منوعات

السياسيون.. ما لهم يكذبون؟! ما بين الساسة والنساء!!

[JUSTIFY]نلتقي معاً على محبة قول جبران خليل جبران الذي صاغه في موضوعية وهدوء: «من يشفق على المرأة يمتهنها، ومن ينسب ويلات المجتمع اليها يظلمها، ومن يحسب صلاحها من صلاحه وشرها من شره كان مدعياً متبجحاً، ولا ينصفها الا من يرضى بها كما أرادها الله، لا كما يريدها هو».. واذا وقفت مع «دستة» فقط من النساء الشهيرات اللائي لعبن دورا في الاسلام وتقدمن الرجال، نجد ام المؤمنين خديجة التي قال عنها صلى الله عليه وسلم، آمنت بي اذ كذبني الرجال، وأسماء بنت ابي بكر التي سبقت كل اخوتها الذكور في اعتناق الاسلام وفاطمة بنت الخطاب التي أسلم أخوها عمر عن طريقها.. وسوداء العامرية التي سبقت جميع قومها للإسلام، وأم الفضل بنت الحارث التي سبقت أهلها وزوجها العباس بن عبد المطلب واليه يعود اسم العباسيين، وأسماء بنت سلامة، وأسماء بنت عميس زوجة الشهيد جعفر بن أبي طالب، وأم الخير والدة أبي بكر الصديق سبقت الى الاسلام أولادها، وأم كلثوم بنت عقبة سبقت أهلها وأباها.. وأم حبيبة بنت أبي سفيان سبقت أباها واخوتها.. وأميمة الدوسية سبقت أهلها ايضا وفيهم ابنها الذي صار «أبو هريرة» أهم مصدر للاحاديث.. وأم سليم بنت ملحان سبقت أهلها وزوجها مالك الذي ترك لها «أنس بن مالك» الصحابي الجليل.. ومن المهمشات زئيرة جارية عمر بن الخطاب التي عذبها جاهلي حتى فقدت بصرها.. إن النساء منذ فجر الاسلام وحتى اليوم يلعبن دورا كبيرا في التوجهات الدينية والسياسية سوى كن في صفوف الحكومة او المعارضة.. وقاتلة حمزة أسد الله كانت بتدبير امرأة..
سئل حكيم صيني: أتفضل ان يكون امبراطور الصين رجلاً أم امرأة؟ فقال الحكيم: إذا كان الامبراطور رجلاً حكمت النساء واذا كان امرأة حكمت الرجال، فلهذا افضل ان تحكم الصين امبراطورة.. هناك الكثير من النساء اللاتي اشتركن في حكم السودان وصناعة القرار السياسي من وراء الكواليس.. وهناك من اشتركن في الحكم زمنا مع انهن لم يكن في مناصب سياسية ظاهرة للعيان.. وهناك الكثير من النساء السودانيات لعبن دورا «مدام رولان» التي كانت من اعظم نساء فرنسا، انشأت حزب «الجيروند» وملأت القلوب حماسة، وجعلت من زوجها وزيراً.
والساسة كالنساء، أغلى ثمن يدفع «مهراً للمرأة» يدفع في المرة الأولى، وكلما زادت المرات تضاءلت القيمة، حتى تصبح كقيمة التراب.
والنساء يقفن أمام المرآة ساعات طوال.. والساسة كذلك، انهم امام مرآة بيضاء اذا اقترب منها الوطني ارتسمت فيها صورة الوطني الكبير، واذا اقترب منها صاحب الاحلام انطبعت عليها صورة رجل يبحث عن مجد عريض.. واذا اقترب منها لص بدت وفيها رسم زعيم عصابة لصوص.. والواقع ان المرآة واحدة.. والذين يطلون فيها يتغيرون.
عجبي للسياسي الذي كل شيء باعه بثمن، فلا عجب اذا حاول أن يشتري كل شيء بثمن.. لا تلوموا من يشتري.. انما لوموا من يبيع.. عجبي للسياسي عندما يكون كتمثال جميل في أي صالون.. وقد غلب عليه المنظر والمظهر.. وطغت عليه الاناقة، فلم يترك مكاناً لاناقة النساء.. وبعض الساسة يدخل المجد من الباب العمومي وبعضهم يدخل من الباب الخلفي.. ليس له ماض ولكن له حاضر ومستقبل.
أثناء الافطار الرمضاني هتف أكاديمي إعلامي: اني احتج على المساحات الممنوحة للسياسيين في صحف الخرطوم، بصراحة ابتلت الصحف بالسياسة وحظوة السياسيين طاغية مع أنهم يكذبون كثيراً.. ان قضية الكذب في الممارسة السياسية جديرة بالتوقف عندها، مع قناعتي بأن السياسي دائماً ما يضطر للكذب، ولن يعترف ابدا بكذبة سياسية أطلقها.. ولو قام صحافي باجراء استطلاع وسط السياسيين حول الكذب السياسي، سيكذبون عليه وسيقولون له لم نكذب قط؟!
