عالمية

لهذا ازدهرت صناعة التعذيب وتشييد السجون والمعتقلات و انتشار السجون السرية الأمريكية في 66 دولة على الأقل

يبدو أن ثورة 25 من يناير ما زالت تحمل في جعبتها المزيد من المفاجآت التي تتكشف لنا يوما بعد يوم ويبدو أنها ستظل على هذه الوتيرة إلى فترة ليست بقصيرة.

وكانت آخر تلك المفاجآت وأكثرها إثارة للجدل، هو انهيار جهاز امن الدولة المفاجئ، فقد حمل هذا الانهيار تساؤلات، لتزامنه مع الإعلان عن استقالة رئيس الوزراء المصري السابق، الفريق احمد شفيق، الذي أُثيرت حوله الشكوك بشأن حماية الجهاز وعلاقته بالنظام السابق.

جاء انهيار الجهاز ليذكرنا بالانسحاب الغامض الذي طال جهاز الشرطة المصرية في أعقاب الأحداث الدامية التي شهدتها جمعة الغضب ورافق نزول قوات الجيش إلى ميدان التحرير، ليظل المعتصمون في ميدان التحرير يضعون على قمة مطالبهم حل جهاز امن الدولة في مصر والذي كان يمثل عصا البطش التي يمارسها النظام ضد المعارضين .

ولعل الفترة التي طالت بين المطالبة وحل الجهاز قد أتاحت الفرصة لكبار مسئولي النظام السابق بإخفاء وحرق وفرم الوثائق التي تكشف عن المخالفات والانتهاكات التي مارسها ضد أبناء الشعب على مدار 30 عاما، فحينما تمكن الثوار من دخول مقرات أمن الدولة أولا في الإسكندرية ثم في مدينة السادس من أكتوبر ثم المقر الرئيسي في مدينة نصر في القاهرة ثم المقر سيء السمعة في منطقة لاظوغلي الملاصق لوزارة الداخلية فوجئوا بكم هائل من الوثائق تم فرمها في ماكينات خاصة حتى لا يتمكن أحد من ملاحقة ضباط الجهاز أو التعرف على طبيعة الأعمال القذرة التى كانوا يقومون بها طوال السنوات الفائتة.

ولعل السؤال المطروح الآن هو: هل كانت الوثائق الخطيرة والسرية التي تم إتلافها أو التي ما زالت موجود الآن بمقار امن الدولة تثير المخاوف لدى أطراف وشخصيات مصرية فقط أم أن هناك بعض الوثائق التي تخشى أطراف غير مصرية الكشف عنها ؟ ولعل ما دفع بنا لهذا التساؤل إلى البحث عن إجابة هو طلب الرئيس الأميركي باراك أوباما من وزير دفاعه روبرت غيتس التوجه فورا إلى مصر إثر اقتحام عدد من مقار جهاز أمن الدولة من قبل المحتجين، حيث تشير تقارير إستخباراتية إلى تخوف الإدارة الأمريكية من تمكن عناصر وصفت بالمعادية لسياسات الولايات المتحدة من الحصول على وثائق سرية لم تكن متاحة من قبل سوى لرئيس جهاز المخابرات المصرية السابق عمر سليمان .

وأشار موقع دبكا فايل المقرب من المخابرات الإسرائيلية بأن واشنطن تلقت معلومات بأن الأوضاع خرجت من سيطرة المجلس العسكري الحاكم، بعدما اندس عدد من الأفراد المقربين من إيران وسط المحتجين، وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قد أشارت إلى وجود محاولات إيرانية لاستخدام حزب الله اللبناني للتواصل مع حركة حماس الفلسطينية التي تقوم بدورها بالتواصل مع عناصر من المحتجين داخل الأراضي المصرية.

ولهذا لم يكن غريبا أن يسارع أذناب النظام السابق إلى حرق وفرم الأوراق، وأن يدعو اوباما مبعوثه التوجه إلى القاهرة على وجه السرعة لاحتواء الأسرار التى يمكن أن تمس أمن أمريكا، فما جرى في مصر في اقتحام مباني جهاز أمن الدولة، شكّل مخاوف أمريكية وإسرائيلية وأوروبية من أن تصل تلك الأسرار إلى فئات المجتمع لتكون ذريعة لتصعيد العداء.
ومن جانبه نفى جيك والاس، نائب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأدنى، خلال مؤتمر صحفى عقد بالسفارة الأمريكية بالقاهرة أن يكون هناك تخوفات لدى الإدارة الأمريكية الحالية من التسريبات الخاصة بأمن الدولة مؤخرا، مؤكدا على أن العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر تعود إلى عقود وأنه لا يوجد مخاوف من تأثير تلك التسريبات على تلك العلاقات فالبلدين سيواصلا العمل معا في مجال دعم الديمقراطية في مصر، معربا عن ثقته فى قوة تلك العلاقات التى تربط البلدين.

