا ســياسيا، حيث عرض فى كوريا فيلم سينمائى بعنوان «لا تبك علىّ أيها الســودان» (Don>t Cry for me, Sudan )، من إخراج المخرج الكوري الشهير كوو سوو هوان ، وهو فى الاصل مقتبس من فيلم تسجيلي وثائقي كوري آخر بعنوان « شويتزر السودان»
وكتب محمد آدم بموقع القسم العربي بالكي بي إس وورلد راديو من سيول يقول رغم أن الفيلم إنتاج كوري خالص من بطولة فنانين كوريين، إلا أن الجزء الأكبر منه يدور في السودان، بل وفي أدغال الجنوب السوداني القصي. يبدأ الفيلم في العام 1962بمولد طفل كوري فقير هو الطفل التاسع لأسرته الكورية الريفية الفقيرة المدقعة الفقر، وتستمر القصة في تسلسل مؤثر بديع حتى لحظة النهاية التي هي ذروة الفيلم والتي يبلغ فيها تأثر الجمهور قمته ويذرف الكثيرون الدموع التي يكاد الشخص يتبينّها رغم الظلام الكثيف والصمت المخيم الذي يلف قاعة العرض السينمائي.
بطل الفيلم وهو شخصية حقيقية ظهرت في بعض اللقطات المؤثرة من الفيلم هو الدكتور لي تي سوك، ورغم أنه نشأ وترعرع في كنف أسرة فقيرة معدمة تضم عشرة أطفال، إلا أنه ترعرع على حب عمل الخير،وعرف منذ طفولته الأولى بالصلاح والاستقامة، وأراد أن يصبح قسيسا – إلا أن أمه منعته من ذلك، وأصرت أن يتعلم الطب حتى يساعد في إعالة أسرته الكبيرة، ولأن شقيقه الأكبر قد صار قسيسا فعلا. درس الشاب النابغ الطب، وصار طبيبا متخصصا وناجحا، وكان يفتح عيادته في كل يوم لاستقبال المرضى من المحتاجين والفقراء ويعالجهم مجانا، بل ويشتري لهم الدواء من حر ماله. ولما بدأت أوضاع كوريا الاقتصادية في التحسن، وبدأ الكثيرون يعيشون حالة من الرغد والرفاهية، أحس بأن كوريا ما عادت تتسع لما يحمله بين جوانحه من رحمة، فقرر أن يفر برحمته إلى جنوب العالم الفقير، إلى أفريقيا، وساقته الأقدار في العام 1997 إلى قرية فقيرة في الجنوب السوداني في منطقة التونج يقطنها أفراد من قبيلة الدينكا، ويتفشى فيها مرض مزمن مستعصٍ عضال هو مرض الجذام، فقرر أن يبقى هناك لمعالجة أكبر عدد ممكن من المرضى. كان يستقبل مئات الحالات في كل يوم داخل عيادته،وكان يقود سيارته التي استوردها من كوريا إلى مناطق جبلية بعيدة لمعاينة بعض الحالات التي لا يستطيع أصحابها الحركة أو الحضور للعيادة، وكان ينظم، من على البعد، حملات تبرعات في كوريا ليرسلوا له بعض المعدات الطبية والدواء.لم يكتف بالعلاج، بل افتتح مدرسة لتعليم أطفال القرية مبادئ القراءة والكتابة والرياضيات والعلوم،وكان موسيقيا موهوبا، وصاحب صوت رخيم مطرب، ولهذا كان يقيم بين الفينة والأخرى حفلات موسيقية غنائية راقصة، يشاركه في إحيائها الموهوبون من أبناء وبنات القرية، كما كتب كتابا بلغة إنجليزية مبسطة بعنوان « كيف نكون أصدقاء» ووزعه على كل القراء من أهل القرية ومناطق الجوار.كان أيضا يعشق ممارسة التأمل على الطريقة الآسيوية التي تجعل من التأمل علاجا للروح والبدن، وعلم تلاميذه كيفية تجاوز كل همومهم عن طريق التأمل.
وفي أواخر عام 2008م، وبعد سنوات طويلة في التونج،عاد فيما أرادها إجازة قصيرة للاطمئنان على الأهل والأصدقاء، لكن الأقدار أرادتها غير ذلك، عندما فاجأته أعراض مرضية، وأكد التشخيص أنه مصاب بمرض السرطان. رغم ذلك أصر على أن يذهب ليموت مع أهله الجدد في جبال التونج، إلا أن أهله الكوريين، وتدهور حالته الصحية، حالا دون ذلك، ودخل في معركة مع المرض الفتاك الذي لا يعرف الرحمة، حتى قضى عليه المرض في يوم شتوي كئيب في يناير من هذا العام.
كانت نهاية الفيلم مؤثرة جدا، حيث ظهر الطبيب الشاب، الذي لم يتجاوز عمره الـ (48) عاماًً، قضى (13) عاماً منها وهو يصارع مرض الجذام وهو ينهش أجساد الأهالي في أعالي جبال التونج، وعامين وهو يصارع السرطان وهو يستشري داخل جسده ، ظهر في الفيلم التسجيلي وهو يغمض اغماضته الأخيرة، ويتمتم بكلمات واهنة متحشرجة ، وجهها لأهله وأصدقائه الجدد في التونج وفي الجنوب السوداني البعيد، وهو يقول لهما لا تبكوا علىّ، ولا تقلقوا، ولا تقنطوا من رحمة الله.
الراي العام
لو كنا بلد كان كرمنا الراجل بقاعة ومدرسة أكبر من بتاعة الزبير؟;( ;(