نعم السياسة في السودان الى اليوم لم تعرف «أدب الاعتراف» ولا تمارس فضيلة النقد الذاتي، ويضطر السياسي لتمثيل أدوار ليس مهيأً لها، وهذا في حد ذاته كذب!! بعض السياسيين يعتبرونه كذباً في دائرة المباح، وانه من الحماقة ان يتحدثوا بكل ما يعرفون خوفاً من كشف اسرار ينبغي التكتم عليها.. والبعض أيضاً يعتقد ان الكذب هو الكذب ولكن هناك كذب ضار وكذب اقل ضررا وهو جزء من شخصية الانسان.. وهناك نوع من الكذب يحتمله المجتمع وهناك من يرى أن الحياة لا تمضي بلا كذب؟!
والناس يطالبون السياسي باشياء تفوق طاقته، ومن يتجاوب مع هذه الطلبات ليس امامه سوى خيارين: فإما ان يكون واضحا ويقول «لا استطيع» والناس لا يحبون هذا لأنه لا يعطيهم مساحة للأمل.. أما الخيار الثاني هو أن يتحايل عليهم بالوعود الكاذبة.. وهذا أفضل لهم خصوصاً في البلاد التي تغشاها الأمية والتخلف.. وقد يعتبر البعض ان السياسة في حقيقتها «حرب مصالح»، ولذلك مجاز فيها الكذب!!
والكذب ينتمي الى حقل الاخلاق.. والسياسة تنتمي الى حقل الصراع الدنيوي من أجل السلطة.. وهو صراع تراكمت مفاهيم كثيرة عبر تاريخه لتؤكد ـ على اختلافها ـ ان استخدام كافة الاسلحة مباحة وبالتالي اقحام الحديث عن الكذب والصدق كأنه حديث عن الخرافة.. وهناك من نظر لذلك بصراحة مثل ميكافيللي في كتابه «الأمير»، وهو أفضلهم لأنه صريح وواضح، والآخرون اذا كانوا لا ينظرون لذلك لا يعني أنهم صادقون؟!.. ومهما كانت الظروف ومهما كانت الضغوط فإن الكذب يجب ألا يطال أبداً الخطاب الموجه للشعب.. وما من سياسي جدير بالاحترام يمكن أن يكذب أو يموه على شعبه.
وبين كذب الدولة والحزب والفرد، نجد أن كذب الدولة مخطط، لأن مجموعة من الناس يتفقون على كذبة معينة.. فهو كذب مؤسس.. وكذب الفرد يأتي غالباً حينما يكون الإنسان في ورطة شخصية ـ التحقيق عند الأجهزة الامنية ـ عندما يضر الصدق بالسلامة.. فهو مربوط بالضعف الشخصي والتطلعات الطارئة!!
إن السياسة حسب مدرسة الحزب الشيوعي السوداني ـ أمر تباين في الرؤى واختلاف في المذاهب واجتهاد في البرامج.. وهذا لا يتحقق إلا عن طريق تربية سياسية وطنية تلتزم بها كل الاطراف المتصارعة، والى ذلك الحين في السودان يظل الكذب صفة اخلاقية دميمة.. واذا كان البعض يعتبر الكذب السياسي والنفاق طريقاً سالكاً للوزارة والاستوزار.. فحقيقة أن الوزارة مسؤولية كبرى تحيطها الاخلاق والمبادئ، وتصيب من تسند اليه بأرق شديد. وهذه الحقائب الوزارية مجتمعة في مجلس تنفذ سياسة الدولة وفق البرامج والخطط المعلنة، وكل وزير في مجال اختصاصه معنى بما أصابه من نجاح أو فشل، ولن يفيده الكذب كثيراً لتبرير هذا أو ذاك.. ولذلك نجد أنه في المجتمعات خارج السودان يقدم الوزير استقالته عندما تحيط به الأخطاء او شبهة الفساد، او نزولاً عند رغبة الرأي العام المحلي.. ولكن في السودان يفقد الوزير حياته ولا يفقد حقيبته الوزارية ويتشبث بها الى آخر رمق.. ولم نر استثناءً من هذه القاعدة الا «استقالة ابو حريرة في الديمقراطية الثانية واستقالة عبد اللطيف العجيمي في نهاية حكم الانقاذ»..
والتطلع الى الحقيبة الوزارية داء منتشر وسط السياسيين والتكنقراط والاكاديميين.. ويعتبرون تقلد الوزارة اضافة مهمة الى سيرتهم الذاتية، وسعوا لها سعي الحجيج بين الصفا والمروة، وقدموا تنازلات مخجلة، ويذهبون الى اصحاب القرار تنظيميا وجهوياً وقبلياً حتى بلغ الذين استوزروا في عهد الانقاذ بقدر خريجي جامعة الخرطوم في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، وبعضهم يشقون الاحزاب ويكونون بعضها، ويحتمون بالكبير من قواعدهم ومناوئهم، ويقدمون حزباً على رأسه مشروع وزير جاهز.. والانقاذ تنقذ الانشقاقات بتوزير قادة الانشقاقات، وبعد ذلك لا تستطيع ان تفطمهم حتى بلبن الطير «ودقر يا عين على الدقير»!!.