بحسب صحيفة “الوفد” المصرية فقد كشف محمد الدريني، الأمين العام للمجلس الأعلى لآل البيت، و أحد أقطاب الشيعة في مصر، في تحقيقات النيابة في بلاغه حول التعذيب في عصر مبارك، أنه وجهت إليه اتهامات من قبل الأجهزة الأمنية أثناء احتجازه بأنه سعى للتواصل مع التيار الصدري الذي يقوده الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في العراق والزيديين الشيعة في اليمن .

كما أن الولايات المتحدة استعانت بحبيب العادلي في تعذيب معتقلين واستضافتهم تحت مسمى مكافحة الإرهاب ، وأشار أن العادلي صور عمليات التعذيب بكاميرات الفيديو وقال للمعتقلين ” أمريكا تريد تسجيلات تفيد بتعذيبكم “، وأدرجت نيابة أمن الدولة العليا بلاغ الدريني ضمن بلاغات الفئة “أ ” شديدة الخطورة .

وبينما كانت دول الغرب تنأى بنفسها عن استخدام أساليب الاعتقال والتعذيب فى سجونها وعلى أراضيها، فقد عملت على نقل مسرح عمليات التعذيب والملاحقة إلى الدول العربية والإسلامية، حتى لا تستخدم أراضيها فى عمليات منافية للعدالة والقانون وحقوق الإنسان.

وكانت مصر والأردن واليمن والعراق والمغرب وتونس والجزائر من أوائل الدول التى سمحت باستخدام أراضيها لاستقبال المشتبه فيهم والتحقيق معهم وإكراههم بوسائل غير قانونية على الإدلاء باعترافات ومؤامرات لحساب المخابرات الأمريكية، وأقيمت لذلك مقار أمنية بمساعدة أمريكية، محاطة بجميع إجراءات السرية وتقنيات التعذيب وانتزاع الاعترافات بالصدمات الكهربائية وغيرها من الوسائل.

ولهذا ازدهرت صناعة التعذيب وتشييد السجون والمعتقلات فى أماكن بعيدة لا تخطر على قلب بشر، وأصبح جهاز أمن الدولة هو المفرخة الطبيعية لوزراء الداخلية والمحافظين وكبار المسئولين، واتسعت اختصاصاته وصلاحياته بحيث بات مسئولا عن تعيين الوزراء وملء المناصب الشاغرة والموافقة على السفر أو منعه وتعيين رؤساء التحرير وعمداء الكليات ورؤساء الجامعات والتدخل لحل الخلافات الطائفية أو تأجيجها!!

وكانت صحيفة فرانكفورتر روندشاو الألمانية قد كشفت في تقرير لها نشر في منتصف العام الماضي، عن انتشار السجون السرية الأمريكية في 66 دولة على الأقل، ومنها مصر والأردن وسوريا والمغرب وباكستان وجيبوتي وإثيوبيا وتايلند ورومانيا وبولندا وغيرها .

ويرصد تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الأمريكية في أحد فصوله السجون السرية في مصر وكيف تعاونت مصر مع الاستخبارات الأمريكية في اعتقال وتعذيب واستجواب بعض الأشخاص الذين اعتقلتهم الولايات المتحدة في إطار سياسات مكافحة الإرهاب التي انتهجتها عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

وعلى الرغم من نفي الولايات المتحدة لتخوفها من تسريبات وثائق امن الدولة المصرية، إلا إنها ليست في حالة استرخاء إزاء المفاجآت التي يمكن أن تتكشف عنها تلك الوثائق، التي بدأت أسرارها تكشف عن تجاوزات أمريكية في التعاون الأمني مع النظام السابق بشان مكافحة الإرهاب خاصة في الفترة التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر 2011، وتتسبب لها في إحراج ليست في حاجة إليه كما فعلت وثائق ويكليكس في وقت سابق، خاصة فيما يتعلق بمسالة السجون السرية وتعاون النظام السابق وجهازه الأمني مع ” السي أي ايه ” في تعذيب معتقلين من دول اخرى فالنظام السابق وبالتعاون مع الولايات المتحدة جعل من مصر محطة تعذيب للمعتقلين ومنهم إسلاميون يُعتقد أنهم يقدمون معلومات مفيدة في الحرب التي تقودها أمريكا على ما تسميه بالإرهاب قبل إرسالهم إلى جوانتانامو، بتواطؤ من نظام حسني مبارك وجهازه الأمني الذي كان مسخرا لخدمة وحماية النظام وتجاوزاته داخليا، وبتعاون مشبوه مع الولايات المتحدة .

محيط