كم منهم تقلدوا الوزارة وتركوها ولم يتركوا أثراً للنجاح ينسب لهم.. ولكن ليت الوزير الفاشل قد تذكر يومها وقبل ان يغادر كرسي الوزارة مقالا أو معفياً او مرفوداً او مخلوعاً.. مجبراً معزولاً، أن هناك عظمة ما في ان تغادر المكان ونحن في قمة نجاحنا، انه الفرق بين عامة الناس والرجال الاستثنائيين.
وتحضرني مقولة لـ «ديغول»: «ليس من حق وزير أن يشكو، فلا أحد أجبره على أن يكون وزيراً». وزير سابق من سدنة الانقاذ قال: «لم يجبرني أحد ولكن كنا نلهث وراء الكرسي ناسين ان الوزير في النهاية موظف استبدل بسعادته كرسياً».. وبعض الوزراء يصبحون من المدمنين على ذلك الكرسي، منهم أصحاب كل عهد وكل زمن.. أصحاب الحقائب الوزارية.. أصحاب المهمات المشبوهة.. اصحاب السعادة، اصحاب التعاسة، اصحاب الماضي المجهول، أصحاب العقول الفارغة بالسوار والفيلات الضخمة بالدولار، والمجالس التي يتحدث فيها المفرد بلسان الجمع وعلى الحاشية أن تسمع.. انهم مشاريع وزراء الى الابد، ادمنوا سيارات الجاز وكراسي الهزاز ومصاهرة الأسر العزاز.. انهم وزراء ينسون كل شيء من حولهم الا انهم وزراء، وعندما يأتي له الخبر بإعفاء الوزير او عزله ينزل عليه كالصاعقة، وكأنه خرج من كهف عزلته يجرجر خيبته وإخفاقاته في السنين التي جلسها على ذلك الكرسي، ويتمنى في ذلك الوقت لو كان يدري لذة أن يمشي في الشارع مرفوع الرأس وهو الذي كان يمشي خطوتين على قدميه، وكانت الشوارع محجوزة له.. وهكذا لن يكون الوزير سعيداً اذا كان رجل الشارع غاضباً.. لأنه ما عاد سلحفاة تنام على ظهرها حتى لا تهرب اذ قلبوها في محاولة انقلاب المنطق؟!
سعدت لتجربة الصحافي المشاكس الذي أصبح وزيراً للإعلام في ولاية النيل الابيض، ولكن سرعان ما عرف تحدي الصحافة على الوزارة، وكم كان حراً طليقاً بقلمه واليوم لن ينطلق بل على مداد أقلامنا «ينزلق».. فاصبح ينظر لصحافة الولايات ونيابات، ويريد أن يكبل الصحافة لأنه من«الناس القيافة»!! تجربة عبد الماجد جعلتني أعيد النظر في الانحراف عن كرسي صاحبة الجلالة إلى كرسي الوزارة.. خاصة ان هذه الايام يغازلونني بالكرسي وأغازل فيه بـ «الدرسي».. ولو ان نفسي الضعيفة ترنو الى كرسي وزوجة ثانية.. الا ان الوصول بالطرق الشريفة مستحيل.. فمن الواجب أن تتدنس اليدان، فمن الواجب أن يحدث ذلك كما قال «بلزاك» في إحدى رواياته.. وقد امتلأت رواياته التي اقرأها هذه الايام بصور الانتهازية والشر والبحث عن الثروة بكل الطرق والاساليب، مما جعل الناقد والمؤرخ الأدبي جوستاف لانسون يقول: «إن بلزاك لا يحسن الكتابة في الفضيلة والرشاقة، وانما تتبدى عبقريته عندما يتجه الى الابتذال والرذيلة فهو هندي التوجه.. وليس عزيزاً».
لقد أصبح المال كل شيء في المجتمع السوداني اليوم، وأصبح المحور الاساسي للحياة يرفع الانسان او يخفضه.. ولكن في لحظة انحراف وجدت ان الانحراف ذاته اصبح عصياً لقد احتكروا وسدوا دروبه.. واصبح امتلاك ادواته صعباً، ولكن هناك الذين نجحوا في الانحراف.. أريد ان انحرف كانت نزوة عابرة.. كانت رغبة طائشة.. ما أحلى أن تجد سداً منيعاً في طريق الانحراف.. ورمضان كريم.. لا تطلبوا الوزارة وأنتم صيام وقيام في مسجد النور!!
[/JUSTIFY]

الصحافة